وليمة ذكورية ..



محمد عبعوب
2016 / 5 / 30

كلما التقوا كان لحم الأنثى هو الأشهى لوليمتهم النميمية، فهي العدو الأول لهم وسيرتها هي الأشهى في جلساتهم، كما هي حُلُمهم ومعقد آمالهم الغريزية، يتبارون في تشريح لحمها وتفصيله كما يحلو لهم وبما يرضي أناهم الذكورية المتوضعة في وعيهم ككائنات منزهة عن الخطأ والخطيئة..
ذات وليمة من هذه الولائم التي تقام بلا موعد و في أي مكان وفي أي وقت تلتقي فيه شلة الذكور، التقينا أربعة ذكور في محل للحلاقة كنت زبونا لديه منذ ثلاثة عقود مضت، كان أكبرنا على أعتاب القبر وأصغرنا في العقد الرابع من عمره ننتظر دورنا للحلاقة.. تطوع الحلاق كعادته في خلق قصص لتبديد ملل الانتظار بين زبائنه، بقص شريط الوليمة، فطرح سؤال وطلب من الجميع الإجابة عليه مفاده، كيف يستطيع الرجل السيطرة على زوجته وإخضاعها لإرادته؟ !! وكانت الزوجة الوليمة التي تَسَابقَ الحلاق وزبائنه على نهش لحمها بنهم كل يريد أن يتفوق على الآخر في تفتيت أوصالها وتمزيق أطرافها بأنيابهم الصدئة. التزمت الصمت وأنا أراقب تسابقهم على كيل كل التهم الحقيقية والخيالية والممكنة والأسطورية والملفقة للأنثى وكأنها شيطان متناسين في تلك الجلبة أنهم أبناء وأخوة وأزواج وآباء لهذه الأنثى التي ينهشون لحمها بنهم قل نظيره، وأنهم في حقيقتهم لا يستطيعون التخلي عنها او مفارقتها ولا يمكنهم الاستغناء عن وجودها في حياتهم..
"المرأة شيطان " "إن كيدهن عظيم" .....وووو الى آخره من قائمة التهم والنعوت التي أنتجتها الثقافة الذكورية السائدة لتلصق بالأنثى مجانا، وبعد أن أفرغ هذا الجمع جعبتهم ونفسوا عن عقدهم الذكورية المَرَضية بنهش لحم الأنثى ، انتقلوا الى موضوع آخر يتعلق بحال المتقاعدين وما يواجهونه من مشاكل في البيت، ليوظفوه في هذه المجزرة ضد الأنثى، فتطوع ذلك الشيخ الثمانيني بشرح حاله وكيف يعاني من الضجر والملل جراء الفراغ، لافتا الى أنه قد ملَّ البقاء في البيت وإثارة المشاكل مع زوجته وبناته لأتفه الأسباب، موضحا أن الفراغ والسجن بين جدران البيت هو السبب.. هنا تدخلت وأخذت زمام المبادرة لأرد على كل ما دار في تلك الوليمة بفصليها، وسألتهم:
- الم تقولوا إن بقاءكم في البيت الذي لا يزيد عن أيام محدودة يدفعكم لإثارة المشاكل لأتفه الأسباب، فلماذا تستكثرون على الأنثى -التي تظل حبيسة جدران هذا البيت منذ ان تدخل العقد الثاني من عمرها إلى أن توارونها التراب- مجرد إبداء ضجرها او ضيقها من البقاء في هذه الزنزانة؟!!
- أليس من حقها وهي المحكومة بالسجن المؤبد في هذا السجن أن تنفس عن قهرها والظلم الذي لحق بها بالاحتجاج الصامت الذي تستكثرونه عليها؟
- لماذا لم اسمع ولو اعتراف بسيط من أي منكم بأنه قد أخطأ يوما في حق زوجته او ابنته او أمه او زميلته ؟ أم إنكم ملائكة منزهون عن الخطأ!!
- هل نسيتم وأنتم تنهشون لحم الأنثى بأنكم قد تكونتم وترعتهم في أحشائها 9 أشهر، ثم سقتكم من صدرها لبنا سائغا لمدة عامين ثم بين أحضانها ترعرعتم الى أن اكتشفتم ذكورتكم التي أنستكم هذا التاريخ وأصبحتم تكيلون لها كل التهم المعقولة والخيالية!
صمت ذلك الجمع المغرور بفحولته لبرهة أمام الحقائق الصادمة لخيالهم المريض، ثم استعادوا وعيهم المزيف، وكرِّوا من جديد يراوغون للدفاع عن أباطيلهم مستندين إلى خرافات من مختلف المشارب ، وراح كل يبحث في جرابه المهتري عن قصص تؤيد وجهة نظره في عدوته التي ولدته ومنحته الحياة وأنجبت له خلفا يحمل اسمه و يخلده في مجتمع الذكور.. اكتشفت ساعتها أنني أغرد خارج السرب وأنني أجادل أصناما ليس إلا.. لزمت صمتي وسافرت عبر الخيال حالما بعالم ينصف نصفنا المظلوم منذ قرون..
25/7/2015م