المطالبة بمهر الزواج للرجل أسوة بالمرأة



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 11

أغلب الأشياء في الحياة يمكن شراؤها أو مبادلتها بالمال إلا المشاعر والأحاسيس الصادقة كونها من خاصة القلب وليس العقل، وحين تخضع المشاعر والأحاسيس باعتبارها إحدى أهم ركائز العلاقات الإنسانية إلى سوق المال ويتم عرضها كسلعة قابلة للبيع والشراء تفقد قيمتها الروحية التي تشكل الأواصر بين أفراد المجتمع. وحين تصبح المرأة جسداً يعرض في المزاد، يمكن شراءه بالمال ويتمتع به كل من يمتلك مالاً أكثر تصبح المرأة ذاتها سلعة لا كائن إنساني يختار شريك حياته عبر رابط المشاعر والأحاسيس.
وقد كان المهر المقدم للمرأة في فترة زمنية معينة يعتبر ضماناً لها، لكنه في الوقت الراهن يخضع لتساؤلات عديدة خاصة بعد أن دخلت المرأة سوق العمل ولم تعد بحاجة إلى ضمان مالي لقاء زواجها أو طلاقها ويمكنها إعالة نفسها دون الحاجة لنفقة الطلاق ولا مقدم الزواج الذي يحط من قدرها باعتبارها سلعة يحصل عليها من يمتلك المال. ويمكن النظر في موجبات مهر الزواج (المقدم والمؤخر) برؤية معاصرة من خلال الأبعاد الآتية:
1-البعد التاريخي: يتم النظر إلى مهر الزواج على اعتباره ضماناً أو حقاً من حقوق المرأة كونها لاتحظى بفسحة العمل وبالتالي يعتبر تعويضاً مالياً لها، ولايحظى هذا الحق بالصدقية بعد أن أصبحت الفسحة مواتية للمرأة للدخول إلى سوق العمل وبالتالي حصولها على الدخل المالي الذي يمنحها الاستقلالية الاقتصادية بعيداً عن عطايا الزوج!.
2-البعد السلعي: المهر المدفوع للزوجة يحيلها إلى سلعة معروضة للبيع والشراء من يدفع أكثر لها أو لأسرتها ينال جسدها وخدمتها مدى الحياة. وهذا الأمر يسلبها حقوقها ككائن إنساني واعتبارها جارية مهمتها تلبية رغبات وحاجات زوجها ولايحق لها المطالبة بالحقوق، فحقوقها مضمونة في مقدم الزواج وعند انتهاء خدماتها عند الزوج يدفع لها مؤخر أتعابها وفقاً للتشريعات المعمول بها.
3-البعد الجنسي: مهر الزواج هو رسوم مالية يدفعها الزوج لقاء توقيعه عقد الزواج أو عقد النكاح أو عقد الإشهار.....كما هو مثبت في عقود الزواج المسجلة في المحاكم المدنية للدولة. ويتضمن هذا العقد أن تمنح الزوجة جسدها لزوجها لقاء المقدم الممنوح لها أو لأسرتها وكذلك مؤخر الزواج. وبعد توقيع الزوج والزوجة (أو من يمثلها من الأسرة) على عقد البيع، فإن جسدها يصبح ملكاً لزوجها ولها خيار رفض منح جسدها للزوج عند عدم تسديده لمقدم المهر!.
يقول ((محمد جواد مغنية))"إذا تنازع الزوجان وقالت الزوجة لا أعطيك نفسي قبل أن أقبض المهر وأجاب الزوج لا أدفع قبل أن تعطيني نفسك عندها يعطي الزوج قيمة المهر لشخص ثالث وحينها تكون الزوجة مجبرة لإعطاء نفسها لزوجها فإن فعلت حقت لها النفقة. وإذا كان الزوج عاجزاً عن إعطاء المهر فإن الزوجة لاتستطيع طلب الطلاق، وأنما تستطيع أن لاتعطي نفسها لزوجها".
4-البعد الرمزي: يعتبر المهر في الزواج هدية يقدمها الزوج لزوجته قبل الزواج كمقدم وهدية أخرى كمؤخر حال استحالة الحياة الزوجية بينهما. فإذا كان الأمر كذلك ألا يستحق الزوج أيضاً هدية مماثلة من زوجته قبل الزواج وبعده. ألم يقوم الزوج بمهماته كزوج خلال فترة الزوج يستحق عليها هدية من زوجته. وإذا كانت هدية المهر للزوجة باعتبارها آلية جنسية، فتلك تتطلب فعلين من الرجل والمرأة لينال كل منهما حصته من الاستمتاع وإلا فإن العملية الجنسية ذاتها تصبح غير مكتملة. وبهذا فإن فعل الاستمتاع من خاصة الطرفين، ولهما الحق بالمطالبة بالتعويض أو الهدية لمقدم الزواج أو مؤخره وليس من العدالة أن تحظى المرأة لوحدها بمقدم الزواج ومؤخره والاستمتاع معا!.
عليه من الإنصاف إلغاء المهر عند الزواج لإسقاط أبعاده غير الإنسانية في البيع والشراء أو أن تدفع الزوجة مهراً للزوج لشراء جسده وخدماته بالمقابل حتى تحقق معادلة البيع شروطها: المال مقابل المال وليس المال مقابل الجسد أو لربما مقايضة الجسد بالجسد، حينها يحق لكل طرف المطالبة بحقوقه باعتباره كائن إنساني وليس سلعة تم شراءها من سوق النخاسة!.
تعتقد ((حفيظة شقير))"أن المهر كأمر إلزامي من جانب واحد بالنسبة للرجل عند عقد الزواج، يبدو وكأنه عقد بيع بين الزوج وأهل المرأة...يتوجب القضاء على ما يجعل من المهر المقابل المالي لجمال المرأة الجسماني".
5-البعد الشرعي: مهر الزوج يعتبر ركناً أساسياً من أركان الزواج في الشرع، فبدون دفع مبلغ من المال لقاء الحصول على الزوجة يصبح الزواج غير شرعي. ومع ارتفاع معدلات البطالة في العديد من الدول الفقيرة و ارتفاع مهور الزواج للنساء أدى لاعتكاف الرجال عن الزواج.
وأخذت معدلات العنوسة بالتزايد وتفشت مظاهر البغاء والاغتصاب الجنسي في المجتمع وأصبحت هذه الظواهر تشكل تهديداً لنسيج المجتمع خاصة أن الدولة لم تتخذ إجراءات للحد من هذا التدهور في النسيج الاجتماعي، ومازالت الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية متمسكة بمهر الزواج الذي يحمل بين طياته الأبعاد الخمسة السالفة التي لاتتوافق مع مجريات العصر!.
يعارض ((محمد جواد مغنية)) مبدأ اعتبار المهر ركناً من أركان الزواج الشرعي قائلاً:"أن المهر ليس ركناً ولا شرطاً في صحة عقد الزواج".
وإذا كان الأمر كذلك (يتوافق ذلك مع مجريات العصر) فلماذا لا يأخذ ذلك أبعاده الشرعية في المجتمع؟. ولماذا تقبل المرأة المعاصرة على نفسها الانصياع لأبعاد مهر الزواج نزولاً عند رغبات المجتمع؟. فإذا كان الزواج سُنة الحياة للحفاظ على النوع، فإنه يحافظ على مفرداته وجيناته للرجل والمرأة وبالتالي فإنه يخضع لاتفاق طرفي معادلة الزواج على توريث جيناتهما للحفاظ على النوع. وهذا الاتفاق هو بمثابة شراكة بين طرفين لإنتاج كائن إنساني يحمل ماركة داخلية مسجلة تقر بهذه الشراكة وتبعاتها الاجتماعية.
وهذه الشراكة لا تحتاج إلى رأس مال يراهن به طرفي معادلة الزواج، وأنما يحتاج إلى تراكم من المشاعر والأحاسيس لأداء وظيفة طبيعية-إنسانية تنتج كائنات إنسانية فعالة تساهم بدورها في الفعل الإنساني وتعمل على تقدم البشرية.
وهذا الفعل الإنساني هو مشاركة بين طرفي علاقة الزواج يشترط أهليتها لتحمل تبعات إنتاجيهما الإنساني ولاعلاقة للأعراف الاجتماعية أو القيم الدينية بهذا الفعل إلا بما ينظم ويدعم هذه العلاقة، لا أن يثقلها بتشريعات وأعراف لا إنسانية تحط من كيان المرأة والرجل باعتبارهما كيانات إنسانية حرة لا عبيد يسوقها المجتمع وأعرفه وقيمه نحو الجحيم.
إن قوانين الأحكام الشخصية في العديد من البلدان تنهل تشريعاتها من المبادئ الدينية، وتلك الأحكام والتشريعات غالباً ما تتعارض والكثير القوانين المعاصرة ليس باعتبارها انعكاس للدين يتم الاعتراض عليها لكنها فقدت مسوغها الشرعي، فالمهر وموجباته لم تعد قائمة بعد أن دخلت المرأة سوق العمل وأصبحت تنال لقاء عملها ما يناله الرجل من المال وبالتالي فإنها أصبحت قادرة على إعالة نفسها والمساهمة في نفقات الأسرة. في الفصل الأول من الباب الخامس من قانون الأحوال الشخصية اللبناني لعام 1978 الخاص بأحكام النكاح جاء في بعض بنوده مايلي:
1-"المادة 45: يشترط في لزوم النكاح أن يكون الرجل كفوءاً للمرأة في المال والحرفة وأمثال ذلك بالكفاءة في المال، وأن يكون الزوج مقتدراً على إعطاء المهر المعجل وعلى القيام بنفقة الزوجة. والكفاءة في الحرفة أن تكون تجارة الزوج أو خدمته التي سلكها مقاربة في الشرف لتجارة ولي الزوجة أو خدمته.
2-المادة 69: يلزم مهر الزوجة ونفقتها على الزوج عند تمام عقد النكاح الصحيح ويثبت بينهما حق التوارث.
3-المادة 71: يجبر الزوجة بعد استيفاء المهر المعجل على الإقامة في بيت زوجها إذا كان مسكناً شرعياً.
4-المادة 76: إذا حصلت المقاربة في النكاح الفاسد يلزم بها المهر والعدة ويثبت بها النسب وحرمة المصاهرة، ولاتثبت الأحكام كالنفقة والتوارث.
5-المادة 89: المهر للزوجة ولايجبر على عمل جهاز الزوجة منه.
تخفِ تلك التشريعات بين طياتها اعتبار المرأة سلعة متداولة يمكن الحصول عليها لقاء المال لمن يدفع أكثر خاصة أن ما يعرف بـ (ضمان مستقبل الزوجة!) عند الزواج لم يعد يشكل مبرراً مقنعاً لتبرير هذا الضمان عبر المهر في المقدم والمؤخر بعد أن أصبح هذا الضمان هو وظيفة المرأة وشهادتها وتعليمها الذي تتقاضى من خلالها راتب شهري يضمن مستقبلها وليست بحاجة لما يسمى بنفقة الطلاق لإعالتها.