العنف ضد المرأة من الصعيد للسويس



كريمة الحفناوى
2016 / 6 / 14

حقكِ علينا يا ست سعاد، وعيشى مرفوعة الرأس. وحقكِ سيجئ بإنفاذ القانون وليس بالمصالحة والمجالس العرفية وتبويس اللحى والرءوس. رحمك الله وفى جنة الخلد يا ابنتنا العروسة الصغيرة ميّار، وأنتِ أيضا حقكِ سيجئ عندما تتغير منظومة العادات والتقاليد الخاطئة، وعندما تعود منظومة القيم والأخلاق والضمير والمفاهيم الصحيحة للأديان السماوية التى تحض على الرحمة والمودة والتسامح والمساواة وإرساء العدل والحق وتحريم العدوان على الأرض وعلى الإنسان، والتى كرمت الإنسان بغض النظر عن اسمه أو لونه أو ديانته.
وجاء الدستور المصرى لينص فى مادته رقم 53 على: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر...التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون."
كم تريدون يا حكام ويامسئولين ويا نواب الشعب ويا سادة يا مستشارين ومشرعين للقوانين، كم تريدون من ضحايا للإسراع فى سن قوانين تفعل الدستور وتغلظ العقوبة لمن يقترف جريمة عنف بدنى أو نفسى أو جنسى ضد المرأة؟ كم سيدة أو فتاة تريدون أن تتعرى أو ينتهك عرضها حتى ننفذ القانون ليكون رادعا؟ كم طفلة فى عمر الزهور تريدون أن تفقد حياتها نتيجة للنزيف بعد عملية الختان حتى ننفذ القوانين الرادعة؟
وبجانب القانون لابد من التربية الصحيحة وتعليم النشئ ونشر ثقافة محاربة العادات الضارة بالمرأة وعلى رأسها الختان، وإعادة منظومة الثقافة الشاملة فى المجتمع من تعليم وسلوك وقيم ومعرفة وتنمية المهارات؟
يا من أقسمتم اليمين على هذا الدستور هل قرأتموه؟ هل فهمتموه؟ هل وضعتم أولوية لتشريع قوانين تحمى المرأة من العنف والقهر التمييز؟ لا أنكر أن هناك بدايات فى السنوات الأخيرة لوضع استراتيجية لمواجهة العنف ضد المرأة بين المجلس القومى للمرأة والمنظمات النسائية مع عدد من الوزارات منها العدل والأوقاف والداخلية والشباب والثقافة والقوى العاملة والصحة والتعليم. ولا أنكر الجهد المبذول على مدى سنوات طوال من المنظمات النسائية التى تعمل فى مجال حقوق المرأة فى الصحة والتعليم والسكن والعمل. ولكن ما زال أمامنا الكثير والكثير.
ولقد آن الأوان لإنشاء مفوضية عدم التمييز، وآن الأوان أيضا لأولوية إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة من مساجد وكنائس وفقا للمادة 64 من الدستور "حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون". والمادة 235 من باب الأحكام الانتقالية التى تنص على "يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
إن التجريف الذى طال المجتمع المصرى منذ سياسات الانفتاح الاقتصادى عام 1974 لم يكن تجريفا للاقتصاد فقط ولكنه تجريف للسياسة والاقتصاد والعقول والعلم ولمنظومة متكاملة من القيم والأخلاق، وبجانبه تغلغل أفكار ظلامية متطرفة ومتشددة لا علاقة لها بصحيح الدين. وطوال هذه السنوات سيطرت قيم الفهلوة والنصب والاحتيال والمحسوبية والفساد بدلا من العمل والعلم والكفاءة والأمانة والصدق.
وكان نتاج ذلك ارتكاب جرائم جديدة وغريبة على المجتمع المصرى ومنها انتهاك حرمة الجسد. إن ما حدث فى قرية الكرم مركز أبو قرقاص فى محافظة المنيا فى صعيد مصر لهو جريمة بشعة، وليست جريمة طائفية فقط كما حاول أن يصورها البعض، فالرجل المسلم أطلق شائعة أن زوجته على علاقة بشريكه المسيحى فى التجارة، وذلك للتهرب من مطالباتها له بالانفصال وبحقوق أبنائها وبناتها. أعقب ذلك اعتداء مجموعة من البلطجية والمتشددين دينيا على بيوت المسيحيين وحرق محتوياتها وتعرية سيدة مصرية فى السبعين من عمرها، هى والدة الشاب المسيحى الذى طالته الإشاعة.
ما حدث ياسادة جريمة متكاملة الأركان يعاقب عليها القانون ولا يجب أن تنتهى بمجالس صلح عرفية كما اعتدنا سابقا فى مثل تلك الجرائم. ينص دستورنا المصرى فى المادة 51 "الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها" والمادة 57 "للحياة الخاصة حرمة وهى مصونة لا تمس" والمادة 58 تنص على حرمة المنازل والمادة 59 "الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها". والمادة 60 "لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون".
حقك علينا يا ست سعاد. حقك على العين والرأس. ورحمك الله يا ابنتنا العروسة الصغيرة ميّار بنت السبعة عشر ربيعا من محافظة السويس. صبية مصرية وطفلة بحكم الدستور الذى ينص فى المادة 80 على "يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.....وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى". حقك علينا ياميار. عندما اتفق والداك أنتِ وأختك التوأم مع طبيبة بأحد المستشفيات الخاصة لإجراء عملية ختان لكما معا بالمخالفة للدين والدستور والقانون. لفظت ميار انفاسها نتيجة لنزيف عقب عملية الختان.
لقد أكدت دار الإفتاء المصرية أكثر من مرة، وعقب وفاة الطفلة ميار أيضا، من أن ممارسة ختان الإناث يخالف الشريعة الإسلامية والقانون، والسعى فى القضاء على تلك الممارسة نوع من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن قضية ختان الإناث ليست قضية دينية ولكنها ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية. كما أن ختان الإناث له مضار جسدية ونفسية يستوجب معه القول بحرمته والاتفاق على ذلك.
وقد صرح الدكتور أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن مؤشرات خطيرة حول ظاهرة العنف ضد المرأة فى ضوء نتائج أول مسح وطنى اجتماعى شامل بعنوان التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعى فى مصر عام 2015.
يتضمن المسح أنواع وأشكال العنف المختلفة الذى تتعرض له النساء فى الفئة العمرية بين سن 18 و64 سنة. تعرضت تسعة من كل عشرة نساء لعملية الختان. وربع النساء تزوجن قبل بلوغهن سن 18 سنة، أى قاصر وطفلة، وفقا للقانون والدستور. كما أشارت الدراسة إلى أن 46% من النساء السابق لهن الزواج تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل الزوج. ومن تعرضن للعنف كانت النسب التالية: 43% منهن تعرضن للعنف النفسى، و32% تعرضن للعنف البدنى، و12% للعنف الجنسى.
وفى إحصائية أخرى 10% من النساء تعرضن للتحرش فى الشارع والأسواق والميادين خلال عام 2015، وتعرضت 7% للتحرش فى المواصلات العامة، وحدثت غالبية حالات التحرش فى الميكروباص بنسبة 60%.
ومما له صلة بالموضوع، أشارت الدكتورة مايسة شوقى نائب وزير الصحة لشئون السكان، إلى أن المجلس القومى للسكان عقد اجتماعا مع عدد من أطباء الطب الشرعى والنيابة العامة وأوصوا فى مذكرة سيتم رفعها لوزارة العدل بضرورة اعتبار الختان عاهة مستديمة وجناية وليس جنحة، لتغليظ العقوبة لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات بدلا من الوضع الحالى باعتبار الختان جنحة عقوبته لا تقل عن ثلاث شهور ولا تزيد عن سنتين أو غرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد عن 5000 جنية! كما طالبوا بصدور قانون لتجريم مشاركة الأب والأم فى حالة إجراء عملية الختان.
إن المرأة المصرية التى تقدمت الصفوف فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، المرأة الأم والأخت والجدة والخالة والعمة والإبنة والزوجة، والتى قدمت أولادها شهداء فى سبيل تحقيق الحياة الكريمة وتحقيق الكرامة والعزة ستستمر فى مسيرتها النضالية لتغيير الثقافة المجتمعية التى تميز ضد المرأة من أجل مجتمع خال من العنف والتمييز، مجتمع الكرامة والحرية والمساواة والمواطنة.
دكتورة كريمة الحفناوى
عضو مؤسس فى الحزب الاشتراكى المصرى