المراة وطواغيت العصر .. الطاغوت الاول : الاستبداد الديني



زكي لطيف
2005 / 12 / 11

المرأة وطواغيت العصر
الطاغوت الأول: الاستبداد الديني
عرفت المرأة المسلمة في العهد النبوي لونا من الحرية والحقوق بناء على معطيات المرحلة النبوية التي تراعي في تقدمها طبيعة المجتمع العربي الذي خرج للتو من العهد الجاهلي إلا أن مضمار التقدم الحقوقي والإنساني للمرأة توقف بعد وفاة النبي (ص) مباشرة حيث كان اهتمام الخلفاء سواء في العهد الراشدي أو خلفاء العهود الملكية المتعاقبة منصبا حول تتبيث دعائم النظام السياسي والاقتصادي، ومن هنا كانت مأساة المرأة ، فالمرأة تعرضت في العهد الجاهلي لشتى أنواع الانتهاكات باسم القيم العربية والنظم الحاكمة ولكونها نظم يستحيل القضاء عليها لمجرد تحول سياسي وقيام دولة مركزية بل لا بد من توافر خطة عمل منظمة تتغلغل في الذات الفردية والعقلية العامة والنظرة السائدة والنفسية المجتمعية عبر جيلين وأكثر ولكون النبي الكريم (ص) انتقل إلى جوار ربه ولم ينتهي بعد من إفشاء النظرية الإسلامية الربانية في حقوق المرأة تمكنت هذه القيم من التغلغل في النظام الحقوقي مرة أخرى وعادت حقوق المرأة في الفقه والاجتماع الإسلامي إلى العهد الجاهلي إلا أنها مغلفة بغلاف الأحكام والفتوى الدينية مدعومة من العروش المتعاقبة التي هي كياننا وبننا وجوهرا لم تتشبع أبدا بالقيم النبوية التي ناضل النبي (ص) واله بيته وصحابته والمسلمون الأوائل عموما من اجلها .
الفقه ليس سوى الأداة التشريعية للإسلام ومن خلاله تملى الفراغات القانونية والتنظيمية في النظامين السياسي والاجتماعي فإذا ما كانت الأدوات الفقهية مشوبة بالخلل والنقص والخطأ فان النتيجة الحتمية عدم انسجامها مع طبيعة الحركة الإنسانية في نطاقها الفردي والجماعي، سواء للرجل أو المرأة ، العنصران المكونان للحياة الإنسانية ، وبفعل عوامل عديدة خطيرة استبد النظام السياسي والاجتماعي بشئون المرأة باسم الدين وتراجعت المسيرة الحقوقية للمرأة وعادت إلى سابق عدها ، فغدت المرأة المسلمة إنسانة مسحوقة الحقوق ، مغيبة الذات، مظلومة الأنا ، والى هذا العصر تعيش المرأة في ظل نظام سياسي واجتماعي وديني قمعي لا نظير له وبمبررات دينية تلقى القبول والمصداقية من قبل القوى المختلفة المكونة للمجتمع الإسلامي . من خلال استعراض بعض من المنزلقات الفقهية نلمس بوضوح تام كيف إن المرأة في ظل النظام الديني والفقهي الحالي ليست سوى كائن أنساني مغبون الحقوق ، إنسان تحت الوصاية، ليس له من الأمر شيئا ، سأسلط الضوء فقط على نظام المرأة الفقهي عند الشيعة تاركا الباب مفتوحا للآخرين لينبشوا مأساة أخرى في ظل انتماءاتهم المذهبية المقابلة !
1- وضع المرأة الحقوقي في مؤسسة الزواج : يقول الشيخ الطوسي «للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بعبد، أو مجنون، أو مجذوم، أو أبرص، أو خصي" يقول الإمام الخميني في وسيلته: «لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمالها تسع سنين، دوما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيد فلا بأس بها حتى في الرضيعة» ولكن ماذا لو فعلها ؟؟؟ يقول " «ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شي غير الإثم على الأقوى وإن أفضاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحد حرم عليه وطئها أبدا، لكن على الأحوط في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلوا من قوة ويجب عليه دية الإفضاء، وهى دية النفس فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والخلوه ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ولكن الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حية وان كان الأقوى عدم الوجوب"
ويقول في فصل أولياء المعقود: «إذا وقع العقد من الأب أو الجد عن الصغير والصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما، بل هو لازم عليهما"
2- المرأة في حياة الزوجية " يقول الشيخ المفيد : «ويكره للمرأة أن تتبرع بشيء من الصدقة إلا بإذن زوجها على ما قدمناه ويكره لها أن تعتق بغير إذن زوجها، وتوقف وتنذر حتى تستأذن زوجها فيه، فإن فعلت شيئا مما ذكرناه بغير إذن زوجها كانت مسيئة في ذلك وإن امضي فعلها ولم يكن للزوج رده وفسخه" «ولا تصوم المرأة تطوعا إذا كانت ذات بعل حتى تستأذن زوجها، وإن منعها حرم عليها صيامها.. ويكره لها أن تقضي صوم رمضان بغير إذن زوجها، وليس لزوجها أن يمنعها القضاء إلا بمثل ما يجوز لها الامتناع على الاختيار لمصلحة تفوت بصيامها ولا يكون ذلك إلا في الندرة من الأيام، وله أن يمنعها من التبرع بالصيام، ولا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء إلى وسطها، ولا تقوم فيه كذلك وللرجال أن يفعلوا ذلك"
ـ تحريم خروجها من المنزل وتحميلها وزر أيمان الرجل يقول الشيخ المفيد: «وليس لها أن تخرج من منزلـه إلا بإذنه، فإذا حلف الرجل بالله أن لا يطأ زوجته كانت بالخيار في تركه ويمينه أو رفعه إلى الحاكم، فإذا رفعته إلى الحاكم أنظره أربعة أشهر، فإن كفر عن يمينه وعاد إلى زوجته فقد قضى ما عليه وإن أبى إلا المقام على مفارقتها ألزمه أن يفيء"
الحقوق الجنسية : «وإن حدث بالرجل عنة تمنعه من الجماع، كان للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم إن اختارت ذلك، فإن رفعته إلى الحاكم وذكرت حالته أنظره سنة من يوم استعدت عليه زوجته ليعالج نفسه، فإن وصل إلى امرأته في السنة مرة واحدة لم يكن لها علة، فإن لم يصل إليها ألزمه الحاكم فراقها إن اختارت ذلك، وإن حدث بالرجل جنة فكان يعقل أوقات الصلوات لم يكن لزوجته عليه حكم في فراقه لها، وإن لم يعقل أوقات الصلوات كان لها فراقه وفرق الحكام بينهما، وليس سوى هذين الموضعين في الحكم كما ذكرنا بل على المرأة أن تصبر عليه وليس لها خيار معه، وتفصيل هذه الجملة إنه إذا حدث بالزوج جذام أو برص أو شلل أو فساد مزاج وما شابه ذلك من الأمراض لم يكن للمرأة عليه مالها على من حدث به عنه أو جنون»
3- فيما يتعلق بالمرأة على وجه الخصوص من الآداب والسنن والمستحبات والمكروهات: «على المرأة الحرة المسلمة أن تستتر في بيتها وتلتزمه ولا تخرج منه إلا في حق تقضيه، ولا تتبرج في خروجها ولا يحل لها كلام من ليس لها بمحرم من الرجال، ولا تتولى معه خطاب في بيع أو ابتياع إلا أن تضطر إلى ذلك ولا تجد عنه مندوحة، فيكون كلامها معه على خفض من صوتها وغض من بصرها عمن تحاوره، ولها أن تسترسل أهل الأمانة فيما تحتاجه إليه لدينها، وتكلم الحاكم عند حاجتها إلى ذلك، وإن استنابت فيه محرما لها كان لها أ فضل وأعظم أجرا.. ولتتجنب المرأة الحرة المسلمة سلوك الطرق على اختلاط بالرجال ولا تسلكها معهم إلا على اضطرار إلى ذلك دون اختيار وإذا اضطرت إلى ذلك فلتبعد من سلوكها عن الرجال ولا تقاربهم وتقتصر بجدها إن شاء الله ويكره للنساء الحرائر الشباب أن يكون سكنهن في الغرف الشارعات ويكره لهن تعلم الكتابة وقراءة الكتب ولا ينبغي لهن أن يتعلمن من القرآن سورة يوسف خاصة دون غيرها ويتعلمن سورة النور.. ولا يتعلمن الشعر ولا بأس أن يتعلمن الحكم والمواعظ والأخبار المفيدة لأحكام الإسلام.. ولا يحل لهن الاجتماع في العرسات والتبدل بالزينة والحلي واللباس ولا يجتمعن في المصائب ولا النائحات ولا بأس للقواعد من النساء وهن العجز اللاتي لا يصلحن للزواج أن يحضرن الجمع والعيدين ويمشين في طرقات الرجال الفواتح"
3- جواز حبس الزوجة : يقول السيد محمد حسين فضل في بيانه لفتوى صادرة من الفقهاء السنة والشيعة على السواء: «يفتي أكثر علماء السنة والشيعة أن بإمكان الرجل أن يسجن زوجته سجنا مؤبدا مع تقديم كل ما تحتاجه" يقول صاحب العروة «يستحب حبس المرأة في البيت وأن لا يطلع عليها أحد من الرجال"

4- - شهادة المرأة : «وشهادة النساء ثابتة في العذرة والحيض والنفاس والولادة والاستهلال وفيما لا يحل للرجل رؤيته من النساء، إذا شهدت المرأة الحرة المسلمة المأمونة، وتقبل شهادة امرأتين ورجل واحد عدل في الديون والحقوق والأموال ولا تقبل شهادة المرأة في النكاح والطلاق ورؤية الهلال والقصاص والدماء وتقبل شهادة أربع نسوة في الوصية فإن لم يحضرها إلا امرأة واحدة أجيز شهادتها في ربع الوصية، وما زاد على الواحدة فبمقدار ذلك"
5- صلاة المرأة " ولا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، وللرجال أن يؤموا النساء، وليس على النساء حضور الجمعة، ولا العيدين، وفرض صلاة الاستسقاء على الكفاية للرجال وكذلك الصلاة على الجنائز فرض على الرجال دون النساء"
كان هذا غيضا من فيض مما تضمه فتاوى وأحكام الفقهاء الشيعة والتي تضع الأسس والمبادئ الحقوقية للمرأة المسلمة والى يومنا هذا ما يزال النظام القضائي والحقوقي والاجتماعي ينهل منها رغم التقدم المعرفي الهائل الذي يشهده العالم، ورغم كون المجتمع الإسلامي يعيش في القرن الحادي والعشرين إلا أن النظام الذي يسيره موضوع قبل ألف عام تقريبا ولم يشهد تطورا يذكر ، ومن خلال هذه الفجوة الرهيبة والتناقض العجيب تعيش المجتمعات الإسلامية والعربية في أسفل الدرك الحضاري ومنها خرجت العديد من الظواهر السلبية أهمها وأخطرها ظاهرتي الإرهاب والتعصب التي نالت من العالم اجمع ، فلا بد من تدارك الأمر وإعادة صياغة النظام الفقهي بما يتلاءم وتطلعات الشعوب الإسلامية نحو الحرية والديمقراطية والاستقلال . وهذا لن يتحقق إطلاقا ونصف المجتمع الإسلامي يعيش التحييد والتهميش والظلم المريع باسم الله والقران والنبي (ص) ... يتبع ..