الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح4



عباس علي العلي
2016 / 6 / 21

نعود للخدعة الفقهية عندما ربط العقل الديني بين فكرة لم تكن موجودة أصلا في زمن النص ولا قريبا منه، وبين قراءة متأخرة له مربوطة بواقع حال تطور زمنيا واجتماعيا وعرفيا وثقافيا عن زمن النص، ليقول أنه أي النص الديني أراد هذا المعنى من خلال ربط منظومة نصية أخرى تتبع فكرة أخرى على أنها هي المعني بها في مفهوم الحجاب، النص المعني هو {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}٥٩ الأحزاب، هذا النص ليس له علاقة في الحجاب التي وردت في النصوص السابقة أولا لا من حيث الماهية ولا من حيث الموضوع، إضافة إلى أنه يتعلق بالجلباب وهو ثوب المرأة الطويل والذي عادة ما يلبس للهيبة والإحتشام دون أن يعني حجاب الرأس المعروف حاليا ولا حتى ما يسمى بالحجاب الشرعي.
إذاً هذه الآية ليست أمراً لجميع النساء في جميع العصور بأن يلبسن الجلابيب كأمر حتمي حتى مع أعتبار التأسي بنساء النبي، لذلك فإن الآية تتوجه بوضوح لنهي المرأة عن تسخير ثيابها في أغراض التبرّج والإثارة التي تتنافى مع أحترام المرأة لنفسها أولا، وهي فكرة لا علاقة لها بالحجاب والتحجب المزعوم اليوم شكلا وروحا على أنها من شروط العفاف ومستلزمات الإيمان، ولا تلزم المرأة بزيٍّ معيّن بقدر ما تلزمها بأن تتحرّر من عقدة (الجارية) التي تعتبر بالعقل الديني مجرد بضاعة لا تنتمي للإنسان والإنسانية، ولهذا السبب جاء في تكملة النص {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}؛ لأن تسخير الثياب لخدمة العريّ والتبرّج علامة واضحة وصريحة على تعمّد الإثارة ولفت النظر الذي يؤدي لاستصغار شأن المرأة وتضيع حقوقها الوجودية.
من قراءة النص السابق يمكننا تأشير مجموعة من الدلالات التي تشكل خلطا بين مفهوم الحجاب الحالي وبين الصيغة الشكلية التي أرادها النص، ومع ذلك لا بد من إبراز هذه الدلالات هنا لمنع التعميم المشوه الذي يعتمده العقل الكهنوتي في الخلط الذهني وصلا للنتيجة المحرفة وهي كما يلي:
1. للخطاب تكليفي للنبي بالنيابة وهو موجه لثلاث فئات من الناس، نساء النبي ولهن المنزلة المخصوصة لأنهن لسن كباقي النساء، وثانيا لبناتك وهذه الفئة ملحقة بالأولى ليس بحساب الجنس ولكن بحساب العلاقة التكريمية للرسول فقط، وثالثا لنساء المؤمنين عموما، وهنا وقع الخلط.
2. لو أستثنينا الفئة الأولى والثانية لأن أحكامها وقتية وليست دائميه فعند رحيل نساء النبي تحديدا (أزواجك وبناتك) يسقط الحكم كاملا، لم يبقى إلا نساء المؤمنين والنساء عندما تأت بهذه الصيغة بلسان القرآن العربي المبين يراد منها الأناث المتزوجات فقط، البنت الغير متزوجه والطفلة والجواري والإماء لا تسمى نساء بالتخصيص، ولو أراد النص ذلك خصهم بكلمة الأنثى أو المسلمات أو المؤمنات حسب توجه الخطاب، وهذا منهج القرآن لمن يريد التأكد.
3. وبالتالي فليس كل المسلمات والمؤمنات يشملهن هذا الخطاب بدليل أن النص القرآني فرق مرتين بين نساء النبي وبين بنات وأزواج النبي، حين أشار في آية المباهلة إلى نساءنا ونسائكم فأخرج فاطمة بنته وكانت متزوجه مع ولديها وبعلها لتمثل نساءنا، هذا الإخراج أستند للقاعدة أعلاه أن النساء يخص بهن المتزوجات من الأناث فقط.
4. المجتمع الإسلامي في وقت نزول هذه الآية كان خليطا من مجموعة مركبات اجتماعية ومكونات عقائدية فهناك المؤمنون وهناك المسلمون وفئة من المشركين الذين بقوا على دينهم الأول وهناك الكفار أو الذين يناهضون الدين سرا أو علنا، وتخصيص النص لنساء المؤمنين يخرج الكثير من هذه الفئات أيضا من دائرة الخطاب، فحتى نساء المسلمين غير معنيات بالنص ولا بنات المؤمنين فضلا عما سواهن من باقي الفئات.
5. وتأسيسا على ذلك ينحصر الخطاب إلى الرسول ومنه للناس بعد رحيله ونساءه وبناته على فئة واحدة فقط، هن نساء المؤمنين المتزوجات فقط، والتفريق هنا مهم في تحديد هذه الفئة فالإسلام كدين يقول حرفيا (لا تقولوا أمنا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان قلوبكم)، وهنا نرجع لموضوعية الإيمان وشكلياته ومن هو المؤمن من غير المؤمن بناء على أشتراطات الإيمان الصحيح.
6. إذن الخطاب في الحقيقة موجه لفئة محدودة من المجتمع الإسلامي تتميز بشرطية الإيمان الكامل والحقيقي النخبوي ولا يمكن عده خطاب عام لكل الناس، هذا الكلام لا يمنع أن يكون حافزا للأخرين في الألتزام به ولكن عن طريق الإرادة الحرة والخيار الحر دون أن نجعله خطاب عام وملزم ومتعلق بالإيمان صحيحا أو باطلا.
فهل يا ترى أنتبه المشرع الديني الاستنباطي حقيقة مراد الآية وهو المعروف عنه بكثرة البحث عما يضايق حكم النص أو يسامح في توسعته طبقا للفلسفة التي يحملها والصورة الذهنية المتراكبة في عقله؟، أم أن هذه المنهجية الأحترافية القياسية المنطقية لا تلائم توجهاته ولا يرغب بالكشف عنها؟، وتحت عناوين عدة وأهداف كثيرة تحولت النصوص إلى ميادين للفرض الخارجي عما في النصوص من قصديات أو إفراغ تلك العناوين من الهدف الأساسي من الخطاب الرباني لنسير في جادة موازيه لها في محاولة لهجر الفكرة الدينية وإبدالها بالوضعي الكيفي.