المرأة ومجتمعات العيب



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 13

المجتمعات المثقلة بالمورث التاريخي والقيم والأعراف الاجتماعية والدينية وما تفرضه من قانون العيب، تعاني من عقدة الكبت الجنسي المفروضة على الجنسين، فلا يرى الرجل في المرأة سوى أداة استمتاع وتنظر المرأة للرجل بأنه فارساً يمتطي حصان أبيض سآتيها يوماً ليخلصها من براثن المجتمع ويحقق كل طموحاتها في الحياة.
هذا الهدف غير المعلن بسبب قانون العيب يفرض توجهاته على الجنسين ويسعى كل طرف لتحقيقه عبر أساليب ملتوية، تارة بالإغراء والإثارة وتارة أخرى بالخداع لتحقيق الهدف. وبغض النظر عن التسميات والأهداف وشرعيتها فإن كلا الطرفين يستغل نقاط ضعف الطرف الآخر لتحقيق هدفه، فالمرأة تلجأ للإثارة والإغراء عبر إبراز مفاتن جسدها لجذب الأخر الذي تحركه الغريزية المكبوتة ساعياً لاستمالتها عبر المال أو التلويح بالزواج وما يحقق هدفها.
هناك عالمان في المجتمعات المأسورة لقانون العيب: عالم ظاهري يدعي (الفضيلة!). وعالم باطني (واقعي!) يمارس علاقاته الإنسانية (الرذيلة!) وكلاهما متفق على عدم تجاوز حدود الآخر وغالباً ما يتبادلان الأدوار والمواقع في الزمان والمكان المناسبين.
وبخلافه في المجتمعات التي لايأسرها قانون العيب تتفاعل ضمن عالم واحد لاغير ولا تعاني من عقدة الكبت الجنسي، وجسد المرأة لايثير الآخرين ولا تسعى لاستخدامه (إلى حد ما) لاستمالة الآخر. إن شرعية الإثارة والإغراء للمرأة تستمد جذورها من قانون العيب الذي ينهل توجهاته من المورث التاريخي والقيم والأعراف الاجتماعية والدينية ليكون جسدها جسراً لتحقيق أهدافها غير المعلنة!.
تتساءل ((إملي نصر الله))"كيف تثير الفتاة الشباب، حين ترتدي ثوباً يكشف الجزء الأعلى من الظهر والكتفين، وثوباً يبرز مفاتن الساقين والساعدين وجمال الصدر والخصر وكل المعالم الأنثوية التي كانت أمهاتنا تبذل أقصى الجهد لتبقيها في الظل وفي معزل عن الأعين الفضولية؟".
لا تجيز مجتمعات قانون العيب حرية التصرف بالجسد المثير للفتنة لكلا الجنسين، فهي محكومة بسلسلة من الأعراف والقيم وتفرض توجهاتها على كامل المجتمع والخروج عليها يعتبر مفسدة وتطاول لايمكن السكوت عنه!. ضمن هذه الأجواء المشحونة بالأعراف والقيم الاجتماعية تنحسر مبررات المرأة لإظهار مفاتن جسدها إلى تبريرين: أما إعلان تحديها لأعراف وقيم المجتمع، وإما بغرض الإثارة والإغراء لاستمالة الآخر بوعي لتحقيق هدفها غير المعلن.
ويمكن فهم دوافع إظهار مفاتن جسدها في مجتمعات العيب بهدف الحصول على الزواج لما يشكله من معضلة للمرأة التي لاتظفر بالزوج في محطة عمر محددة من حياتها فيوصمها المجتمع بالمرأة العانس!. لكن أن تتخذ من جسدها جسراً لتحقيق أهداف أخرى، لايمكن أن تصلها بدونه فإنه يثير العديد من الأسئلة!.
تقول ((هيفاء بيطار))"لم أبالِ أن الفستان انحسر كاشفاً ركبتي وجزء من فخذي، أحسست نظراته تتمغنط حول ركبتي. قال بصوت تغزوه النشوة تدريجياً: ركبتك مضيئة وبياضك أسر، فعلاً أنت أجمل امرأة رايتها في حياتي".
هناك توجهات متعارضة في مجتمعات العيب مع الرغبات الفطرية، تصيب المرء بعدة أمراض نفسية نتيجة حالات الإحباط والفشل في التجارب العاطفية وينحسر توجه المرء المريض في الانتقام والتلاعب بمشاعر الآخرين بدون أي وخز للضمير أو احترام للنفس.
فقد تلجأ المرأة المريضة للإثارة والإغراء ليس من أجل إبراز مفاتنها الجسدية، وإنما لاستمالة أكبر عدد من المعجبين وإثارة غريزتهم بغرض الانتقام لذاتها المنتهكة في تجارب عاطفية فاشلة لتحقيق توازنها النفسي وسعياً لنشوة الانتصار على الجنس الأخر الذي يفرض سطوته الذكورية في المجتمع وينتقص من مكانة المرأة ويتلاعب بعواطفها مستغلاً سعيها المفروض اجتماعياً للفوز بالزواج!.
يتحدث ((الطاهر بن جلول)) على لسان بطلته زينة قائلاً:"حين كنت أصده لم أكن أفعل شيئاً سوى اجتذابه أكثر...إنها طريقة مبتذلة في الحب، لماذا لم يكن ينتابني أي شعور بالحب؟. لماذا أتلاعب بالآخرين دون أن أصاب بدوري قط؟. لم أحصل على أجوبة على أسئلتي".
بغض النظر عن شرعية من عدم شرعية الإثارة والإغراء للمرأة في مجتمعات العيب، يمكن فهم دوافعها الإنسانية وما تنهل من التوجهات القاسية للمجتمع، لكن بذات الوقت لايمكن تبرير دوافعها المرضية الساعية لتحقيق التوازن النفسي. ولا الدوافع الساعية لاستخدام الجسد جسراً لتحقيق مصالح ذاتية، لايمكن الفوز بها في الطرق المشروعة. وكلاهما يتعارض واحترام الذات وبغض النظر عن البائع والمشتري للجسد فإنها تحط من قدر العلاقات الإنسانية ويصبح معيار التنافس الحر الجسد وليس الكفاءة!.