الروح والحب



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 15

الحب والمشاعر والأحاسيس والعشق.....هي من مكونات الروح تستمد نداءاها من السماء لتطال الجسد المكون من منظومتين سماوية وأرضية. إن تحب يعني أن تتلقى منظومة القلب الايعازات عبر الأثير لتشعل الحرائق في مركز العاطفة والإحساس، فتنطلق لتلبي نداء السماء المصادق على عقد الحب!. ولاتخضع نداءات الحب لمرشحات العقل وما يطلقه من تفكير لإصدار الأحكام، أنه نداء وإيعاز سماوي يؤجج منظومة العاطفة في الجسد.
يقول ((الكسندر بروم))"أن شيء ما يدفعني إلى الحب وأنا أعلم جيداً أني أحب، لكني لا أعرف كيف ولماذا؟".
إن تصاب منظومة العاطفة بالجمود يعني هناك خلل ما أصاب الروح أو تلوثت مكوناتها فتسقط مع الأجرام السماوية إلى الأرض لتتحكم بها منظومة العقل. ويبقى الجسد أسير منظومة واحدة تتحكم بأفعاله وسلوكه ويأسره الظلام فتتسلل نوازع الشر، لتحكم سيطرتها على سلوك وممارسات الفرد.
حين تؤجج المشاعر والأحاسيس بفعل نداء الروح، تتدفق كالسيول لتجتاح من أمامها كل الموانع وسدود منظومة العقل وما تحكمه من عادات وتقاليد اجتماعية وقيم دينية ولاتبالي بالحدود الوهمية التي خطها المجتمع على مساحة الحياة لتأسر أحاسيس ومشاعر البشر وتمررها عبر مرشحاتها وتجري منسابة وفقاً لمقاييس محددة لتغزو مساحات الصحراء في الذات!.
وعلى تلك المساحات يبني المجتمع قلاعه ويبني كل إنسان بداخل قلاع أخرى حجارتها من المحرمات وتعلق على جدرانها لائحة بالممنوعات وخارطة ترسم فيها حدود المجتمع، وسيافيه يقفون على الحدود لينالوا من رقاب كل الخارجين على تلك الحدود!.
يعتقد ((واتلي))"أنه لكي تعرف حجم عاصفة المشاعر المتحكمة بك، تفحص قلاعك المشيدة في مهب الريح".
تسعى منظومة العقل في كل محطات العمر لبناء شخصية الفرد وما يرضى عنها المجتمع، وإخفاء ما أمكن من شخصيته الحقيقية التي لايرتضيها المجتمع لينال مكانته ضمن الحدود الاجتماعية وما خطتها المورثات التاريخية من أعراف وقيم.
هذا القسر وما تمارسه منظومة العقل على الفرد تكبت الانفعالات الفطرية السابحة في فضاء الجسد والمكبلة بسلاسل المورثات الاجتماعية التي تنشد العون لتحريرها من الأسر الأبدي....وحالما تنطلق العواطف والمشاعر لتحطم تلك السلاسل تظهر سلوكيات وممارسات الشخصية الفطرية الكامنة لتمارس حريتها في التعبير عما يكمن بداخلها من تعارض مع الشخصية الاجتماعية المؤطرة بحدود المجتمع.
حين تنطلق الشخصية الفطرية لتعبر بحرية عن هواجسها وعفويتها وسلوكها ومشاعرها تعمل على شطب الحدود الاجتماعية لتسبح في فضاء المشاعر والأحاسيس غير المقيدة بسلاسل أو حدود تأسر حركتها وحريتها.
يقول ((توفيق الحكيم))"أن عالم الواقع لايكفي وحده لحياة البشر، أنه أضيق من أن يتسع لحياة إنسانية كاملة".
الحب يخلق عالمه الخاص، ولكل علاقة حب عالم خاص بها لا يشبه غيره أبداً، إنها عوالم روحية جديدة تفرضها تزاوج روحين لتنجب روح جديدة تختار عالمها ونظمها المغايرة للعوالم الأخرى وإلا فإنها تدخل في أسر جديد لعالم له نظمه وقوانينه المؤطرة لحالة الحب.
هناك صراع خفي بين العوالم الخاصة وعالم المجتمع، ويسعى الأخير لأسرها وإخضاعها لمشيئته. وحين تؤسر العوالم الخاصة بمشابك الحياة اليومية لتصبح جزءً منه، يموت الحب وتهلك الروح المكونة له، فتنفصل مكوناتها من جديد إلى روحين يعبث بهما عالم المجتمع.
يقول ((شكسبير))"إذا ضاع هذا الحب يوماً، هلكت روحي وعاد الفراغ والسديم إلى حياتي ثانية".