حقوق وعدالة تجمع معظم قضاة المملكة المغربية للبحث في ظاهرة زواج القاصرات من خلال العمل القضائي



حياة البدري
2016 / 8 / 24

"ظاهرة زواج القاصرات من خلال العمل القضائي" موضوع المائدة المستديرة التي نظمتها جمعية حقوق وعدالة بأحد فنادق مدينة الدارالبيضاء بين مجموعة من قضاة المملكة المغربية وبدعم من السفارة النرويجية والمعهد الدنماركي للأبحاث والمعلومات حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع (كفينفو). (kvinfo).

فبعدما استفحلت ظاهرة زواج القاصرات واتفعت نسبها في السنوات الاخيرة اشتغلت جمعية حقوق وعدالة منذ سنتين على زواج القاصرات من خلال عقد ندوات وموائد مستديرة وقوافل تحسيسية بالمناطق التي تعرف ارتفاعا في نسب هذا الزواج، وارتأت الجمعية هذه السنة أمام تصاعد وثيرته على دعوة معظم قضاة المملكة سواء بالمدن الكبرى أو الصغرى كمدينة الدار البيضاء ووجدة والعيون والمحمدية واسطات والنواحي والرباط وسوق الاربعاء الغرب وغيرها من المناطق المغربية وذلك من أجل تدارس هذه القضية الوطنية والتي تعتبرها شائكة وتتطلب الحلول الجذرية والمستعجلة، من خلال العمل القضائي لمناقشة زواج القاصرات والعمل على بلورة استراتيجية موحدة بشأن مسطرة الإذن بزواجهن وصياغتها في إطار توصيات.

المائدة المستديرة التي نظمتها جمعية عدالة تعددت وتنوعت مداخلاتها بتنوع وتعدد الملتفين حولها من قضاة ومحللين نفسانيين وجمعويين وغيرهم، حيث أشارت كلها إلى ارتفاع زواج القاصرات بالبوادي بالمقارنة مع المدن، وصب نقاش بعض القضاة حول الإكراهات التي تعترض القاضي كإكراه النص وعدم تعميم التسجيل بالحالة المدنية وإكراه اللغة والإرهاب الذي يمارس والدي القاصرعليها بالاضافة إلى الاعراف السائدة وخاصة بالبوادي والتي تكرس زواج الطفلات القاصرات، ثم إكراه ثبوت الزوجية ومايتولد عليه من مشاكل عديدة حيث يتم اللجوء إلى زواج الفاتحة والزواج الذي يكون في إطار العائلة في حالة عدم منح القاضي للإذن بزواج القاصر، حيث اعتبرت هذه المجموعة من القضاة على كون تبوث الزوجية لايمنح الاذن للزواج وإنما هو يكشف عن زواج كان قائما وموجود ويترتب عنه أطفال من طفل واحد إلى 3 او4 أطفال أحيانا.

كما ذهب هذا الطرح من النقاش والذي تشاركته مجموعة أخرى من القضاء وانتقدته بشدة إلى اعتماد القاضي على الخبرة الطبية والتي تؤكد تحمل القاصروقدرتها على الزواج، غيرمربوط بمبرر التأكيد على الخبرة الاجتماعية للبحث والتقصي حول قبول ورغبة القاصر بالزواج ومدى أهلية الزوج على حمايتها وصيانتها وغيرها من مهام الخبرة الاجتماعية،حيث تساءل القضاة حول مدى توفر المملكة المغربية على الخبرة الاجتماعية والإمكانيات البشرية القادرة على تغطية كل هذه المهام وخلصوا إلى أن مشكل زواج القاصرات سيبقى قائما مادام هناك اختلاط بين ماهوشرعي وقضائي كما صرح الاستاذ مراد المدني بمدينة وجدة.

في حين ذهبت مجموعة أخرى، كما الحال عند الاستاذ الناوي إلى كون زواج القاصرات ليس نتاج أزمة قيم وأخلاق بقدر ماهو بالأساس إرث وواقع يتطلب المعالجة القضائية والتشريعية ، مؤكدا أنه كما "لا سلطة للقاضي" في زواج الراشد وحتى في الحالات التي لايحق لها الزواج، ليست له سلطة في مسألة تبوت الزوجية، مبرزا إلى كون المشرع قد وضع بعض الشروط والأسباب المبررة لزواج القاصر ووضع بيد القاضي نص في هذا الصدد وهناك بالمملكة المغربية أربعة آلاف قاضي لايمكن جعلهم سواسية في التفكيروالطرح . ومن تمة لاتجب مناقشة القضاة وإنما يجب مساءلة ومناقشة المشرع والضغط عليه من أجل سحب المادة 20 ونزع الإمكانية المخولة للقاضي بمنح اذون تزويج القاصرات بإسقاط النص والتشدد كثيرا في هذا المجال.
وبالمقابل حملت الاستاذة فاطمة أوكادوم رئيسة غرفة الاستئناف بالدارالبيضاء دور القاضي في تكريس زواج القاصرات بمنح إذن الموافقة على القرارالعسكري الذي يتخذه بعض الاباء في حق بناتهن وينزل عليهن دون مشارواتهن التي يلح عليها الدين الاسلامي والشرع، معتبرة أن زواج القاصرات سوى غطاء لمجموعة الانتهاكات الجسيمة في حق طفولة المغرب المصادق على المواثيق الدولية المنادية بحقوق الانسان والطفل.

وأبرزت الاستاذة فاطمة أوكادومفي تصلايح لنا أن الهدف من الزواج عامة يكون من أجل إنشاء مؤسسة فيها المودة والرحمة والتكافل والتكافؤ... في حين يرجع زواج القاصرات تفضيل زواج الذكر البالغ من طفلة قاصر إلى صورنمطية يحملها ولايستطيع أن يتخلص منها، حيث يختار شريكة تكون أضعف منه ويأمرها ولاتستطيع أن تقول له كلمة لا وتخدمه ويستغلها في كل الخدمات التي يريد، حارما إياها هو ووالديها من حقوق اللعب مع قريناتها والبقاء بحضن والدتها وبجانب إخوتها وحقها في التوازن النفسي والعاطفي وحق التعلم وغيرها من الحقوق التي تحرم منها هذه الطفلة القاصر وتحكم عليها بالهشاشة والإلغاء لشخصيتها وجعلها مجرد طائعة لكل متطلبات الزوج وشخصية ضعيفة لاتمتلك الخبرة ومعرضة للاكتئاب ومحكوم عليها بإنجاب الأطفال دون توفرها على قدرات نفسية وجسدية لكي تكون أما مما يعرضها غالبا لفقدان طفلها او حتى حياتها، اثناء بحثها على وسائل تقليدية من أجل الاجهاض عندما تكتشف بأنها حامل ومايخلفه لها ذاك من حالة هلع ورهبة ومحاولة التخلص من هذا الحمل.
نقاش المائدة المستديرة استغرق الوقت الاطول وخلص في النهاية إلى مجموعة من التوصيات التي ستعمل على الوقوف أمام تزايد وتيرة زواج القاصرات والحد منه ثم العمل على ايقافه مستقبلا ، كان من بين هذه التوصيات نشر التوعية والتحسيس بمخاطرزواج القاصر بالمنطاق التي تعرف ارتفاعا في هذا النوع من الزواج والتربية بالنمودج والعمل على تمدرس الفتيات وإنشاء دور الطالبات، كما على المشرع أن يحضر نطاق الاشخاص المشمولين بثبوت الزوجية في فترة محددة حتى يغلق الباب على حديثي الزواج بالقاصرات، والعمل على مأسسة العمل الاجتماعي وتوفير الاليات والامكانيات البشرية الكفيلة لهذا الغرض والقضاء على أسباب هذه الظاهرة بالتركيز على ضرورة تعديل القانون ومنع تزويج القاصرات ، وعلى القاضي قبل البث في طلب زواج القاصر العمل على حماية الطفلة القاصر وعدم تبرير الاذن بزواجها وعدم التركيز على المبررات العرفية لكون العرف لايمكن أن يخالف القانون وأن القانون وأخله هم من يخلقون الاعراف بالمصادقة والإذن لها وليس العكس، والعمل على محاسبة من خول الاذن بزواج القاصر في حالة رفضه قاضي سابق.