امرأة لزمن آخر.. كيف يمكنُ للمرأةِ أن تبْنِيَ المرأة؟..



علجية عيش
2016 / 9 / 12

امرأة لزمن آخر.. كيف يمكنُ للمرأةِ أن تبْنِيَ المرأة؟..
"الإنْمَاءُ التَّرْبَوِيُّ "اسْتِثْمَارٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ و رِهَانٌ لكَسْبِ معركةُ التَّنْمِيَّة
(من أجل دعم المرأة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. قراءة في مؤتمر الشارقة القادم )
( وزيرة التربية الجزائرية تكشر عن أنيابها لقيم العُرُوبَة)
تعمل المرأة العربية على المحافظة على القيم و العادات و التقاليد الموروثة ، و لأنها تعيش في مجتمع محافظ تتوفر فيه جميع مقومات التماسك و الترابط الثقافي و الاجتماعي و الحضاري و التاريخي ، فهي في بداية طفولتها تجد نفسها محاطة بتعليمات ، تجبرها على الأخذ بعين الاعتبار التأثرات الثقافية الخارجية ، كون العائلة العربية تعمل على غرس و ترسيخ في نفوس أفرادها مبادئ القيم الدينية و الخلقية التي يعمل بها المجتمع ، و تعمل على إكسابهم السلوك الاجتماعي الذي يتماشى و تلك القيم السائدة في المجتمع و الذي تنقله عن طريق التربية من جيل إلى جيل، ذلك أن التنشئة الاجتماعية تخضع لعادات و تقاليد اجتماعية متداخلة مع الدين الإسلامي، و إن كان المؤتمر العالمي الذي تنظمه مؤسسة القلب الكبير، أكتوبر المقبل في طبعته الثانية بالشارقة بالتنسيق مع المؤسسة الإنسانية العالمية المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم، وهيئة الأمم المتحدة ، سيناقش مدى ما حققته المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أجل استحداث منهج مُستدام للتنمية، و وضع برامج إنسانية من أجل إبراز قدرات المرأة العربية، خاصة و أن العالم اليوم يشهد تغيرات، و يواجه تحديات من شأنها أن تفرض على فئات المجتمع أعباء كبيرة و أولهم المرأة ، من باب أنها الوحيدة التي تقع على كاهلها العديد من المسؤوليات الأسرية والمهنية التي تتطلب منها المزيد من الجهد والعطاء، لإثبات قدراتها، فإن السؤال الجدير بالطرح هو : " كيف يمكن للمرأة أن تبنيَ المرأة"..؟ ، مما يمكنها من تجاوز كل العقبات و التحديات، خصوصاً مع ما تتعرض له دول المنطقة من أزمات وحروب، أثرت سلباً على أوضاع المرأة، و لذلك فقد وجب على أهل الاختصاص اليوم مناقشته و إعادة النظر فيه.

المؤتمر جاء تحت شعار "بناء قدرات النساء والفتيات في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا"، يهدف إلى الاعتراف بالمرأة كعامل أساسي للتغيير في عمليتي السلام والانتعاش الاقتصادي، و تنسيق الجهود في مجال التنمية والتخطيط لبناء السلام، وتقديم الدعم اللازم لها، بما فيه اللاجئات و المقاومات، مع متابعة الإجراءات العملية المستهدفة التي تلبي احتياجات المرأة و تنصف حقوقها، و الحقيقة أن السؤال ليس موجه لخبراء السياسة أو لأهل الجَمْعِ والقِسْمَة من المختصين في علم الاقتصاد، و إنما موجه خصيصا لخبراء التربية و العاملين في المنظومة التربوية ، للتجاوب مع التغييرات السريعة والقوية التي تعمل على إحداث تحول في الحياة، و خلق رؤية مشتركة للمستقبل و تحديد المطالب التي تساعد البشرية في تحقيق رؤية الازدهار العالمي، وقد تبرز من مؤتمرات كهذه، قيم ومبادئ يمكن أن يتم تبنيها عالمياً، ومن ثم ترجمتها إلى واقع ميداني، فالإنسان هو الرأسمال في أي قطاع من قطاعات التنمية، و بدلا من بناء الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثى نجد الأفراد و الجماعات تتنافس مع بعضِها البعض و لا تُكَمِّلُ بعضَها البعض في السّعي لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة، كما أن انعدام الأمن والعنف ظاهرتان أصبحت تقلق المجتمع الإنساني وفي أغلب الأحيان، لأن المؤسّسات الاجتماعيّة، والهياكل والعمليّات لم يتم تأسيسها بطرق تخدم الصّالح العام على نحو فعّال، وعندما يحاول النّاس العمل داخل هذه الأنظمة للمساهمة في تطوير الصالح العام، فإن قيودًا أو تحدّيات سياسيّة مباشرة تواجههم.
فالنظام التربوي في القطر العربي ( بمشرقه و مغربه) في الواقع يواجه عقبات و تحديات كبيرة، تسعى جهات سَيَّسَتْ المنظومة التربوية، إلى عرقلته بشتى الممارسات السياسية و تدمير منظمة القيم التي أتت بها الرسالة المحمدية، و في مقدمتها الحفاظ على الهوية و العروبة، و تربية النشء على الأخلاق الحميدة و زرع في نفوسهم القيم الجمالية التي تهذب النفس و تربيها على الفضيلة، و تحميها من الضياع الأخلاقي، في زمن فقد فيه المجتمع العربي كل مقوماته الدينية إلا من رحم ربي، و لعل السؤال السالف الذكر (كيف يمكنُ للمرأةِ أن تبْنِيَ المرأة؟..) موجهٌ خصيصا لوزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط ( كنموذج) حول موقفها المتعنت من مبادرة قامت بها المسماة صباح بودراس مُعَلِّمَة جزائرية في الطور الابتدائي، عندما نشرت فيديو بواسطة هاتفها الجوّال صورت منه أول درس قدمته للتلاميذ في افتتاح الموسم الدراسي الجديد ( 2016-2017 )، عرضت فيه فكرة تبنيها مادة التربية الخلقية قبل كل حصة دراسية، و ما إن انتشر الفيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي، حتى أمرت الوزيرة بفتح تحقيق، و كيفت المسألة إلى جريمة ، حيث وجهت لها تهمة انتهاك خصوصية التلاميذ ، وعدم التزامها بالقانون، الذي يمنع من التصوير داخل الأقسام الدراسية، و اعتبرت ذلك عملا مخلا بالنظام الداخلي للمؤسسات التربوية ، بل أقامت الدنيا و أقعدتها، و كأن المعلمة قدمت للتلاميذ درسًا عن كيفية اختراق القيم النبيلة للمجتمع الجزائري و التي جاء بها الدستور الجديد، و ربما لو قدمت هذه المعلمة درسًا حول كيفية "عَلْمَنَة المدرسة الجزائرية"، أو "تهويدها" مثلا لتحصلت هذه المعلمة على جائزة، دعما و تكريما لها، خاصة و أن المعلمة ركزت على مسألة "العروبة " و لكن حدث العكس، بدلا من أن تحظى هذه المعلمة بالتكريم من طرف الوزيرة بن غبريط، فهاهي تُهان، و لا شك أنها ستحال على مجلس التأديب كخطوة أولى للعقاب، و هي إهانة لكل المعلمين و المعلمات و لكل المربين و المربيات، و هذا يجعل المنظومة التربوية في الجزائر مهددة ، بل في خطر، لأن صناعة الإنسان و بخاصة "المرأة" هي رأسمال كل مجتمع.
الصراع طبعا كان بين امرأة و امرأة، ثم السؤال يتجدد، ماذا تريد وزيرة التربية بن غبريط أن يتعلم أطفال الجزائر في المدرسة الجزائرية و خارج القواعد الدينية؟ إن موقف الوزيرة يترجم تنازلها عن دور مهم جدا، و لعله أهم الأدوار الثقافية، ألا و هو غرس في التلاميذ مبادئ احترام النفس، و حب الوطن و العروبة و لغة القرآن، إن موقف وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط، يجعل كل من له ضمير للوقوف وقفة تأمل في المنظومة التربوية، ليست في الجزائر فقط بل في كل البلاد العربية، لأن المدرسة كما تبني الرِّجال، فهي تبني كذلك النّساء، و عندما نقول النساء نعني "المرأة"، التي تجعلها أمام تحديات المستقبل، وسط دوامة الأحداث التي تعصف بالبلاد العربية في سوريا، و العراق، و فلسطين و لبنان، و ليبيا و تونس و الجزائر أيضا، طالما مؤتمر الشارقة المقبل يهدف إلى دعم المرأة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. و المسؤولية تقع أولا و قبل كل شيئ على عاتق الدولة، لتمكن المرأة على التفوق و الإبداع، من خلا ل توفير لها المناخ الملائم، لتربية جيل يعتمد عليه في المستقبل، و إن قلنا نعم للتحديث هذا لا يعني أن نضرب القيم العربية عرض الحائط، و نحارب اللسان العربي بوجود مبرر أو عدمه، من أجل التحوّل من وضع إلى وضع آخر ، و التكيف مع التطور التكنولوجي، يقول "الحداثيون" أن مسألة التحديث تعني تلك العملية التي تقوم في المجتمع عن طريق الأقلية ( النخبة، المثقفين أو سواهم من ذوي النظر البعيد و الشغف بالمستقبل الأفضل، فتدفع المجتمع إلى أن يطور أهدافه و أنظمته و مؤسساته و يواجه كل التحديات مادية كانت أم روحية، داخلية أم خارجية، و ربط الماضي بالمستقبل.
و لأن النخبة أقلية فالقادة وجدوا الساحة مفروشة لهم ليتحكموا في مستقبل الأمّة ، و حاولوا مسخها عن طريق "المرأة "، خاصة و أن الأوضاع السيئة التي تعيشها الأمة العربية حقيقة راهنة وجب الاعتراف بها، و بسبب هذه الأوضاع التاريخية منها أو الجغرافية و الدينية تحولت المرأة إلى "طعم" ، بحيث استغلت سياسيا لضرب كل القيم، و في هذا فالاستثمار في المستقبل لا يكون إلا عن طريق التربية، التي هي المفتاح الوحيد لصناعة المرأة و ترقيتها، و المعلمة داخل القسم وحدها تستطيع صقل التلاميذ و تشكلهم، كما تشكل العجينة بين يديها، فتبني في روحهم صورة الرجل الناضج و صورة المرأة الناضجة، قبل انتقالهم إلى المرحلة الثانوية و إلى الجامعة، و قبل انتقالهم إلى المؤسسة الإقتصادية، لأنها في تواصل دائم معهم داخل غرف الصف، و هكذا تبني المرأة المرأة، و تشكل بمجموعها كما يقول خبراء التربية قناة تعليمية متينة، فكيف إذن يمكن دعم المرأة إذا كانت مُحاصرة بقوانين، إذا قلنا أن المعلم أو المربي وحده هو الذي يحقق التنمية عن طريق تربية النشء و استثماره في المستقبل خارج السياسيات التي تضعها الحكومات و منظمات حقوق الإنسان و غيرها..و لذلك يمكن القول أن المدرسة هي مؤسسة اقتصادية أيضا لأنها تستثمر في العنصر البشري، و تجعل منه مشروعا لتحقيق التنمية المستدامة، و تجعله قادرا على مواجهة كل التحديات السياسية الاقتصادية و الثقافية، خاصة و أن مؤتمر الشارقة القادم يهدف إلى الاعتراف بالمرأة كعامل أساسي للتغيير في عمليتي السلام والانتعاش الاقتصادي، و تنسيق الجهود في مجال التنمية والتخطيط لبناء السلام، وتقديم الدعم اللازم للمرأة.
علجية عيش