الجنوب الشهيد..ونسائه



واصف شنون
2005 / 12 / 25

لم أتجاوز السادسة ....حتى شاهدت أول جثة لقتيل جيء بها من حرب بارزان وبارزان هي تسمية للمرحوم مصطفى البارزاني كانت الأمهات الجنوبيات يطلقنها عليه أثناء حروبه مع الدولة المركزية العربية في العراق
في ذلك الحين كان لايطلق على الجنود الذين يموتون في الحروب الحكومية المزمنة على الأكراد صفة شهداء ،بل موتى في خدمة الواجب والعلم ،وكما هو معروف فإن غالبية جنود وضباط الصف في الجيش العراقي البائد هم من جنوب العراق ،من أولاد الريف ذي الطين والقصب الذين تحرمهم الدولة من التعليم وفرص العمل استمرارا ً منها في النهج العثماني السابق ثم العروبي اللاحق،وحين هدأ ت ماكنة القتل المصوبة تجاه الشمال في أوائل السبعينيات وأواسطها ،توجهت الأدارة الحكومية العراقية الى داخل العراق لتفترس أول ما تفترس النخبة من المنافسين في الحكم والسلطة ثم أبناء الجنوب من مواطنيها الضعفاء ...،فصرنا نسمع بالشيوعي الخائن وحزب الدعوة العميل ،ثم بدأ مسلسل القتل والدمار والتخريب والشهداء في الحروب المتلاحقة مع شرق البلاد و جنوبه ،وحتى اللحظة ...بعد الكشف عن مقابر لنساء واطفال ورجال ...جميعهم من وسط وجنوب العراق .
من الملفت إن العرب أطلقوا إسم بلاد السواد على جنوب العراق ...لكثرة نخيله وبساتينه حسب مايقوله التأريخ ،
ولم يطلقوا تلك التسمية على نسائه المجللات بالسواد ،السواد يجلل الجنوب ونسائه ليس بسبب المذهب الشيعي اللاطم المقهور فقط،بل لأن الجنوب ونسائه و رجالهن أزواج وأباء وأشقاء وأبناء ومنذ دهور هم حطب الدولة العراقية وحكوماتها وأحزابها وتياراتها السياسية ...،الجنوبيات يدفعن بالمشاحيف في عمق الهور لصيد سمكة أو طائر لسد لسد رمق الأطفال الجياع،والحكومة تُيبس المياه وترسل الطائرات لقصفهن وحرق الطبيعة معهن ،لأن رجالهن رفضوا أن يكونوا (شهداء )فأصبحوا عملاء وخونة لايستحقون المياه والثياب والسمك والبط البري .
ولايستطيع جنوبي واحد أن يعلن محبته لأبيه أكثر من ذوبانه الشديد مع إمه ذات الملابس السوداء إن كان شابا ً يافعا ً أو كهلا ً تتقدم به الأعوام ، وبغض النظر إن كانت الأم عالية التعليم أو قليلته ،فالجنوبية العراقية تتقدم على نساء الأرض في الوفاء والصبر والصمود .
وما يجري في العراق الأن هو إظهار بائس للمرأة الجنوبية ،كونها تتدثر بالسواد الديني المزيف ،أو كونها أم أو إبنة أو زوجة لشهيد مسلوبة الإرادة تستعطي الهبات من الحكومة ومؤسساتها لتربية الصغار، والشروط هي إطاعة الدين والقيام بواجباته الشرعية،أي السبات داخل المنازل والعزلة وعدم الإحتكاك بغرائب الدنيا وسوق العمل ،فالجنوبيات الحاصلات على شهادات علمية قبل عشرين عاما ً يفوق عددهن بنسب محزنة وتثير الاستنكار لنسبهن الأن .
ما يمثل نساء الجنوب في برلمان العراق الحالي ،هن نسوة (شهداء )مسلوبات الإرادة بأحزاب ذويهن الرجال ،فسوادهن لا يشبه سواد الجنوب ،وكلامهن لايشبه كلام أمهاتنا الجنوبيات ،كما إن ليس بواحدة منهن ترتقي لكي تقلد شيرين أبادي ....