المرأة والرجل.. ورد الاعتبار



عبد الغني سلامه
2016 / 9 / 18

ما سيُذكر لاحقا لا ينطبق على عموم الرجال، ولا على عموم النساء، فالتعميم لغة الحمقى؛ إنما هو تصوير وفهم نسبي للأمور، مع التأكيد على وجود استثناءات كثيرة، وأن الأمور تختلف من مجتمع لآخر، وأحيانا تكون معكوسة.. ولكن بصورة عامة وتقريبية يمكن قول التالي:

تهتم المرأة بنظافتها، وأناقتها، ورائحتها، وتحاول الاقتراب من الكمال، تعتني بأدق التفاصيل، لا تنسى ولا تتنازل عن أي شيء، وتحرص أن تبدو بأحلى هيئة، وتخفي ما تعتقد أنه يقلل من جمالها؛ لذلك، تحتاج لساعة أو أكثر أمام المرآة حتى تكون جاهزة للخروج، بينما لا يحتاج الرجل سوى دقائق معدودة ليكون بكامل أناقته، ربما لأنه أقل اهتماما..

تحب المرأة الألوان الزاهية والقاتمة والفاقعة والمتداخلة والمشتقة، وتميز بين درجاتها، وتحفظ أسمائها.. وترتدي الطويل والقصير والضيق والواسع والمزركش والسادة، كل يوم لبسة مختلفة، وفي كل سنة موديل جديد، بينما يحب الرجل الألوان البدائية، ولا يميز بين البنفسجي والزهري، وبالكاد يحفظ أسماء الألوان الأساسية.. ويكتفي بالملابس التقليدية، والبدلة لم يتغير موديلها منذ أكثر من مائة عام..

تحب المرأة الأطعمة الغريبة، وتطلب الفاكهة في غير أوانها، وتفضل اللوز والفراولة والأفوكادو، وفي الشتاء يحلو لها شيّ الكستناء والبطاطا الحلوة.. وكثيرا ما تتفنن بإعداد أنواع جديدة وغريبة من الحلويات، وعندما تأكل تمضغ طعامها بأناقة وتراعي "الإتيكيت"، خاصة في الأماكن العامة.. الرجل يأكل ما يُقدم له، ولا يشتهي فاكهة بعينها.. وإن غابت عنه أكلة معينة لسنوات لا يتذكرها.. وعندما يبدأ بالأكل يلتهم طعامه التهاما..

تعيش المرأة هاجس الرشاقة، وتعاني من "رهاب المستقبل" والخوف من أعراض الشيخوخة، وتصرف أموالا طائلة على مستلزمات التنحيف والتجميل.. فتمضي ساعات في دَهن وجهها وجسدها بالكريمات والمراهم، لتنعيم بشرتها، أو لشدها، وللحفاظ على نضارتها، وتقتني من أجل ذلك عشرات المستحضرات.. الرجل لا يفكر في هذه المواضيع أساسا، وكل ما لديه عبارة عن ماكينة حلاقة وفرشاة أسنان ومشط.. فيتساقط شعره، وينمو كرشه، ويتجعد وجهه، ويترهل.. ولا يحاول عمل شيء.. بل يعتبر الكرش وجاهة، والتجاعيد علامة الحكمة، والصلع دليل الفهم، والشيب وقار..

تهتم المرأة بنظافة بيتها، وترتيبه، وتحرص على اقتناء التحف والبراويز والأزاهير، وتغير ديكور البيت من حين لآخر، وتهتم لتناسق الألوان، ومواقع الأشياء، وتفاصيلها.. بينما الرجل بالكاد يلاحظ وجود قطع الأثاث الأساسية، ولا ينتبه للتحف إلا إذا كُسرت، أو إذا سأله أحد عنها.. فهو لا يرى سوى النتائج.. ويعتقد أن البيت تنظّف من تلقاء نفسه، وأن الأولاد كبروا لوحدهم..

تحب المرأة الذهب والفضة والحلي والمجوهرات (حتى لو كانت تقليدية)، وتحلم بالماس والأحجار الكريمة.. الرجل لا تعنيه هذه الأشياء إلا من ناحية أثمانها، وقيمتها التجارية..

تحب المرأة الشموع والعطور والأجواء الحالمة والرومنسية، وتنتظر من الرجل كلمة حلوة، أو نظرة شغف، أو لمسة حنان، أو حضن دافئ.. بينما لا يهتم الرجل سوى براحته ومتعته وبالجنس..

تستمتع المرأة بالتسوق، ويدب فيها نشاط غير عادي أثناء تجوالها في الأسواق، وتستعرض كل المحلات، وتسأل عن البضائع الموجودة، والتي ستأتي فيما بعد، وتفاصل على السعر، وتجرب كل قطعة... بينما يتجه الرجل مباشرة إلى المحل، ويتناول غرضه، ويدفع ثمنه، ويمضي في طريقه..

تحب المرأة الكلام، وفي المجالس التي تضم نساء كثيرات قد تجد عشرة نسوة يتحدثن في نفس الوقت، ولا يمكنك تمييز من هي المستمعة، بينما في مجالس الرجال تجد عادة متحدثا واحدا، والآخرين يستمعون.. المرأة تحب طرح المواضيع في أي وقت، وخاصة آخر الليل، عندما تكون أمنية الرجل أن يغط في النوم..

المرأة تصبر على إزعاج الرضيع، عكس الرجل، الذي تراوده أحيانا فكرة إلقائه من الشباك. الرجل ينتظر ابنه حتى يكبر، ليحبه ويتعلق به.. الأم تحبه وتتعلق به منذ اللحظة الأولى، لأنها تراه جزءاً منها.. من لحمها تغذى، ومن رحمها خرج، ومن صدرها رضع، لذلك تراه امتدادا طبيعيا لها، ترى خلودها وبقاءها من خلاله، تدرك ذلك في عقلها الظاهر والباطن، ولا تحتاج أي تأكيد.. بينما أمضى الرجل جُلَّ تاريخه ساعيا وراء الخلود، بأي شكل، وأي ثمن..

من خلال هذه المقاربات، تبدو المرأة أحيانا كما لو أنها أكثر رقيا من الرجل، وأنها هي زينة الحياة الدنيا، التي تمنحها ألوانها وفرحها وتنوعها، ومع ذلك، تُتَّهم بأنها تغلِّب عاطفتها على عقلها.. علما أن عاطفتها هي التي منحتها الرقة والنعومة والرحمة والحنان، بينما عقل الرجل منحه القسوة والغلظة.. معظم المجرمين من الرجال، كذلك أغلبية الجنرالات وأمراء الحرب وزعماء الطوائف وشيوخ القبائل والقادة السياسيين.. وهؤلاء هم الذين يصدّرون العنف للمجتمع، والذين يقرعون طبول الحرب.. ليس شرطا أن العقل أهم من القلب، المطلوب توازن بينهما..

وتُتّهم بأنها أقل ذكاءً من الرجل، في حين أن أعقد المؤامرات وأخطرها حاكتها نساء، والمرأة إذا دخلت أي مجال، تتفوق وتثبت جدارتها؛ من قيادة مركبة فضائية، إلى قيادة تاكسي عمومي، ومن رئاسة الدولة، حتى إدارة البيت، ومن اكتشاف الراديوم حتى أعمال النجارة والطراشة.. تستطيع إنجاز خمس مهمات مختلفة في وقت واحد، وبإتقان.. الرجل لا يستطيع أن يركز إلا في مهمة واحدة..

يستطيع الرجل اقتحام عوالم المرأة والتفوق عليها.. أمهر الطباخين وأشهر مصممي الأزياء وأعظم الملحنين هم رجال، وتلك مهارات لا تحتاج أي قوة جسدية، ومن المفترض حسب الثقافة السائدة أنها مهن نسائية.. ولكن كم رجل بالفعل ماهر بالطبخ؟ بينما كل النساء تقريبا بارعات فيه..

من العبث إجراء أي مقارنة بين الرجل والمرأة بهدف إصدار الأحكام، أو لتقرير من هو أفضل، ومن أكثر ذكاءً... إلا أنه من المهم معرفة هذه الفروقات، ومعرفة أنها طبيعية وضرورية، وأنه لولاها لأصبحت الحياة مستحيلة، أو جافة ومملة، ولا تُطاق.. وأنها ضرورية لديمومة الحياة واستمرارية العلاقة بين الطرفين.. وإدراكها مهم لتحسين طرق التواصل بين الجنسين، ولفهم بعضهما، وتفهم التقلبات المزاجية التي قد تعتري أحدهما.. وبالتالي تخفيف حدة الصراعات بينهما. وعلى مستوى أشمل: لتحسين نظرة المجتمع للمرأة.. ولرد اعتبارها..