ضاع محمد والوطن



شذى احمد
2016 / 9 / 19


رويدا رويدا تعلمت الخروج الى الشارع لتبتاع بعض حاجياتها. تخصص لها بعض المعونات الاجتماعية وتستطيع شراء بعض المستلزمات الضرورية من احد المتاجر الكبيرة المنتشرة في المدينة

كانت تذهب بصحبة ولدها الصغير محمد . لم يزل صغيرا ، لم تفلح في ايجاد مكان له في احدى الحضانات الى الان . قدمت اوراقه للعديد منها ..وراحت تنتظر

كان محمد هادئ الطباع ،اسمر البشرة. ورغم غزارة شعره الاسود لكنه كان قريب الشبه من اي طفل في العاصمة الالمانية برلين التي اكتظت بمواطنين من قوميات مختلفة

للحظات دلفت الى احدى المحال التجارية تسأل عن سلعة معروضة ببابه. هي لحظة القدر التي غفلت فيها عن محمدها. خرجت ،لكنها لم تجده. اختفى صغيرها بين المارة . راحت تبحث عنه كالمجنونة لكن دون جدوى
سارعت تطلب النجدة من الجميع فتحت حقيبتها لتخرج صورته. عرضتها على الجميع.. لكنها لم تتلقى أي جواب. نادرا ما يكون هناك من يلتفت للاخرين الكل مشغول بنفسه. يشارك أحدهم الاخرين الطريق لكنه لوحده!. اذن اختفى . لم يبقى لديها غير الشرطة. هرعت اليها . فوزعوا صوره على كل القنوات التلفزيونية والنت في كل المحطات والاماكن العامة

هل يعقل اختفاءه. نشرت الجرائد صورته. بعضها على الصفحة الاولى مع مكافأة مالية من بلدية برلين لمن يعثر عليه . لكن لم يستدل عليه احد

رويت قصص العداء للاجانب لترويعهم بترك البلاد ،والعودة لمواطنهم الاصلية. نشاط اليمين المتطرف. البعض الاخر حركت القصة فيه بعض انسانيته. وما دخل الطفل بكل هذا، فهو بريء لا ذنب له. واستمر الحال حتى كادت قصته تطوى مثل عشرات غيرها في سجل الاحداث اليومية المتسارعة. لولا تقرير مؤلم عن قاتل متسلسل مصاب بالبتوفيليا وهو مرض الشذوذ الجنسي مع الاطفال
وملخص الفاجعة .. ان جارته لمحته يرمي شيئا غريبا خلف حديقة بيته فسارعت تبلغ عنه، فاذا هي جثة محمد.. الطفل المهاجر الصغير الذي غفلت عنه امه المنكوبة لحظة واحدة ليخطفه فيها القدر العاثر وتخسره الى الابد

المجرم اخذه ببرودة اعصاب معه. سلمه الصغير يده مثلما نفعل كل يوم باقدارنا كل بغفلته ،وسذاجته ، وحسن نيته بما يعد له. وذهب طائعا بين زحام الشارع الى الموت المؤكد بعدما اغتصبه المجرم ،ورمى جثته في قمامة المنزل

هربت به من ضياع العصابات الدخيلة ، وتجنيد ،وتعذيب واغتصاب الاطفال في بلدها المنكوب الى بلد المهجر الامن. فاخذه منها دون ان ينبس ببنت شفه... كل ما خافت منه حدث بلحظة . وما بين بلد صار صرحه حجارة واخر تشهق بناياته لعنان السماء عمرانا ورقيا . ضاع وطنها مرتين . واختلط عليها نوع المناحة ترى أتندب ندما ام سخرية من عالمين متناقضين بكل شيء..
مع هذا ضاع بينهما الوطن مرتين. فماتت بينهما مرتين