يظل اللون ارجواني اللبوة الجريحة -2



شذى احمد
2016 / 10 / 5







ومضت الاسابيع التالية رتيبة ، لكنها ثقيلة ، حاولت البحث عن صغارها دون جدوى ودت بطريقة واخرى استمالة القائمين على النزل لاقتفاء اثرهم لكن هيهات . الكل يجيبها ببرود.. لا نعرف . لا يخبروننا بامور كهذه . ليس لنا علاقة بهذه الدوائر .. لا نرتبط معهم...الخ ..الخ

لو كانت البراكين تخمد فان حنين الامهات لأولادهن لا يخمد ابدا. ليفعلوا ما يشاءون فلن استسلم هكذا تعهدت ، وعاهدت نفسها

صارت تتقرب شيئا فشيئا من المقيمين الذين يتبادلون بحكم زياراتهم اما للمساعدة ام العمل للنزل الحديث معها. وعرفت اين يمكنها البحث عن اولادها

هناك دور خاصة لرعاية الصغار الذين اخذوا قصرا من ابائهم بحسب قرارات الدوائر المتخصصة التي قضت بابعادهم عن ذويهم ،وايجاد اسر بديلة لهم تختارها هي كي ينشأ الصغار نشأة صحيحة ويتلقون تربية صالحة بحسب ما سنوه من قوانين والمسألة كلها بايديهم. وعادة ما يفعلون ذلك مع مواطني البلد لما يكن الابوين من المدمنين او ربما صغار السن .بل يحصل ويثبت عليهم الاهمال الكامل للطفل ،وضربه الخ. لكنها لم تكن ايا من هؤلاء النسوة. كل ما حصل هو شجار يكاد يكون اكثر من اعتيادي ومعتاد على الاصح في بلدهم الام بين الزوجين قد يخيف الصغار ويؤثر عليهم بقدر او بأخر .. لكنه لا يمسهم مباشرة . ولا يقلل من حب وتفاني الابوين في خدمتهم، ورعايتهم. ثم ما ذبحها بغير سكين كونها لم تحصل من هذا البلد على حق اللجوء ولا تعرف كيف سيكون حالها فيه. لكنهم سارعوا باخذ صغارها منها ، بلا حياء وخجل.. عن ماذا تتحدث هذه المرأة ؟!. لقد تذكرت للتو بانها كورقة تطوحها ريح الغربة واللاحولة . بل قلة الحيلة والضعف في كل اتجاه . هي لا تملك شيء سوى حزنها الذي يكبلها بقيود العن من مأساتها ، وعليها كسر قيوده والا ضاعت واضاعت صغارها الى الابد

بدأت بالبحث والسؤال..راحت تتسلل لمركز ايواء صغار تلو الاخر. بشتى الطرق .. تتطلع في الوجوه.أملا بالعثور على وجوه احبتها

حتى اهتدت بعد طول صبر ومحاولات عديدة الى مكانهم. جمدت الدماء في عروقها اول الامر حينما رأتهم. بدوا مختلفين عن صغارها. لكنها تذكرت .. صغيرها كان يرضع في شهوره الاولى وها هو الان قارب السنة من عمره. وابنتها التي تكبره ببضع سنين تبدو شاحبة ،منكسرة ، وقد كبرت عشر سنوات دفعة واحدة . رأتهما في احدى الزوايا. وقد وضعت ابنتها اخيها في حجرها بعدما صارت له أما ، وتدفع كل يد تتقدم نحوها لمس الطفل او لطلب شيء منها. شعرها بل كل شيء في شكلها وملبسها بدا في حالة يرثى لها

التصقت بزجاج النافذة فانتبهت اليها ابنتها وبدلا من الفرحة رمقتها بنظرة لوم مزقت قلبها.. قالت لها تلك النظرة المنكسرة: كيف تكونين أما وتتخلين عنا. اي نوع من الأمهات . لو تعرفين ما الذي مر بنا بغيابك .. فاضت دموعها التي انهمرت متوسلة الغفران والعفو من ابنتها .. هناك الكثير الذي ساقصه عليك . لم يكن بيدى شيء عندما اخذوك مني . لقد اخذت على حين غرة صدقيني . لكنها تماسكت وارجأت كل هذا لما بعد. الان عليها القتال والدفاع عن حقها في استرداد صغارها. من بلد قبل تعلمها جملة الترحيب به ، القمها مرارة الحرمان والابعاد عن صغارها



من يمكنه مساعدتي .. سألت قيل لها: لا احد يمكنه مساعدتك الا محامي يفهم في تفاصيل القانون وخباياه، ويدافع عن حقك في حضانة اولادك بلغة سليمة وفصيحة. وبالفعل ببعض المساعدة اهتدت الى عنوان محامية . قبلت بها، وصارت موكلتها . وبدأ مشوار طويل من النضال للوصول الى اطفالها

اخبرتها المحامية بخطورة وحساسية موقفها ، عليك عدم الاقدام على اي عمل طائش . اي خطوة عليك مراجعتها معي. وشرحت لها عن طريق المترجمة ما عليها فعله. فامتثلت كحمل وديع لكل ما اوصت به المحامية،فهي بكل الاحوال لا تملك الا هذا الحل وعليها الانصياع مرغمة ام بخيارها

مع هذا لم يطاوعها قلبها على البقاء بعيدا عن صغارها، راحت تزورهم يوميا. واعتصر قلبها الألم وهي ترى سوء العناية الصحية بصغارها، فالقمل منتشر برأس صغيرتها ،والطفل يعاني من الحساسية بسبب سوء العناية به. مرة بتحدي واخرى باللين اعادت صغارها اليها..من النظافة الى البقاء بجانبهم وقتا اطول. رغم حنق المشرفات والمربيات هناك . فهن لم يعتدن على زيارة الامهات ، ولا تفانيهن في مثل هذه الظروف على خدمة ورعاية اطفالهن الذين ابعدوا عنهن عنوة

يستمر الحال شهور ،ويحدد موعد للمحاكمة ، امام القاضي الذي دلت ملامحه على الامتعاض وقفت الأم وصغارها وفي اخر الصفوف الأب الذي ظل صامتا دهرا دون القدرة على استيعاب ما يدور حوله

رغم نصيحة المحامية بانكار رغبتها بالعودة الى الزوج .فاجأتها بالرد ايجابا على سؤال القاضي هل تريدين العودة لزوجك؟!. نعم فلقد تخلى عن عصبيته ووعدنا بعدم تكرار ماحدث
بحنق اقفل القاضي ملفهم مزمجرا: هذه المرة فقط اسمح لكم باسترداد الصغار المرة الثانية لن تكون هناك محكمة كي تقرر . سيأخذون الاولاد منكم وينتهي الأمر للابد

خرجوا من قاعة المحكمة غير مصدقين ، هاهم يسترجعون فلذات اكبادهم. في بلد عليهم التفكير جديا بكل خطوة فيه. فهم ليسوا احرارا هنا، تماما مثلما كانوا هناك .. لكن شروط الحرية تختلف. وما يصرف لهم منها هنا ليس كما كانوا يظنون ..في لحظة اضاعوا كل شيء. ولا يعرفون بخطأ مماثل ما الذي سيضيع

لكن المؤكد بعد كل هذا .. رنين جرس التنبيه الذي اخبرهم بانقضاء اجل الحلم الوردي الذي اتى بهم لهذه البلاد . بلاد الحرية والنعيم