آراء دونية في المرأة



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 30

إن التربية الاجتماعية هي العامل الأساس في صياغة وعي الفرد من العديد من القضايا الاجتماعية، كونها تنهل من المورث توجهاتها. وتختلف تلك التوجهات من مجتمع لأخر، فما هو محذور في مجتمع ما قد يكون مسموحاً به في مجتمع أخر وما هو عيب في مجتمع ما قد يكون مصرحاً به في مجتمع أخر تبعاً لمنظومة القيم والأعراف الاجتماعية والدينية.
إن قناعات المورث المساهمة في تربية الفرد تعكس سلوكه وممارساته في المجتمع، فلو كانت القناعات مبنية على مفاهيم معادية للمرأة وتحط من قدرها وشأنها الاجتماعي فإن الفرد يمارسها في اللاوعي دون أي اعتبار لكونها إحدى مكونات المجتمع ولها من الحقوق والواجبات.
الثقافة والتعليم...بالرغم من أهميتهما في رفع مستوى وعي الفرد لكنهما ليسا كافيان للقضاء على منظومة الأعراف والقيم المشكلة تاريخياً، فالصراع ليس صراعاً سياسياً بين الصفوات، أنه صراع اجتماعي تخوضه صفوات المجتمع ضد الأعراف والقيم الموروثة تاريخياً. وبالتالي فإن معادلة الصراع في الغالب تكون غير متكافئة ومحسومة النتائج مقدماً على مستوى الحاضر، لكنها قابلة للتغيير مع الزمن لصالح الطرف الأخر.
يقول ((سيمون دي بوفوار))"أن المرأة لاتولد امرأة بل يصنعها المجتمع كامرأة، فالتربية والقيم والتقاليد والأعراف...هي التي تحولها إلى امرأة".
خطر المورث يكمن في تأثيره على صفوات المجتمع ومدى تسلله عبر نتاجاتهم الثقافية التي تسهم في تشكيل منظومة وعي جديد لكنها تكرس تبعات المورث بلغة ومفردات معاصرة، وكأنها تعيد صياغة المورث بلغة جديدة ومقبولة من الجيل الجديد.
وحين تساهم نخبة المجتمع في صياغة مفاهيم منظومة الوعي المكرسة لمدلولات المورث، تتناسل أفكارهم عبر الأجيال وتعزز من مواقع جبهة مناصري المورث وتضعف من الجبهة المضادة لها. وبهذا فإن معادلة الصراع تختل من جديد لصالح مناصري المورث وتهزم الجبهة المضادة لها...وتبقى الأزمة قائمة في المجتمع الذي يحط من قدر وشأن إحدى مكوناته الأساس.
يعتقد ((روسو))"أن فضيلة النساء بجهلهن وإطاعتهن..فقدرهن أن يرضين ويخضعن، فالمرأة خادم الرجل وينبغي لها أن تشعر دوماً أن سعادتها الحقيقية في الحب والأمومة".
إن حالة الانفصام بالوعي والسلوك الذي يفرضها المورث على كافة أفراد المجتمع، لاتنال فقط من تعارض الوعي المعاصر مع السلوك المورث. وأنما يمتد تأثيرها إلى أجيال لاحقة خاصة حين تتسلل مفاهيم المورث إلى خزينه الحضاري والمعرفي لتنهل منه الأجيال اللاحقة (بشكل أو أخر) لتعيد صياغة منظومة الوعي المعاصر، فالشعر الوجداني الذي ينهل من العاطفة والحب مفرداته...لاتسقطه عوامل الزمن لأنه لايحتكم إلى منظومة العقل وأنما لمنظومة القلب المعبرة عن الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، فهي لايطفئها الزمن لكنه يخفف من وهجها المتقد أبداً.
يتطلب التعبير عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية قطبي معادلة (الرجل والمرأة) لعقد علاقة الحب المشرعة لمفهوم الاعتراف بالأخر دون قيد أو شرط، لكن حين تتسلل مفاهيم المورث إلى العلاقات الإنسانية تفرض شروطها في الحط من قدر أحد طرفي معادلة الحب وتصبح المرأة أداة لتلبية الغرائز الجنسية. وبذات الوقت أنها أداة التعبير عن المشاعر والأحاسيس للشاعر الذي ينهل مفرداته الشعرية منها، فتتكشف حالة الانفصام التي تنخر ذاته. كتب شاعر الحب والمرأة ((ابن زيدون)) أبياتاً من الشعر تعبر عن حالة الانفصام التي تشرخ ذاته قائلاً:
"لكل أبي بنت يراعى شؤونها..........ثلاثة أصهار إذا حمد الصهر
فبعل يراعيها، وخدر يكنها............وقبر يواريها، وأفضلها القبر".
ويخوص الشاعر أكثر في براثن الانفصام الذي ينخر ذاته وينهل من المورث مفرداته وصياغاته الشعرية ليصف المرأة بأنها تشبه (سير النعال!) قائلاً:
"هي والفقيدة كالأديم اخترته..........فقددت-إذ خلق الشراك-شراكاً".
إن قيم وأعراف المورث حين تنال من وعي منتج الثقافة ونخب المجتمع يكون تأثيرها مضاعف على المجتمع. وتسهم بشكل أكبر في تكريس المورث عبر الأجيال وينعكس ذلك على سلوك وممارسات الفرد في المجتمع في اللاوعي، ويعيق سُبل النضال ضد المورث الذي يحط من قدر وشأن المرأة باعتبارها إحدى مكونات المجتمع.