المرأة الجزائرية و ثورة النواعم الناعمة 3/3.



صالح حمّاية
2016 / 11 / 30

مثال آخر من أساليب التحايل من النساء العاملات ، هو إخراس الأخ المتذمر ، ففي الأسر كثيرا ما يقبل الأب و لأنه المنفق على الأسرة عمل البنت كواقع للمساعدة ، ولكن الأخ الطائش غالبا تجده يحاول لعب دور سي السيد وحامي حمى شرف الأسرة ، ويكثر الصداع للبيت على خروج ودخول أخته ، فما تقوم به المرأة العاملة هنا لإخراسه ، هو أن تشتري له سيارة و ترشيه بها ، وهكذا ترتاح منه ، عدى انها توفر له عملا مثلا ( سائق تكسي ) و انه سيكون رقيب عليها ، فهو من يؤخذها من مكان لمكان ، و هكذا طبعا فلن يحتج ، فقد أدخلته بيت الطاعة كالباقين ، وهنا وللغرابة فكم من أسر كانت تبدو متزمته ، ولكن بسبب الحاجة فقد قبلوا عمل المرأة ، حتى إنتفت خرافة المرأة لا تعمل لدى كثيرين ، وليوم من يراقب إعلانات الزواج ف90% منها تريد زوجة عاملة ، على عكس الماضي ، حيث يريدونها ماكثة في البيث ، وكله من ضغط الحاجة ، لدرجة أن احد الأمور الظواهر الجديدة في المجتمع الجزائري هي الصراع على راتب الزوجة ، فالزوجة تقبل أن تتقاسم المصاريف مع الزوج ، ولكن بعض الزواج يريدونه كاملا، فتحصل المشاكل ، وغالبا تنتهي بالطلاق .

ومن الظواهر الأخرى التي تستعملها المراة في إخراس المجتمع لكي لا يكبلها بالقيود كذلك، هو كثرة إقتناء السيارات بين النساء ، فإذا كانت الأسرة تحتج على عمل المرأة بسبب الخروج للاحتكاك بالمجتمع الذي لا يرحم ، فالمرأة تقتني سيارة لتزيح عنها كل ذلك الكلام ، فالسيارة حماية للمرأة من صداع الحافلات وما لف لفه ، وهكذا صار ان ترى ، قاضيات طبيبات محاميات أستاذات جامعة ، يملئن الطرقات بسيارتهن الصغيرة يزاحمن الرجل في الشارع ، و طبعا هنا فقيادة السيارة ليست أمر هين ، فعند جميع علماء الإجتماع سلطتك على شي ما ، هو امر يخلق لديك الإحساس بالإستقلالية ، فأنت السيد على هذه الماكنة ، و عليه فأنت من تختار قرارك ، و طبعا فسيد قراره سيطالب بكل شيء إذا تشجع ، وهذا أمر أتوقع أنه سيؤثر مستقبلا على تفكير المراة لتزداد قابليتها للحرية أكثر ، وهنا أمر وجب فتحه للحديث عنه ، و أقصد : فكرة أن المرأة الجزائرية ورغم ما وصلت إليه ، إلا أننا نرى فيها حالة من النزوع نحو الخنوع ، وهذا أمر ملاحظ وبشدة ، وبتصوري فسبب هذا المباشر هو أن المرأة الجزائرية لا تزال لم تكتشف قدراتها ، فبسبب ظروف المجتمع ، والتقاليد الخ ، فهي لا تزال تحم تصورات دونية عن نفسها ، و لكن اذا وضعنا ببالنا أن مكانتها الجديدة ستؤثر في شخصيتها مع مرور الوقت ، فمن المتوقع جدا أن هذا الحال سيزول ، وستتغير نفسية المرأة الجزائرية وتفكيرها من الخنوع ، نحو التمرد ، و هذا أمر يمكن لمسه بسهولة في صفحات النت النسائية للجزائرية ، فمن متابعة شخصية ( ولا اقول أكاديمية ) فأنا لمست تطورا في مدى القابلية للأفكار التحررية للنساء مع مرور الوقت ، ففارق كبير بين ما كان مثلا في سنة 2010 من أراء تروج بينهن ، وبين ما هو حاليا في 2016 ، وطبعا متوقع جدا أن ما سيكون في 2026 رائجا بينهن ، ليس كما هو الآن ، فسواء التكنولوجيا ، العمل ، الإعلام الخ ، كله يساهم في رفع الوعي ، ومع إرتفاع مستوى الوعي ، تتغير العقلية ، و أمور كقيادة السيارة مثلا ، فهي مساس مباشر بالنفسية الأنثوية التي إعتادة على الخضوع ، فالقدرة على السيادة ، تخلق الرغبة في الإستقلالية .

و بالمناسبة فهذا و لمن يريد أن يعرف لما ترفض السعودية (وهي دولة إهانة النساء) قيادة المرأة للسيارة ، فقيادة المرأة للسيارة هو إعلان إستقلالية ، واعلان تمرد ، وعليه هم يحاربون هذا بكل الطرق لكي لا تتعود المرأة أن تكون صاحبة قرار ، ففي التاريخ الشمال أفريقي و الشرق أوسطي ، كل ما كان يهم المجتمع ، هو سلب المرأة قدرتها على إتخاذ القرار ، فهكذا يضمنون أن تبقى عبدة ذليلة ، و لكن ولحسن الحظ ، ولظروف الزمن فالوضع تغير و بدأت الأمور بالإنفراج .

وعموما ، وبعد ما قلنا فلا يجب الإعتقاد أن هذا الأمر لم يمر بدون إحتجاج ، فهناك من يتربصون ، وكم هاجم الإعلام عمل المرأة و بالذات المتأسلم في الجزائر ، و كم روجوا لخرافات لعرقلتها ، كالزعم أن عمل المرأة هو السبب في البطالة ، و أن حل مشكل تشغيل الشباب هو بطرد النساء من العمل و إحلال الشباب بدلا منهن، عدى ان هناك من ذهب إلى أن ما يجري هو مؤامرة على الجزائر هدفها تأنيث المجتمع لإخضاعه ، وهذا كما زعم مثلا السيد خالد عمر بن ققة في احد مقالاته ، و الذي يقول فيه "أعرف أن ظلم المرأة حالة عامة، لكن الحديث هنا -حتى تكون الأمور واضحة- لا يخص النساء، وهناك فرق على المستوى النظري بين التأنيث والمرأة، صحيح أن المرأة أنثى، لكنها قد تكون أهم في دورها من الذكر، وعلى طول التاريخ كان الفعل مرتبطا بالإنسان من حيث هو كائن فاعل وعاقل وليس ذكرا أو أنثى، واليوم لم يعد بيننا من إذا بشّر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، بل هناك من يتوارى من القوم من فعل ابنه الذكر وليس من ابنته الأنثى، والدليل هنا ما يقوم به بعض الحكومات العربية من فرض قسمة للنساء في البرلمانات وفي مجالس الأمة والشعب بحجة تطوير المجتمع، وهو في ظاهره فعل حضاري ينم عن التطور والوعي، لكن في باطنه تنفيذ لأوامر خارجية " ( مظاهر تأنيث العرب – جريدة الشروق – 22/12/2010) وكما نلاحظ هنا ، فالمتربصون بتقدم المرأة في المتجمع نابهون ، و يتصيدون كل شاردة وواردة ، فلاحظوا هنا فالرجل كتب عن الأمر في سنة 2010 ، وليس اليوم كما نفعل اليوم ، الأمر الثاني أنه كتب للتشويه ، وللتحريض على المرأة فمما جاء في مقاله أيضا هو زعمه أنه "مهما يكن فإن تأنيث المجتمعات العربية يرتبط بتأنيث القرارات السياسية، خاصة تلك المتعلقة بقضايانا الكبرى، فحين يبرر الاحتلال، وترفض المقاومة، وتمجّد الخيانة، ويدعّم الفساد، وتشيع المنكرات وتعمّم الفواحش، ويسود الظلم، وتؤرق الشعوب في حياتها اليومية، لدرجة استعجال الموت، ويغيّر معنى الجهاد ويهرب الناس من أوطانهم.. تتجه بهذا كله نحو تأنيث العرب، والخروج من الحالة لن يكون بادعاء واهن من أجل استرجاع "ذكورة" العرب المفقودة، ولكن بالعودة إلى تثوير مهمة الاستخلاف في الأرض، وهذه مرهونة بالالتزام بما أمر به خالق الذكر والأنثى‭.‬ " ( نفس المصدر ) وكما ترون فهو تدليس علني من اعداء المرأة في الجزائر ، فكيف ربط الاخ ققة تلك المتناقضات في دماغه أساسا ، و أن تكون الأنوثة تمجد الخيانة ؟ وان يكون لتثوير الإستخلاف في الأرض علاقة بالأنثى ؟ وهذا المنهج وللأسف سيطر على الإعلام الجزائري كاملا تقريبا ، فمثلا حين تم طرح مشروع قانون تجريم التحرش ، و مشروع تجريم ضرب الزوجة ، مع أنه كان مشروع مهلهل حيث يمكن إسقاط الدعوى اذا تخلت المرأة عن حقها ، فقد هاج الإعلام عليه ، ومارس التحريض العلني لتهييج الشارع عليه ، حتى أفتضح أنه يعارضه علنيا ، وليس أنه مثلا ينقل أصوات المعارضين له من الإسلاميين ، الذين جاهدوا لكي لا يمر القانون ، وكأن من بين الحوادث المخزية التي حصلت هو تواطأ الإعلام خاصة الورقي ( الجرائد ) على نشر قصة فتاة ثم قتلها من طرف أحد الوحوش البشرية ، و هي الخالدة " رزيقة شريف " لكون حادث إغتيالها تزامن و التصويت على مشروع القرار ، ومنه فالنشر فيه سيعزز حظوظ قبوله ، وقصة رزيقة شريف كانت أن أحد الحمقى في الشارع تحرش بها ، و حين رفضت الإنصياع لطلبه ( الصعود لسيارته ) نزل وقام بتعنيفها ، وحين بصقت عليه ، ركب السيارة وقام بدهسها ، مرة و أثنين حتى تهشم رأسها ، وقد خرج يومها المواطنون في مدينتها للإحتجاج على الأمر في مظاهرات كبيرة ، ولكن مع هذا ، فقد تجاهل الإعلام تغطية الحادثة ،و كأن شيء لم يكن ، وكله من اجل أن لا يؤثر النشر حول القضية على قضية مشروع قانون تجريم التحرش ، و الذي سبق و أن تم تجميده لفترة في مجلس الأمة ، و لكن ولحسن الحظ فقد تم تمرير القانون ، رغم كل شيء ، ولم يربح أعداء المرأة سوى الهباء ، ومر القانون وهو حاليا نافذ .

ولكن عموما فلا يمكن توقع سوى هذا منهم ، فهذا هو العقل الذكوري في آخر مراحل هذيانه ، و الحقيقة أن الثورة الناعمة لنساء الجزائر قد قضت مضاجع البعض ، وعليه إنطلق الكثيرون في مهاجمتها ، ولكن ومهما فعلوا ويفعلون ، فالمؤكد اليوم أن لا شيء الآن يمكنه الوقوف في وجه الثورة الناعمة لنواعم الجزائر ، فهي ثورة لديها كل مقومات الصمود ، ولن يطول الوضع طويلا لتعلن إنتصارها الكامل ، وحينها فلن يكون لمعارضيها أي أمل ، فهذه ثورة قامة على سواعد ناعمة نعم ، ولكنها مجتهدة و صبورة ، وقادرة على العطاء ، وحاليا فهي الآن تنفق على الكسالى والعاطلين في الجزائر ، وهي التي تولت زمام الأمور بعد تكاسل الرجل عن دوره ، وغرق في الانحراف لهذا فلا حق لعاطل أن يتكلم ، وشخصيا ومن واقع قراءة شخصية للواقع الجزائري وما ينتظره في المستقبل ، فشخصيا لا اراها مبالغة توقع أن تتوج هذه الثورة بتتولى سيدة حكم الجزائر ، وفي هذا الأمر فلدي اليقين الكامل ، وكل اليقين أن الجزائرية قادرة على هذا ، فهي ستبقى خط الدفاع الأخير للبلاد للإنتشالها من التخلف بعد ان قام الرجال بكارثة بحقها ، تماما كما كان حال ألمانيا التي بنتها سواعد النواعم ، بعد أن دمر الرجال بلدهم في الحروب ، وعموما فبوادر هذا الأمر حاضرة لدينا الآن في نماذج لوزيرات تبوؤوا مناصب في السلطة وكانوا مثال للصمود والتحدي رغم كل ما يتعرضن له من هجوم كاسح وعلى رأسهم السيدة التي تصنع الحدث في الجزائر الوزيرة "نورية بن غبريت" و التي تقف الآن أمام جيش من المدليسن و الكذبة يحاربونها لكل الطرق القذرة ، ولكنها باقية وتقاوم ، وهي سيدة تقوم اليوم بتحدي أعثى منظومات التخلف في الجزائر وبروح صبورة ، و طبعا فلا يمكن سوى تخيل سيدة أن تفعل هذا ، وعليه ففي الختام لا املك شخصيا سوى تمني النجاح المؤكد لها ، ولثورة النواعم ، فعلى الأقل و كما كتبت في مقال سابق ( فما خاب قوم ولو أمورهم إمراة ) و هو كلام صادق مني ، فما خاب حقا قوم ولوا أمورهم أمراة ، والمقال يمكن الإطلاع عليه في أرشيف مقالاتي لتعرفوا لما اقول هذا .

رباط مقال ( ما خاب قوم ولو امرهم إمراة )

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=438193