الأدب النسوي مصطلح لتهميش إبداع المرأة



فينوس فائق
2006 / 1 / 6

بكل أسف علي القول بأن تأريخ منطقتنا الموبوئة بالحروب و مخلفات الأنظمة الدكتاتورية و التخلف الإجتماعي و غلبة العقلية الدينية المتخلفة الداعية إلى طمس شخصية المرأة خلف جدران سميكة من الممنوع و غير المرغوب و التابوات و العيب و ...الخ ، تلك المنطقة المصابة بكل أنواع الصدأ الفكري و التكلس الأخلاقي و الحضاري و كافة الأمراض التي هي من ترسبات الإرهاب الأسري و إرهاب الشارع و الإرهاب الفكري و السياسي و الديني و الإنساني على كل الأصعدة ، بكل أسف أقول أن تأريخ تلك المنطقة تأريخ مذكر و خشن و ذو شعر كثيف ، و هذا ما يساعد و بسهولة على ظهور و تنامي الإتجاهات الفكرية التي تعمل و بإلحاح على تهميش دور المرأة في المجتمع ، هذا الكلام ليس الهدف منه ترسيخ فكرة محاربة الكائن الذي يسمى بالرجل ، و إنما الهدف منها محاربة الفكر القائم على مبدأ الذكورة و كل ما يمت لها بصلة من مباديء و مفاهيم فرعية أخرى شوهت معالم الحياة الحضارية في الشرق بكل معانيها ، ففكر الذكورة و المجتمع الأبوي لا ينحصر على الرجال فقط ، فهناك الكثير من النساء ممن يفتخرن و بشدة بحملهن تلك الأفكار التي تدعوا إلى طمس المعالم النسوية و سمات الأنوثة و كأنها جريمة ، الكثير من نسائنا للأسف يجسدن تلك الأفكار بشكل أو بآخر بقصد أو بدون قصد ، فالتفكير أو العقلية الرجولية التي تتغلل في نمط حياتنا و تسيطر على العقول ليس المتهم الوحيد من وراء بروزها و تجذرها هو الرجل ، فهناك من النساء ممن يساعدن أو يوفرن الأرضية المناسبة لظهور و نمو تلك الأفكار في هذا الزمن من التطور و التقدم و الحضارة ، غلى درجة مطالبتهن بالعودة إلى داخل المطبخ و التخلي عن حقوقهن التي غيرهن يقاتلن من أجل نيلها ، الداهية الأكبر هي أن الفكر أو العقلية الرجولية تصبح جزءاً من ثقافة مجتمعنا تقتدي بها المرأة نفسها بدون وعي منها ، خصوصاً مع ظهور المد الديني المتخلف الذي يتغذى من السياسة و يتقوى بالإرهاب ، فمجتمعنا مع و بدون تلك الأفكار مازال مجتمعاً متخلفاً و يضع المرأة و نتاجاتها في كل الميادين في الهامش و يتعامل مع كل القضايا بمنظار رجولي صرف و يقيس كل الأمور بمقاييس ذكورية و حتى أنه يبتكر الحلول الذكورية لكل المشاكل و القضايا التي يعاني منها المجتمع لحد الآن..
لا أحب أن أضفي صفة المطلق على مثل هذه الكلام ، لكن كلما تعمقت في النظر في تلك الحالة وجدت نفسي أصاب بالذهول ، بل بالغثيان من بعض الأفكار التي تتجاهل دور المرأة في المجتمع و خصوصاً تلك الأفكار التي تتجاهل النتاج الأدبي النسوي، فتلك الإتجاهات الفكرية التي يمثلها الرجل تحاول تارة تهميش أدب المرأة ، و تارة تشويهه و تارة وصفه بأنه أدب ضعيف و لا يرقى إلى مستوى أدب الرجل..
و تكمن الخطورة في مثل هذه الممارسة الرجولة في أن يصبح فعل (التهميش و التجاهل) لأدب المرأة و النتاج الأدبي النسوي جزأً من القاموس الفكري الرجولي و جزأً من ثقافته التي يتسلح بها و يواجه بها العالم و يعرف العالم الخارجي من خلاله بأدب مجتمعه ، و أن يتحول بعد ذلك إلى أرث عقلي و فكري يحتذي به الأجيال ، أو أن يتحول إلى طقس من طقوسه الثقافية و الأدبية و الفكرية و يجسدها بدون وازع من ضميره الإنساني .. و من إفرازات هذه الحالة المرضية لدى مجتمعنا المتخلف هو أن البعض من رجال المجتمع يصل بهم الحال إلى إطلاق كذبة و تصديقها بمرور الزمن ، ألا و هي أن دائماً هناك رجل وراء نتاج المرأة ، و كثيرة هن النساء الأديبات اللائي لاحقتهن مثل تلك الشائعات في فترة من الفترات من تأريخهن الأدبي ، و لكي يسلبوا صفة الإبداع و ينزعوها عنها أطلقوا مقولتهم الفارغة أن وراء كل رجل عظيم إمرأة ، و ذلك محاولة منهم لكي يثبتوا أن العظمة للرجل فقط بإبداعه و إن كانت المرأة عظيمة فبوقوفها وراء الرجل و ليس لأنها إمرأة و بإمكانها أن تبدع..
و لإن تلك الحالة المرضية هي ناتجة عن عقدة هي أن غالبية رجال الشرق تنتابهم المخاوف و حتى إن لم يعترفوا بها ففي عقلهم الباطن من المرأة المتفوقة ، و يشعرون بالخطر و كأنهن سيسحبن البساط من تحت أرجلهم. هذا ناتج عن عقلية مجتمع لا يعترف بقدرات المرأة على مر الزمن و يحاربها بكل الوسائل ليظل هو سيد كل الميادين بدون منازع ، ففي مجتمعاتنا الذكورية كان و لحد الآن النتاج الأدبي النسوي من النتاجات التي غالباً ما ظلت مهمشة ، أما النتاج الأدبي الرجولي هو الذي تناقلته الأجيال ودرسته و تمت الإستفادة منه ، و غالباً ما ذكر النتاج الأدبي النسوي كجزء تجزأ من الأدب الذكوري ، أو فرع من أصل ، في حين أن الأدب النسوي كغيره من النتاجات الإنسانية لا يقل في شيء عن النتاج الأدبي الذي ينتجه الرجل و لا يختلف عنه سوى في أنه كتب بقلم إمرأة.
من الممكن إعتبار هذه الحالة عند رجال مجتمعاتنا الشرقية حالة سايكولوجية ناتجة عن ممارسة الظلم و القهر ليس ضد المرأة فقط و إنما ضد الرجل أيضاً و لكن دون أن يشعر ، فالرجل في مجتمعاتنا مقيد بالكثير من القيود الإجتماعية و الدينية و الطقوس و العادات و التقاليد ...ألخ و العلاج لا يكمن في تحرر المرأة من تلك القيود بقدر ما يكمن في تحرر الرجل نفسه من تلك الأفكار و الأوهام التي باتت تقيده و تسيطر على عقله و تسيره .
و من أجل ذلك ظهرت محاولات لإبراز شأن المرأة المدبعة من قبل الكثير من النساء لكن للأسف بالطريقة الخطأ كأن إبتكرن فكرة خان بإسم (الأدب النسوي) تخص النتاج الأدبي النسوي و الذي بتقديري لا يحل الإشكال بقدر ما يعقده ، حيث المفروض بي أن لا أطالب بالتقوقع داخل خانة أخرى تعزلني عن خانة الأدب الإنساني و عن أن أبدع على الأرض الأوسع الذي يقف عليها الرجل ، بل ما أحتاجه هو أن أنتزع الإعتراف بأدبي على أرض الأدب الإنساني الواسع نفسه و أن أحارب الرجل بنفس الكلمة التي يحاربني بها و في نفس المنطقة التي يقف عليها ، فهذه هي الوظيفة بالتعريف بأدب تنتجه المرأة داخل المنظومة الإنسانية الواسعة ، وإعتراف الرجل بهذا الأدب و إنتزاع إعجابه به و إعترافه به في آن واحد ، فالإعتراف الذي يأتي قسراً يختفي فجأة ، و الإعتراف الذي يأتي عن إعجاب هو الذي يبقى و لا يزول و لا أظن بأي حال من الأحوال أن عقلية الرجل الشرقي يقبل بمثل هذا التنازل ، إلا القلة القليلة منهم.
و من هنا علي الإشارة إلى هناك ثلاثة أنواع من الأدب الذي تنتجه المرأة أحياناً ، أولاً الأدب الذي تنتجه من أجل أن تشارك في إنتاج أدب إنساني بدون أن تشغل نفسها بالصراعات الجنسية و تأثيراتها السلبية على نتاجها ، و ثانياً الأدب الذي تحارب به الرجل و العقلية التي تعمل على ترسيخ فكرة تهميش و تجاهل النتاج الأدبي النسوي ، و ثالثاً الأدب الذي تخدم به جنسها و تعزل من خلالها نفسها من العملية الإنسانية الكبرى و الذي يعود عليها بالسلب غالباً أكثر مما يعود بالإيجاب.. و للأسف أقول أن مبتدع فكرة أو مصطلح الأدب النسوي لم تكن المرأة و إنما الرجال الذين لا يؤمنون أصلاً بإبداع المرأة أو يتخوفون منه ، فهناك أدب عربي و إنكليزي و أدب كوردي ، أدب العمال ، أدب الأطفال و أدب المقاومة ، الأدب السياسي ..ألخ ، و قد كتبت المرأة في كل هذه المجالات بدون إستثناء ، فما الداعي أساساً لتجزئة أدب المرأة على أساس الجنس و تهميشها و إخراجها من تلك الخانات الآنفة الذكر قسراً ، أم هل سيتم تقسيم الأدب النسوي أيضاً على تلك الخانات فنزيد التعقيد تعقيداً .. و المشكلة لا تكمن في أن الرجل هو صاحب الفكرة الأولى في إختلاق هذه الخانة و حبس الإنتاج النسوي فيها و عزله عن الإنتاج الأدبي و الثقافي الإنساني الأشمل و إنما الطامة الكبرى هي تصديق الكثير من النساء تلك الكذبة الكبيرة و المشي وراء دخان إسمه (خانة الأدب النسوي) و سرعان ما تكتشف أنها دخلت خانة التهميش و العزلة الثقافية التي كرسها الرجل أو العقلية الذكورية في المجتمع من أجل طمس معالم النتاج الثقافي للمرأة. حتى يصل الأمر إلى تنسيب غالبية النتاج النسوي إلى رجل يقف وراء المرأة المبدعة و كثيرة هي أمثلة النساء لاحقتهن مثل تلك الشائعات و وقفت النساء صاحبات الشأن ساكتات و لم يدافعن ، أو حوربن إلى درجة التخويف و الإنسحاب ..
من هنا تكون عملية التجاهل و التهميش عملية حقيقية و مدروسة و يجب التعامل معها بذكاء و قوة و ليس بعزل النتاج المهمش من قبل الرجل في خانة خاصة بها ، فالتأريخ للأسف مذكر و القلم مذكر ، غير أن الكلمة مؤنث ، لكن من سيحمل القلم و يسجل التأريخ في منطقتنا الموبوؤءة بالحروب ، مؤكد أنه الرجل ، و من المؤكد أنه لن يرحم المرأة إن لم ترحم المرأة نفسها منذ البداية تحترم أدبها و تدمر تلك الخانة التي إبتكرها الرجل ليهمش و يتجاهل فيها أدب و نتاج المرأة الثقافي..

-------------------------------------------------------------
عندما نتكلم في مثل هذه المقالات عن الرجل لا يعني بالضرورة أننا نحارب الرجل ككائن و إنما نحارب الفكر الرجولي المتخلف ، فالفكر الرجولي المتخلف ليس حصر على الرجل فقط و إنما هناك الكثير من النساء اللائي يحملن و يجسدن تلك الأفكار و التي يستفيد منها المجتمع من أجل وضع المزيد من القيود في رقبة و معصم المرأة و العقلية المتخلفة التي تكرس تجاهل إبداع المرأة في كل المجالات..