الخطاب النسوي بين الواقع والحقيقة



صاحب الربيعي
2006 / 1 / 9

إن الارتقاء بلغة الخطاب النسوي من مستوى خطاب ساذج يحجم الصراع بين المورث من القيم والأعراف الاجتماعية إلى مستوى صراع بين الرجل والمرأة يعني بكل المقاييس المعاصرة عدم تشخيص لمسببات الصراع وتشتيت الجهود في صراعات ثانوية لاعلاقة لها في الصراع الأساس الذي يتوجب أن تخوضه كافة فئات المجتمع لنيل العدالة والمساواة. لأن الحرية ذاتها غير قابلة للتجزئة إلى حرية المرأة وحرية الرجل فمسعى النضال الحقيقي هو لنيل المجتمع حريته.
وهذا الأمر منوط بنضال الفئة الاجتماعية، فكلما كانت أكثر نشاطاً كلما حازت على مكاسب لقاء نضالها. ولايجوز بأي حال من الأحوال اعتبار النضال لنيل الحقوق ذا مجرى واحد وأنما مجموعة من الروافد النضالية التي تصب في المجرى العام لانتزاع الحقوق، وكل رافد ينال نصيبه بالمحصلة على قدر رفده النضالي.
إن مشاركة فئة اجتماعية في النضال بشكل هامشي متعكزةً على الآخرين لإنصافها في نهاية المطاف، هو مسعى لايخدم مصالحها بالأساس ويضر بمصالح الآخرين ويفتقر لوجه الإنصاف والعدالة في نيل الحقوق المتساوية أسوة بالمشاركين الفعلين في النضال. إن نضال المرأة لنيل حقوقها يجب أن يكون واضحاً ومميزاً، لا أن يكون جزءً من خطاب الآخر وبالتالي فإنه يخرج من براثن المورث الاجتماعي ليسقط في براثن المجتمع الذكوري.
لـ ((إملي نصر الله)) رأي في هذا الصدد تلخصه قائلةً:" لقد قالوا في المرأة أقوالاً كثيرة بعضها يطابق الواقع ويصح عليها كما هو على الرجل والبعض الآخر يرجمها بحجارة رجال خائبين. وكانت هي مثل البكم والعبيد والأطفال قاصرة عن الدفاع، قاصرة عن الهجوم، راضخة للأحكام تصوب عليها من كل صوب ومن الشفاه والأقلام بالحبر كما بالدم. تحملت الكثير من الجور ومازالت تتحمل لا عن نفسها، بل عن الرجل وعن ذريته من بعده".
وبخلافه في المجتمعات الأوربية اجتازت المرأة عتبة الصراعات الهامشية بين الرجل والمرأة من خلال نضالها الذي استمر لعشرات من السنيين وأصبح خطابها المساواتي لاينطلق من الهوامش المبسطة باعتبارها أنثى مقابل الذكر، وأنما باعتبارها كائن إنساني مشارك في الحياة مع كائن أخر يسعى وإياها إلى المزيد من التشريعات والقوانين المنصفة لكافة فئات المجتمع. وبغض النظر عن اختلاف الأجناس والقوميات والفئات الاجتماعية خاصة أن المجتمعات الأوربية لاتعاني من مورث الأعراف والقيم الاجتماعية، المُؤسرة لذهنية فئات المجتمع في الحط من إحدى مكوناته الأساس.
كما أنها أسقطت من ذهنها الخصائص والاختلافات الجنسية وأصبحت تتصرف من وعي جنسها باعتبارها مكون اجتماعي لايقل أهمية عن الآخر، ولايشعر بالدونية تجاه الآخر من حيث الجنس أو العمل أو العلم لخدمة المجتمع.
وهذا الأمر منحها المزيد من الثقة بالنفس في المطالبة بعلاقات إنسانية متكاملة مع الآخر. ومع الزمن تلاشت الكثير من المفردات المطلبية الفضفاضة من خطابها وسعت مع الآخرين لانتزاع الحقوق من المجتمع ليس لذاتها فقط وأنما لسائر فئات المجتمع.
تعتقد ((إملي نصر الله))"أن المرأة الأوربية وصلت إلى محو الحدود بينها وبين الرجل، وأن كل واحد منهما يحمل خصائص جنسه ويحتفظ بها لنفسه. أما الذي يربطه بالآخر، فهو علاقة إنسانية متكاملة، إنها نسيت قضية المطالبة بالمساواة بل دفنتها منذ سنين بعيدة بعدما زال التحدي وتلاشت التفرقة الجنسية بين المرأة والرجل".
إن التعويل على خطاب نخب المجتمع في التصدي للمورث الذي ينال من استحقاقات كائن إنساني في المجتمع، يجب أن لاينهل من المورث مفرداته وأنما يرتقي بالمستوى والمفردات إلى ثقافة إنسانية جديدة بعيداً عن التبسيط والسذاجة لتفسير مسببات الصراع الذي يحجمه إلى درجة تقزيم الأهداف والغايات الأساس التي لاتتناسب وسُبل النضال المعتمدة لانتزاع الحقوق.
إن إشكالية الخطاب النسوي في المجتمعات المتخلفة، ينهل من الخطاب السياسي العام الذي يهيمن عليه (في الغالب الأعم) ثلة من الأميين والجهلة ومدعي الثقافة الساعين أبداً لتحقيق مصالحهم وعلى حساب مصالح المجتمع. وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً وللوقت الراهن، اتسعت الهوة أكثر بين خطاب الادعاء الفارغ للسياسيين وموجبات الخطاب الواقعي الذي يتوجب أن ينأى بنفسه عن الخطاب السياسي الساذج!.
تناقش ((سحر خلفية)) مع ذاتها واقعها قائلةً:"أنت نفسك، لاتتمنين أن تكوني ذكراً لايخاف من مقص الشهر ولا من غشاء البكارة، ولا من الوقاحة والقتل! لاتضحكي ألا تتمنين أن يدللوك ويخدموك ويجعلوك الحارس والمحروس ويضيئوا لك الشموع والمبخرة ويرقوك من عين الحسود".
تقع لغة ومفردات الخطاب النسوي الواعي على عاتق النخب النسوية العلمية والثقافية الشاغلة لمواقع مرموقة التي يفتخر بمساهمتها المجتمع والمغيبات قسراً عن واجهات التمثيل النسوي في المنتديات العالمية لصالح خطاب وتمثيل نسوي هزيل لايعبر عن حقيقية الواقع للنخب النسوية الحقة في المجتمع!.