نحو فهم أعمق لأدوار للأمومة



سعاد الحياني
2017 / 1 / 10

إن أهم ما يميز المرأة كجنس هو الأمومة. فهي مكون أصيل في كل أنثى .الأمومة بقدرتها اللامتناهية على العطاء. على احتضان الآخر سواء كان بشرا أو شيئا .هي قدرة المرأة -وليس شرطا أن تكون أما- على الاهتمام بما هو خارج ذاتها دون ترقب مقابل منه. القدرة على زرع الحب في محيطها و على جعل كل ما هو خارج ذاتها يأخذ نفس قيمة و أهمية الذات. هي فهم عميق لطبيعة الكون و علاقاته ،فهم عميق لالتصاق كل ذات بباقي الذوات ولالتصاق الإنسان بباقي الكائنات الحية ثم لالتصاق هذه الأخيرة بالماء والحجر والشجر و بباقي مكونات الطبيعة .. إنه الفهم العميق لوحدة المسار و المصير مع الأم الكبرى.:الأرض. إنه الفهم العميق لحقيقتنا لما يجب أن نكون عليه. أو أن الأمومة ربما هي تلك الخريطة التي تركتها لنا الطبيعة داخلنا لنتبعها حتى لا نتوه عن الطريق. اهتمام الأم بالتفاصيل ليس عبثا أو عملا لا جدوى منه .فالحياة في مجملها تعتمد على التفاصيل ،قوانين الطبيعة تتأسس على تفاصيل قد تبدو تافهة وبلا أهمية. ذلك الإهتمام الذي يبدو مبالغا فيه بالطفل والأشياء أيضا -خاصة كل الأشياء التي لها علاقة بالطفل-هي في العمق اهتمام بكل ما يمكنه أن يحافظ على حياته و يحسنها و يمنع كل خطر عنها.هي تفريش حكيم لمحيط الطفل وتدليل لكل العقبات أمام وجوده. وغالبا ما لا تتسامح الأمهات مع أي اهمال قد يطال محيط الطفل و التفاصيل التي تؤثته. في الواقع والعمق فإن الامهات مؤهلات للحفاظ و الإهتمام بالتفاصيل التي تؤثت الطبيعة / الأرض ككل لكن أفق الأمومةضاق و تخرب بفعل التغيرات التي لحقت المجتمع الانساني منذ دخوله عهد الأبوية و منذ اعتماده قوانين واعراف الملكية الخاصة.
الأمومة ليست دلالة ضعف كما يصور الكثيرون ،ليست قيدا يمنع المرأة من تطوير ذاتها ويحصرها في توافه الأمور . بل هي معطى طبيعي يكفل استمرار الحياة لكنه لايقف أبدا عند هذا الحد بل هو معطى كفيل بإنقاذ الحياة حين تصل إلى مرحلة الخطر و التهديد . للأسف فإن الأمومة لحقها التخريب كما لحق الجوهر الانساني كله.انتقلت الأمومة من شموليتها من ارتباطاتها الكبيرة إلى الانحصار في مجال ضيق .انتقلت من المحبة الشاملة إلى الأنانية الضيقة .تم تقييد الأمومة لتنحصر داخل أسوار أسرة وبيت ولتجعل مصلحة هذا الجزء الصغير والباهت من الكون أقصى اهتماماتها و بهذا تعرضت الأمومة لنوع هائل من البتر و الحصر و التقييد وتحولت من معطى جامع يوحد إلى معطى يشتت و انتقلت من منطق المحبة و الإشتراك إلى وسيلة للتنافس و الإقصاء. .تحولت من وسيلة لحماية الحياة/الأرض إلى وسيلة لاستهلاكهما. تحولت من وسيلة لاحتضان /حماية الكل الى وسيلة لحماية الجزء ضد الكل.الأمومة هي ذلك الكائن الكبير والشاسع الذي تم ترويضه ليتوافق مع فلسفة الملكية الخاصة المبنية على الجشع و الاستغلال و التخريب حين ربطت الأم بالسطح والشكل والمظهر وابعدت قسرا عن دورها العميق البناء و الإنتاجي .و أصبحت آلة للتفريخ واعادة الانتاج الثقافي العقيم. حين وقفت الأم ضد نفسها وضد جوهرها لصالح ثقافة الاستغلال الذكورية . اليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج العالم لأعادة اكتشاف
أدوار الأمومة العميقة. واعادة الإعتبار لشموليتها لتمسح بيد الحنو على الأرض المخربة والانسان المستلب لترجع التوافق الطبيعي بين الاشياء وتعيد ترتيب أولويات الحياة .كل أم هي طاقة تستنزف حين تحصر وتهمش وتترك للغرق البطيء في توافه الحياة والروتين البليد .كل أم تستنزف تصبح شرخا ينضاف إلى تلك الهاوية التي تتجمع لتبتلعنا ارضا وانسانا.