نار تحت البرقع



محمد شودان
2017 / 1 / 12

نار تحت البرقع
تأتي هذه المقالة في سياق الجدل الدائر حول القرار الذي سطرته السلطات المغربية والمتعلق بمنع خياطة البرقع واللباس الشرعي القادم من الثقافة الشرقية. وقد أنتج القرار شرخا في رأي الشارع المغربي، ذلك الشرخ الذي يترجمه تنوع وتناقض التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، والحق أن هذا الخلاف ما هو إلا انعكاس لانقسام رأي الشارع في المد الأصولي الوهابي الذي اجتاح البلاد، ومن أهم ما طفا على السطح نجد ثلاثة توجهات:
الأول يرى في القرار انتهاكا للحرية الشخصية وضربا في أصول الدين ومقتضيات الحشمة، وهؤلاء من الأصوليين المتشددين، ويدعون لعصيان القرار.
الثاني رحب بالقرار، ورأى أن البرقع وما إليه أشياء دخيلة لا تمت للثقافة المغربية بصلة، واقترحوا بديلا عنه "الحايك" و"الملحف" و"تادغارت" وغيرها من الألبسة التي "تستر" وجه المرأة، بل ومنهم من رأى بأن المرأة يكفيها أن ترتدي جلبابا فضفاضا وتسفر عن وجهها، وهذه البدائل موجودة في الموروث الشعبي المغربي القديم.
الثالث نظر إلى القرار بإيجابية ورأى أن من حق المرأة أن تتحرر من ذلك الغلاف الذي يحجب عليها الأكسيجين، وقد تبنت هذا الاتجاه ثلة قليلة من الشباب المنفتح.
بدءا لا بد من التأكيد على أن للمرأة الحق في اختيار وارتداء اللباس الذي يوافقها ويناسب ذوقها وشخصيتها، وهذا يدخل ضمن احترام الحريات الشخصية، ومن هنا يحق للمرأة إن اختارت بإرادتها أن ترتدي خمارها وتغطي وجهها، وذلك يدخل أيضا من باب حرية الاعتقاد والتفكير. ولكن الحرية الشخصية التي تضمن هذا الحق لا تقوم دون وجهها الآخر، إذ إنه لا يمكن فصل الحرية عن المسؤولية، والمسؤولية قد تتداخل مع مفاهيم أخرى كالصالح العام والأمن القومي، والتوجه المجتمعي العام، وهنا يبرز المشكل الأول، وذلك أن البرقع ليس لباسا بريئا، لأنه ينبع من خلفية متشددة، خلفية تحتقر المرأة وترى أن ملامحها ومحاسنها عورة وخالقة للفتنة يجب حجبها، وهذا يتعارض مع حقوق الإنسان لأنه يحتقر نصف المجتمع ويترجم النظرة الذكورية القديمة من جهة، ويهدد الأمن من جهة أخرى، لأن الأسر التي تلزم بناتها ونساءها بهذا اللباس، تغترف من الفكر الجهادي الذي يتبنى التخريب والإرهاب، وقد أثبت الواقع صحة ذلك.
يشكل البرقع استثناء في الحريات الشخصية لأن ارتداءه لا يمثل بالضرورة تصرفا حرا من قبل المرأة في جسدها ونفسها، فأغلبهن يرتدينه تحت قوة قاهرة، قوة الترهيب والقسر، قسر عائلي أسري، إذ تلزم الأسر المتشددة نساءها بهذا اللباس، أو قسر ديني/اجتماعي، إذ يعمد مؤولو النص الديني إلى ترهيب المرأة بوعيد الله وعقابه، وسوط الجلاد إن تطلب الأمر كما هو الحال في الدول المتشددة، كالسعودية وإيران.
إن مشكلة البرقع بشكل خاص أنه لا يمثل لا الهوية الثقافية لمجتمعنا المغربي، وأنه يعد إقصاء لمن يشكل نصف المجتمع ويربي نصفه الآخر، ولا يستطيع حتى ضمان إجماع رجال الدين عليه، إنما يشكل البرقع تجليا لفكر آن له أن يزول، فكر ظلامي لا يرى أن اللباس حرية شخصية، بل يرى فيه واجبا، وبالتالي لا ينظر إلى البرقع نفسه كاختيار بل كإلزام، والأخطر من ذلك كهوية، وبذلك يعمل على خلق جزر معزولة من داخل النسيج الاجتماعي، جزر لا تفكر بإمكانية الاندماج بل الاحتواء، ومتى استقوت فلسفتهم فسيرفضون أي لباس آخر.

محمد شودان ــ المغرب