تحرير المرأة التنوير أية علاقة؟.....3



محمد الحنفي
2017 / 1 / 12

الإهداء إلى:

ـ الأستاذة الفاضلة: خديجة كرومي.
ـ السيد مدير ثانوية السلام التأهيلية.
ـ تلميذات وتلاميذ ثانوية السلام التأهيلية.
ـ من أجل التمرس على تحرير المرأة.
ـ من أجل المساهمة في تنوير عقول الناشئة.
ـ من أجل تكريم الإنسان فينا وفي واقع متخلف.

محمد الحنفي

وانطلاقا من هذه الرؤيا، التي تشمل المستوى النظري / الفكري، والمستوى الحقوقي، والمستوى النسائي، والمستوى السياسي، نعود إلى طرح السؤال الجوهري:

ما المراد بالتنوير؟

وما المراد بتحرير المرأة؟

ودون الرجوع إلى ما كتب في هذا الإطار، فإن مفهوم التنوير على مستوى الاشتقاق، مأخوذ من نور{بتشديد الواو} ينور{بتشديد الواو} وهو فعل متعدي، نور المكان، إذا أشاع فيه النور، حتى يزول الظلام، الذي كان شائعا فيه.

والتنوير، نقيض التظليم، المأخوذ من ظلم{بتشديد اللام} يظلم{بتشديد اللام} إذا أشاع الظلام في مكان معين.

والتنوير في معناه الحقيقي، كما رأينا، إشاعة النور في مكان معين، وإزالة الظلام منه، حتى نتعرف على كافة محتوياته المادية، المدركة بواسطة العين، من أجل أن نقرر في مصيرها، أو من أجل إعادة ترتيبها، أو تطويرها، حتى تبقى صالحة في الزمان، والمكان.

والتنوير بمعناه المجازي، إشاعة الأفكار، التي تشيع النور، في العقول الظلامية، من أجل إزاحة الظلام عنها، وجعلها ترى برؤيا تنويرية، تساهم في إزاحة الظلام من طريقها، حتى تخضع لإرادة العقل المتنور أصلا، حتى يتمكن الجميع من الانخراط في إنتاج الأفكار التنويرية، وفي نفس الوقت، محاربة الأفكار التظليمية، من أجل إزاحتها من ساحة الفكر، باعتبارها منتوجا غير صالح لإنتاج إنسان جديد، متقدم، ومتطور، وحامل للفكر المتنور، ومساهم في الفكر، والممارسة المتنورتين، وعامل على تطوير الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، على جميع المستويات، وممكنا المجتمع من تحقيق الحرية، والديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعدالة الاجتماعية، التي تضمن التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

وبالإضافة إلى ما ذكرنا، نجد أن التنوير يقف وراء تطوير المجتمع، في جميع المجالات، مما يترتب عنه تطوير المؤسسات الدولتية: التشريعية، والتنفيذية، والقطاعية، بالإضافة إلى تطوير مفهوم الدولة، باستمرار، من خلال تطوير جميع مؤسساتها، وقوانينها، وبرامجها المختلفة، وخاصة: التعليمية، والإعلامية، التي تضمن إشاعة التنوير بين الأجيال المتعاقبة، والتي تتحمل مسؤولية التطوير، وإنضا شروط التطور، والتقدم، في جميع المجالات، وعلى مدى عمر الإنسان، وعلى مدى استمرار المجتمع، واستمرار تطوير بنيات الدولة.

وعلى عكس التنوير، نجد مفهوم التظليم، الذي يبث الظلام في العقول، عن طريق ترويج الفكر الظلامي، الذي ينتجه الظلاميون، انطلاقا من أدلجتهم للدين الإسلامي، وتحريفهم له، عن طريق تأويل النصوص المختلفة للدين الإسلامي، الذي يتحول إلى تأويلات لنصوصه، التي تقف وراء إشاعة الإسلام المحرف، عن طريق التظليم المستمر، لجعل المستهدفين، عاجزين، حتى عن فهم الدين الإسلامي، وعن فهم الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعن إدراك ما يجب عمله، من أجل تطوير الواقع، مما يجعله يفعل الفكر الظلامي الشائع، متخلفا باستمرار، وعن قبول كافة الأعمال غير المشروعة، من أجل القيام بها، والانخراط في عملية تكفير الآخر، مما لا علاقة له إلا بإفساد عقيدة الدين الإسلامي، وإفساد العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تفرض العلاقات المختلفة، التي صارت فاسدة في خدمة الظلامية، إلى أقصى الحدود، حتى تصير الظلامية مسيطرة على مراكز القرار، وممارسة للاستبداد القائم، ما دام يخدمها، أو عاملة على فرض استبداد بديل، باسم بناء الدولة الإسلامية، التي تلتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية.

ومعلوم أن الفعل الظلامي المتخلف، هو الذي يستلزم العمل على إشاعة التنوير في الواقع، من أجل تحريره من أسر الظلامية، بما في ذلك تحرير المرأة من اسر الاستغلال المزدوج، الذي يحيلنا إلى مفهوم تحرير المرأة.

وعندما يتعلق الأمر بتحرير المرأة، فإن هذا المفهوم يقتضي تجاوز مجموعة من المسلمات، التي لا زال يتداولها الفكر، على أنها مساهمة فعالة في اتجاه تحرير المرأة:

المسلمة الأولى: أن الأديان، بما فيها الدين الإسلامي، تعمل على تحرير المرأة، مع العلم أن كل ما جاءت به الأديان المرتبطة بالمرحلة الأبيسية، يكرس دونية المرأة، التي تعتبر دونيتها قبولا، وتكريسا للاستغلال المزدوج، الممارس عليها، منذ ظهور الأديان، وإلى يومنا هذا.

المسلمة الثانية: أن الثورة البورجوازية، حررت المرأة، وأن تحريرها استهدف مجمل حياتها، في الوقت الذي نجد: أن تحرير النظام الرأسمالي البورجوازي، لا يتجاوز خلق الشروط المناسبة، لتسليع المرأة، كما يتم تسليع الرجل كعامل، وكمستخدم، يصير في خدمة النظام الرأسمالي / التبعي، أو النظام الرأسمالي العالمي، بطريقة، أو بأخرى.

فالدين، أي دين، مهما كان، لا يمكن إلا أن يكرس دونية المرأة، ولا يمكن أبدا أن يعمل على تحريرها من الدونية.

والنظام الاستغلالي، أي نظام استغلالي، لا يمكن إلا أن يفسح المجال أمام الاستغلال المزدوج للمرأة.