المرأة في يومها العالمي :



فلورنس غزلان
2017 / 3 / 7

ا

عن أي النساء نتحدث؟ مادامت المرأة في بلادي تعاني أهوالاً لايمكن لعقل أن يستوعب قدراتها على البقاء حية متمسكة بالحياة ، تبحث عن بصيص أمل يجعل من حياتها طبيعية غير مهددة في كل لحظة ، المرأة في بلدي تعيش بالصدفة ، ومازالت ترضخ لقوانين عفا عليها الزمن ، تعيش حرباً تتخذ منها وقوداً وضحية، بل وسيلة للضغط والإكراه ، كما تسلبها كل ماتملك وما تحب ...من زوج وابن وبيت ، تحولها إلى أب وترمي على كاهلها مسؤولية أسرة ...
كنا في السابق نرفع الصوت لإنصافها من القوانين، التي تستلب كينونتها في المجتمع وتحرمها من حقها في حياة عزيزة ,,مساوية للرجل في العمل والحياة الاجتماعية و السياسية، والأهم التمييز الذي يمارس عليها في قوانين الأحوال الشخصية وقانون العقوبات ...التي تميز بين الرجل والمرأة في مجتمع ذكوري طاغِ ومسيطر على مفاتيح القانون والعدالة ...ناهيك عن دوره في عادات وتقاليد تخلط بين الدين وماهو متعارف عليه من تقاليد ...تساهم جميعها في استلاب المرأة ..وتشييئها ودونيتها. وكل ما يزعمون أنه مكتسبات نسوية ، ماهو إلا لذرالرماد في العيون وعبارة عن صورة وشكل ديكوري للمشهد العام في ظل حكومات ديكاتورية تسلب المرأة أضعاف ما يتعرض له الرجل من انتهاك لحقوقه ومواطنته و إنسانيته .
جاءت الثورة ...وبعد ستة أعوام من مخاض لم يولد عنه إلا الألم والحزن ومزيد من التشظي المجتمعي والتدهور المعاشي ، واللجوء ...يرادفه تدويل القضية السورية لدرجة أن أي حل في الأفق لن يتم إن لم يترافق مع توافق على نفوذ للدول المتدخلة في وضع معقد، بل ازداد تعقيداً بفضل هذه التدخلات...وبانتظار هذا الحل الدولي ..تقبع المرأة في كهف آلامها تلملم جراحها ..لتنجو مع أطفالها من الجوع، والموت المتربص بها حتى في بلاد اللجوء ...فأي كرامة للاجيء أو لاجئة، وأي قدرة لامرأة هربت من قذيفة لتواجه بقذائف المساومة على كرامتها وشرفها وعلى حياة أبنائها من أجل لقمة عيش ، ولو تجرأت وخاضت ــ ككثيرمن نسائنا ــ..دورا مشرفاً في الثورة فعليها مواجهة القمع والسجن والتعذيب والتغييب والأصعب منه ...الاغتصاب.
في مثل هذه الظروف يصبح الحديث عن حقوق وقوانين للمرأة ...نوع من القفز على واقع لا دور للمواطن فيه إلا أن يكون مقاتلا ، أو لاجئاَ أو سجيناً ، أو قتيلا ، أو ينتظر مع المنتظرين ممن لاصوت لهم ، لأننا أصلا بلا وطن ، بلا حكومة ...تعيش فيها المرأة ظروفاً ــ نتمنى أن تكون استثنائية ومرحلية ــ، يمكننا الحديث عنها حين يستتب الأمر ويصبح الأمل في الخلاص قاب قوسين منا...سنناضل حينها ليكون للمرأة صوتها ومكانها في وضع دستور للبلاد ينصفها ويرفع من منسوب دورها ومساهمتها في بناء الوطن من جديد.
ففي سوريا تخضع المرأة لسياط متنوعة تختلف حسب المنطقة والمكان ، الذي تتواجد فيه قبل أو بعد الثورة، في داخل البلاد كمُهجَّرة أو خارج البلاد كلاجئة ، تخضع لسلطة النظام أم لسلطة داعش، تحكمها محاكم شرعية هنا وهناك أم إدارات ومحاكم صورية تسيربعصا السلطة وتشبيح أزلامها..في ظل هذا التنوع من محاكم العسف ..تلوذ المرأة في قفص الثياب ...التي تلف جسدها ووجهها ..تخفي فقرها وعوزها أو تداري قانوناً يشيطنها، أو تُساوَم على جسدها لإلقاء القبض على ابن أو زوج..أو تستغل كجسد حين تقع في قبضة طغاة أو تجار رقيق لايرون فيها إلا موضوعاً لإشباع حيوانيتهم...
كم من القصص سنروي؟ لن تتسع المجلات والمواقع والكتب لآلامنا ، وستظل السنين القادمة حافلة ومحملة بغصات النساء والأطفال، الذين ضيعتهم الحرب ،هرست إنسانيتهم وقضت على مستقبلهم ...سنجد أنفسنا أمام قِيَم جديدة ، ونُظُم مختلفة، وأجيال تعرفت عن كثب على العنف وعاشته ...فغدا جزءاً من ثقافتها ، تعاركت مع الموت ، فإما هزمها أو هزمته...
يوم المرأة العالمي يدفعنا مرغمين لتذكر "يوم البعث " الذي أدخل العسكر على حياتنا وأنموذج من ديكتاتورية عائلية سلطانية ملكية ..لاترى في الشعب إلا رعايا وعبيد ..يوم المرأة السورية يكون ويتكرس حين تتحرر سوريا من أغلال الأسرة الأسدية والداعشية ...وكلاهما صنوان..سيكون للمرأة السورية ميلادها ..حين تقف بساحة المرجة رافعة علم الحرية ...مساهمة عن كفاءة وجدارة بوطن حر ديمقراطي ينصف المواطن والمواطنة...دون تمييز للون أو جنس أو مذهب.
إلى كل امرأة سورية في خارج البلاد أو داخلها ...إلى المعتقلات السوريات ...إلى القابضات على الجمر من أجل الحياة ...نرفع تحية إعزاز وإكبار ..ولا أشك أن دورك آتٍ لاريب فيه.
فلورنس غزلان ــ باريس 07/03/2017