أريد هذا الرجل



إلهام مانع
2017 / 3 / 9

“أريد هذا الرجل"


لازلت اذكر يديه.
يوم نظرت إلى يديه.
كنت حينها في واشنطن، أكُمل درجة الماجستير بفضل منحة فولبرايت أمريكية. كان هذا قبل نحو ثلاثة وعشرين عاماً.
في سكن طلابي: المنزل الدولي للطلاب/ات.
وكنت رئيسة المجلس الطلابي للسكن.
ولذا كان من الطبيعي أن أتعرف عليه.
طالب سويسري.
أعز صديقة لي، ثيو، عرفتني عليه في الكافتيريا وقت الإفطار.
عرفتني عليه بهذه العبارة: "إلهام هذا توماس، من سويسرا، وقد عاش في اليمن".

عاش في اليمن!
رددت هذه العبارة لنفسي وأنا أنظر إلى يديه، حدقت فيهما وهلة، ورَفعت عيني إلى وجهه، وفي تلك اللحظة تحديداً عرفت انه رجلي.
لم يداخلني الشك لحظة.
رَجُلي.

لم يكن حباً من أول لحظة. رغم أنه كان ولا زال حب حياتي.
بل ثقة من أول لحظة.
وثقت به.
ولم اعرف رجلاً وثقت به دون تردد، إلا هو.
وثقت به حتى قبل أن أعرفه. أليس ذلك غريباً؟

كنت معه كما أنا.
لا تجميل، لا تزويق.
كما أنا.
رجلٌ يحترمني.
عرفت ذلك في لحظتها.
رجلٌ يحترم المرأة.
وكم من الرجال لدينا يحترمون المرأة؟ فعلأً؟


عاش في اليمن. عمل في الأمم المتحدة هناك.
ثلاث سنوات.
والعجيب أننا اكتشفنا فيما بعد أننا كدنا أن نلتقي ثلاث مرات في صنعاء في تلك الفترة، وفي كل مرة يحدثُ طارئٌ ما يمنع ذلك اللقاء.
وكان ذلك ضروريا.

لأني في تلك الفترة لم اكن مستعدة للارتباط. كنت أريد أن أكمل دراساتي العليا في الخارج. ولم يكن ذاك وقت الارتباط. معه او مع غيره. الدراسة اولا.
كنت أعرف ما أريد.

وهو غادر اليمن بعد ذلك وقرر أن يكمل الماجستير في جامعة يال، ببوسطن.
القدر أو لعلها الصدفة هي التي ارسلته إلى واشنطن، إلى ذلك السكن. في ذلك الصيف. بسبب صديق له في يال. قال له، إذا كنت تبحث عن سكن في واشنطن، عليك بالسكن الدولي للطلاب/ت.
فقرر توماس الذهاب إلى ذلك السكن.

ثم التقينا ذلك الصباح.
في تلك الكافتيريا.
ووقف أمامي ينظر إلي بعينيه الصادقتين.
وعرفت انه رجلي.
ولذا كان قراري واضحاً.
بعد أكثر من لقاء في السكن مع اخرين، لم أتردد.
اتصلت به وسألته إذا كان يرغب في الخروج معي لشرب القهوة. قلت له "أريد أن أتعرف عليك".
واذكر نبرات صوته، مندهشة، مترددة، وسعيدةاً في الوقت ذاته.
ثم رد علي "سأكون سعيداً بذلك.



وخرجنا. معاً.
وبعد ثلاث أشهر قررنا الإرتباط.
ألم أقل لكما أنه رجلي؟
وكان ولازال رجلي.
في الحلوة والمرة.
وفي الصحة … وفي المرض.


لماذا اقص عَليكِما، عزيزي القاريء عزيزتي القارئة، هذه القصة الشخصية؟
تذكرتها وأنا أقرأ في بي بي سي مبادرة الصحفية المصرية إيمان عبدالمؤمن، "أريد هذا الرجل".
والتي قررت أن تتقدم لرجل أحبته على غير ما تجري العادة لدينا في المجتمعات العربية.
استوحت الفكرة من فيلم عربي قديم عن مسرحية للكاتب توفيق الحكيم، "اريد هذا الرجل".
واحترمت مبادرتها.
تماماً كما احترمت مقدرتها على تقديم الفكرة والترويج لها.
الرجل الذي سألته رد عليها بأنه مرتبط.
ولم تجد هي في ذلك ما يضير.
عندما تثق المرأة في نفسها، تدرك أنها قادرة على اختيار شريك حياتها، تماماً كما الرجل. وأن عليها أن تتوقع الرفض، تماماً كالرجل.
أبتسمت وأنا أقرأ عن مبادرتها، وأستمع إليها في التقرير التلفزيوني القصير لبي بي سي.
وتذكرت موقفي وأنا استمع إليها.

لم يكن توماس أول رجل في حياتي، تعرفت قبله على محامي ألماني.
ولم أثق به.
لكن توماس كان أول رجل اجتمع عليه قلبي وعقلي. معاً.
تلك اللحظة التي تنفست فيها الصعداء وأنا أحدق في يديه ثم وجهه جعلتني ادرك اني اخيراً وجدت من أريد.
وكان هو ما أريد.