لا تُحلّ المشكلات الاجتماعية بإشكاليات أعقد تعدد الزوجات أنموذجاً



إيمان أحمد ونوس
2017 / 4 / 4

لا تُحلّ المشكلات الاجتماعية بإشكاليات أعقد
تعدد الزوجات أنموذجاً

بديهي أن ترفع الحروب نسبة الإناث إلى الذكور لأسباب متعددة أهمها المُشاركة في العمليات العسكرية وما يتبعها. وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع نسب الأرامل والعوانس بشكل لافت، ما قد يخلق إشكاليات مادية ومعنوية بالنسبة للنساء والفتيات، لاسيما في البيئات المحافظة والتي تنخفض فيها نسب تعليم الفتيات أو عملهن خارج البيت.
وطبعاً هو ذا حال المجتمع السوري عموماً، غير أن تأخّر الزواج(العنوسة) كان قد ظهر منذ ما قبل الحرب الحالية لأسباب عامة أو خاصة:
أسباب عامة: ذات صلة بالمفاهيم المجتمعية التقليدية التي تُغالي بالمهور ومتطلبات الزواج الخيالية في ظلّ أوضاع اقتصادية متردية أبعدت الشباب عن التفكير في الزواج لعدم توافر الإمكانات المطلوبة بسبب البطالة من جهة، والغلاء الفاحش الذي اغتال أحلام الشباب وطموحاتهم فدفعهم إمّا إلى الهجرة والزواج بأجنبية أقلُّ تطلباً، وإمّا إلى رفض الزواج بالمطلق. كما أن بعض البيئات المنفتحة قد ارتفع فيها سن الزواج للفتيات إلى(25- 30 سنة) دون النظر إلى الحالة على أنها تندرج في خانة العنوسة تلك التسمية الخالية من الإنسانية، والتي يُفترض أن تُستبدل بمصطلح تأخّر الزواج.
أسباب خاصة: متعلّقة بالفتاة نفسها، إذ ارتقت غالبية الفتيات، وخاصة المتعلمات والعاملات منهن إلى مفاهيم أسمى عن الشخصية وتطويرها واستقلاليتها المادية والمعنوية، مما قلّص لديهن مساحة ربط المستقبل والأمان والحماية بالرجل فقط، بل تجاوزه إلى تحصيل مستويات أعلى سواء في التعليم أو العمل، إضافة إلى انشغال بعضهن بالنشاطات المجتمعية- المدنية الساعية إلى تطوير الفرد والمجتمع، ما جعل فكرة الزواج غير شرطية بالنسبة لهن.
ولا أعتقد أن الوضع الخاص بأولئك الفتيات قد اختلف بعد الحرب عمّا كان قبلها، غير أن الوضع بالتأكيد مختلف في البيئات المحافظة، والتي هي أساساً تُعِدُّ الفتاة منذ طفولتها المُبكّرة لكي تكون زوجة وأمّاً فقط، وبالتالي لا تجد الفتيات أو الأرامل في هذه البيئات ملاذاً لهن سوى بالزواج بحكم عطالتهن الذهنية وبطالتهن العملية، وهذا ما سيقود حتماً إلى انتشار ظاهرة تعدد الزوجات في تلك المجتمعات والبيئات، وخاصة زواج الكهول من قاصر أو صغيرة السن بالنسبة له، ما سينتج عنه بالتأكيد إشكاليات مجتمعية خطيرة سواء بالنسبة للمرأة أو الأطفال، أهمها ارتفاع نسب الطلاق المرتفعة أصلاً بعد الحرب حسب تصريح القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، وكذلك نسب التسرّب المدرسي والتسوّل وعمالة الأطفال إن لم يكن بمقدور الزوج تأمين متطلبات أسرتين( بالتأكيد) في وقت ترتفع فيه البطالة، ويسود غلاء متوحّش طال حتى لقمة الخبز.
هنا بالتأكيد، ستُضاف إلى المشاكل الاجتماعية المعروفة إشكاليات مريرة تُعيق النهوض مجدداً من تحت ركام حرب خرّبت الإنسان قبل وأكثر من أيّ شيء آخر. وهذا يتطلب من الدولة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني البحث عن حلول علمية عقلانية ناجعة تمتص كل رواسب وآثار الحرب( مادية، معنوية، نفسية... الخ) بالتعاون مع مراكز الأبحاث الاجتماعية والسكانية التي تُحدد الحالات وتوّصفها، وتضع الخطط الزمنية اللازمة لتجاوز كلٌّ منها حسب شدّتها وخطورتها على الفرد والمجتمع معاً.
وانطلاقاً من هذا، فإن الحلول البسيطة والارتجالية المُعتَمِدْ بعضها على ذهنية مجتمعية متخلفة، أو استغلال تشريعات غير مناسبة لوضع استثنائي بالمطلق كوضع المجتمع السوري، لا يمكنها بأي حال من الأحوال إلاّ أن تُعزز التخلّف، بل وتُضيف مشاكل أكثر قسوة ومرارة من تلك المُراد حلّها. وهذا ما ينطبق باعتقادي على ما اجترحه القاضي الشرعي الأول بدمشق من حلّ لمشكلة العنوسة أو الأرامل جرّاء الحرب، ألا وهو تعدد الزوجات، والذي قد لا يُرضي معظم النساء السوريات أو ربما جميعهن حسب ما أفاد سيادته لصحيفة تشرين مؤخّراً، مُعترفاً بالتساهل في شروط هذا الزواج، وإبقاء التشديد على الزواج من ثالثة..!!! وهذا التساهل يتضمن شروط الكفاءة وقدرة الزوج اقتصادياً للإنفاق على أسرتين، إضافة إلى مُبرر أو مُسوّغ شرعي( مرض، عقم.. الخ) وبعد كل هذا التساهل يضع القاضي ذاته شرط ألاّ يؤثر في حقوق الزوجة الأولى أو يؤدي إلى طلاقها وتشريد الأولاد...!!! وبذات الوقت كان قد أفاد بأنه تمّ إجراء إحصائية حول عدد النساء اللواتي يقبلن أن يتزوج أزواجهن بأخرى وكانت النتيجة أن 80% منهن ترفض هذا. ثم أجريت إحصائية ثانية في سورية حول من تقبل من النساء الزواج من رجل متزوج فكانت النتيجة 80% ترضى الزواج من متزوج بأخرى..!! مُستشهداً بما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حين زادت نسبة الفتيات إلى الشباب، ففكّروا بحل هذه المشكلة التي لها آثار على المجتمع، ومن هنا تمّ طرح فكرة الزواج الثاني بعد أن كان يُعدُّ عندهم بمثابة جريمة، وتأييداً لهذه الفكرة فقد خرجت مظاهرة نسائية حينذاك تطالب بإقرار الزواج من امرأة ثانية للتخلص من العنوسة في المانيا..!!!؟؟
وأضاف: قبل الأزمة كان هناك استهجان لفكرة الزواج من امرأة ثانية في كثير من البيئات، ومُطالبة بتعديل القانون، لكن هذه الصيحات صمتت خلال الأزمة، لأنها وجدت أنه ليس هناك من حلول إلاّ بالزواج من أخرى..!!؟؟
هل من منطق عملي في ما طرحه سيادة القاضي الشرعي..؟ أليس هذا مقدمة لمشاكل خطيرة تزيد من خلخلة كيان الأسرة والمجتمع، ويكون الخاسر الأول والأكبر هو المرأة والطفل معاً...؟؟؟
فبشأن الاستشهاد بالوضع الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، كان الأولى والأجدر بالقاضي أن يستشهد بما يدفع المجتمع واقتصاده إلى الأمام، وبأن نساء ألمانيا هنّ اللواتي ساهمن بشكل كبير وواسع بإعادة إعمارها وتدوير عجلة المعامل والأنشطة الاقتصادية الأخرى، وأن يدعو النساء في سوريا للمساهمة في نهوض المجتمع من تحت ركام الحرب وويلاتها، بدل أن يدعوهن للقبول بتعدد الزوجات، وبكل ما يعزز تخلف المجتمع.
ثمّ، من أخبر سيادته أن الأصوات التي كانت متعالية سواء في بعض البيئات أو من الناشطات/ ـين والمطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية وبضمنه تعدد الزوجات، قد صمتت اليوم لأنها لم تجد حلاًّ آخر..؟ إن جميع الرافضين لهذا الحل وأشباهه ما زالوا على موقفهم ويسعون لحلول أكثر واقعية وإنسانية تحفظ كرامة وإنسانية المرأة وتُراعي حقوق الطفل كافة، بل وينشطون اليوم أكثر من أيّ وقت مضى باتجاه تعديل جميع القوانين التي تُعزز التمييز والعنف ضدّ المرأة والطفل، ومن أجل سوريا مدنية علمانية تعتمد مبدأ المواطنة والقانون.
وأخيراً، لا يمكن لنا النهوض من مأساة الحرب الحالية في ظلّ مثل هذه الأصوات الداعية إلى تعزيز تخلف المجتمع بجنسيه(الرجل والمرأة)، وإنما بتكاتف جميع الجهود الداعية إلى بناء ذهنية وثقافة الإنسان على مبدأ المواطنة وسيادة القانون في ظل دولة مدنية علمانية تحترم جميع مواطنيها على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم المختلفة والمتنوّعة تنوّعاً يُضفي على المجتمع والحياة الكثير من الرقي إلى مستويات تليق بالمواطن السوري.