مجرم من أربيل يبحث عن رخصة شرف



صبيحة خليل
2017 / 5 / 6

مجرم من أربيل يبحث عن رخصة شرف

مثل ملاكين من عالم الأحلام يدخل العروسان سيدو و أمل قاعة الاحتفال و يوزعان الورود الحمراء على ضيوفهما. بروح مفعمة بالحياة يرقصان، لا شيء يشي ببرود أو عطب. و لا يمض من العمر سوى أشهر ثلاث رغم دعوات المباركين بالعمر المديد. يقتلا سوياً في منزلهما الواقع في إحدى ضواحي مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
لاجئان من الوطن إلى الوطن. لا فرق هنا أو هناك كلها كردستان. عفرين أو هولير. تلك النظرة هي من الناحية النظرية، أما الحقيقة تقول غير ذلك. الغريب المقتلع من جذوره لا قيمة لحياته، كيف إذا كان هذا الغريب لاجئا ؟
الآلاف من الكرد السوريين فروا بعد الحرب السورية إلى إقليم كردستان العراق. و هناك وجد البعض منهم الملاذ و البعض ما زال يشق سبل الحياة بمرارة وقسوة.
و لكن أليس غريباً أن يقتل زوجان بكل هذا الجمال و التآلف الذي ظهر في مقاطع الفيديو بعد ثلاثة أشهر؟ القاتل جار لهم و متطوع في سلك الشرطة. مدججاً بسلاح المهنة. يدخل عليهما متسللاً ساعة الفجر. يرديهما قتيلين بسبع عشرة طلقة. و حتى لا تذهب دماءهم هدراً والد العريس و والدته يتواجدان في المنزل و يفضحان الجريمة و خيوطها التي كانت ستكون أشد تعقيداً لولا وجودهما.
أول ما يتبادر إلى ذهن المتلقي أن ثمة لص اضطر لارتكاب جريمته بعد انكشاف أمره، أو ربما مختل عقلي يشكو أمراضاً نفسية مستعصية. يتوجب الوقوف عليها و إيجاد حلول لها خصوصاً أنه يعمل في سلك الشرطة. الغريب أنه اعترف بجريمته مرفقاً إياها بتهمة اختلاق العلاقة بينه و بين الزوجة (العروس).
يقول بعض السذج والمتعاطفين مع تلك الجرائم أن أحكام الشرف مخففة في القوانين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه. منذ متى يحق لمن كان على علاقة بامرأة أن يقتلها؟! هذا إذا سَلّمنا بالعقوبة المخففة التي تشمل أصول الزوجة و فروعها و ليس شريك العلاقة موضوع الشبهة (العلاقة خارج إطار المؤسسة الزوجية)!!!!
من الواضح أن الشرطي القاتل بتهمته تلك يستهدف عائلة المغدورين و يريد استلاب مواقفهم بالعار الذي يريد تثبيته على الأسرة اللاجئة، التي لا حول لها و لا قوة. على مبدأ قول المتنبي ((فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم)). و الأغرب أن تُخرج شرطة التحقيق هذا الاعتراف المشكوك فيه إلى العلن. الأمر الذي يشي بوضوح أن الرسالة موجهة لذوي الضحيتين كي يقبلا بأي عقوبة مخففة كونهم متهمون بقلة الشرف. من هنا يمكننا الاستنتاج أن مثل هذا التسريب يخفف ضغط الرأي العام و تعاطفه تجاه القضية فتظهر الضحية امرأة باغية جلبت لأسرتها العار و ليس هذا فحسب بل تسببت بمقتل زوجها على يد شريك علاقتها الغير شرعية. و هذا يستدعي بحسب العرف الاجتماعي المتعارف أن يدفن ذويها رأسهم في العار و ويلزموا الصمت.
من جهة أخرى لم تظهر أي صورة للقاتل الشريف إلى الإعلام و لو من باب التعرف عليه. فيما امتلأت وسائل الإعلام بصور الزوجين المغدورين. بل حتى عرسهما صار الأكثر مشاهدة على صفحات التواصل الاجتماعي. هل ثمة أحكام بحماية خصوصية المجرمين عندما يتعلق الأمر بالرأي العام !؟ لا أعلم . كان الأجدر حماية خصوصية العائلة المفجوعة بشبابها و عدم إخراج مزاعم القاتل بالعلاقة المشكوكة. حفاظاً على الحد الأدنى من كرامتهم .
لهذه المزاعم مبرراتها إذا أدركنا أن القانون المعمول به في إقليم كردستان العراق والذي يقضي بإعدام القاتل العمد أو السجن مدى الحياة، بينما عقوبة جرائم الشرف تخفف بالسجن ثلاث سنوات و يمكن أن تكون مع وقف التنفيذ بحسب رأي القاضي الذي يبت في القضية. و هنا مرة أخرى أعيد سؤالي هل يحق لمن كان على علاقة بامرأة أن يقتلها؟! و بدافع الشريف و هو بالأصل شريك في العملية. و إذا كان له الحق كيف يحق له أن يكون شريكاً في عمل مناف للشرف و مقتص له بنفس الوقت!!
وفي تقرير مصور لقناة كردستان 24 تتجول الكاميرا فوق خصوصيات المنزل و تستبيح عويل النسوة الأقارب. مع مقابلات ارتجالية معهن. تقول إحداهن إننا نرفض هذه الإهانة فوق هول الجريمة، أما والدة العريس المفجوعة تظهر عندما تمتد يد إحداهن لترتب لها غطاء رأسها الذي يكشف شيئاً من رقبتها . في حركة تنم عن الخوف من تهمة الشرف التي ستلاحق الأسرة رغم فقدانها لأولادها في تلك الجريمة البشعة.
تسريبات التحقيقات لا تشي بالخير و تظهر المحققين كناطقين رسميين بلسان المجرم. هذا ما بدا لنا كمدافعات عن حقوق المرأة. أتمنى أن يخيب ظننا و يأخذ العدل مجراه الحقيقي في قضية جنائية بحتة يتم حشرها في زوايا اجتماعية مظلمة للنيل من كرامة المرأة الكردية من ناحية. و إظهار هشاشة القضاء من ناحية أخرى.