فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(4).



ماجد الشمري
2017 / 5 / 20

ولانه ليس من فسحة لاحتضان الصداقة،وبناء علاقة انسانية بين الرجل والمرأة.كان من البديهي الذي لايرقى اليه الشك،تلك القناعة المتداولة بين الرجال عن عدم ،بل استحالة قيام صداقة نزيهة من الغرض وطبيعية بين الرجل والمرأة مماثلة لصداقة الرجال فيما بينهم.وكأن الصداقة كما تقول ماري اوديل ميترال:"ابتكار ابتدعه الرجال للسيطرة على خوفهم القديم من المرأة".ويتجلى وهم علاقة الصداقة:كوسيلة-تخريج-ترياق-حيلة:"لابطال مفعول السحر الانثوي الناجم من سلطة المرأة على الحياة وتواطئها مع الطبيعة".وما يترتب على هذا الاساس:"يعني اخضاع المرأة واستعبادها،السيطرة على الطابع الخطر الذي يعزى لدنسها الجوهري والى قوتها الغامضة"!.هذه الصورة الظالمة المظلمة التي اطرت وحشرت فيها المرأة،والتي تقطر بصديد الكراهية والخوف منها كشر مهدد غامض ولكنه مرغوب،ومتعة وتوق،ولكنه مميت!.هذا الكائن:المختلف،الغريب،الخبيث،المنفر،المحبب،والذي لايمكن الوثوق به لغدره،ونياته الملتوية الماكرة.المتهم،بل المدان بكونه مصدرا وعلة وحيدة للخطيئة والسقوط،والشر والشقاء والموت للجنس البشري-الذكوري،الرجال في هذا العالم!.
وسواء أكانت باندورا الاغريقية،ام حواء اليهودية-المسيحية-المسلمة!.تبقى وحدها المسؤولة الوحيدة عن الخطيئة الاصلية وأسها، بفتحها الجرة المقفلة حاوية كل الشرور!.او بأكلها من الشجرة المحرمة وتوريط بعلها بالمشاركة!. لقد جسد الرجل بأنتاجه الديني:براءته الفطرية،وخيره الطبيعي،وتنصل من اقتراف الشر او الذنب لولاها،والقى بحمل اللوم والتمرد والعصيان عليها،فهي الوحيدة التي كانت سببا في عذابه وفشله وفقدانه لفردوس ابيه-خالقه على مثاله!.وهي لاهو:بؤرة الشرور ومصدر العناء والتعب وفقدان الفردوس وضياع آدم وذريته!.فأمام كارثة بهذا الاتساع والهول،فكيف لايحتاط ويعزل بوعي متحسسا من كائن بهذه الخطورة والاغواء والنشوز،وخاصة عندما يسحر الرجل بالجمال وبسمة ربيبة الشيطان؟!.فلا صداقة ابدا بين الرجل والمرأة في النسق الثقافي-الديني-الذكوري كعلاقة اجتماعية-انسانية..
لقد جرى اختزال المرأة وترميزها لمجرد كهف جنسي مشعر،وكمدخل لهاوية الجحيم العميقة والزلقة!.لذا نجد ان الخوف المرضي(الرهاب)ليس ابتداعا مقتصرا على ماانتجته الكنيسة المسيحية ورهبانها المتنسكين بعيدا عن وباء المرأة!.بل هو موروث موجود قبلها وتبنته بعد ان تمثلته وهضمته بسرعة كجزء من نسيجها الاديولوجي،مطورة اياه كمنهج وقاعدة للتربية الدينية والاعتقاد القويم ،ومنجي من ادران وسفالة المرأة وشرورها،مرفوعا كبعبع مخيف طيلة قرون!.(لم تنتج الديانة المحمدية في سرديتها وادبياتها الدينية-الفلسفية-الفقهية شيئا يذكر في مجال فوبيا المرأة،لالانها مصانة الحقوق والتسوية الانسانية العادلة مع الرجل.فهي ايضا مذلة ومهانة ومضطهدة ومستغلة وتحت الوصاية والقوامة.ولاتتميز او تختلف بشيء في وضعها مع بقية الاديان والثقافات حول العالم.ولكن لان ظاهرة الخوف من المرأة اخف،وليست بتلك الحدة والمركزية الطهرية المتشددة كما هي في الديانة وثقافة آباء الكنيسة المسيحية المعادون للمرأة.فالمحمدية-الاسلامية هي ديانة دنيوية-حسية-شبقية(ايروسيه) تحتفي بالجنس والغرائزية،وجسد المرأة حاضرا بطقسية الجماع اليومي الشرعي وغير الشرعي"ملك اليمين"!.فالثقافة-الدينية المسلمة منجذبة لعالم الجسد والارض.وتقوم على اركان الفرج-البطن-الصلاة كثالوث يمزج بين الميل الطبيعي البشري والعبادة!. وهذا ماتوفره المرأة في الاسلام:عبدة المطبخ،وجارية السرير!.وبعد الاشباع-الجنسي-البطني الحيوي بالنسبة للرجل يتجه صوب الصلاة-واجبه الديني ،وقرة عينه،كما وصفها محمد!-فالهاجس المرضي والخشية من المرأة هنا هو اقل منه-ثانويا-وليس كماهو بارز واساسي لدى الكهنوت المسيحي.فالجنس في المسيحية هو تابو ودنس قذر ونجاسة تنتمي للغرائز الابليسية المنحطة،والمعرقلة لتسامي روح الرجل وارتقاءها في مدارج القداسة الالهية!.يمارسه المسيحي من خلال العلاقة الشرعية"الزواج"مضطرا ومكرها،ولسبب وحيد هو انجاب الذرية المسيحية-حسب تعاليم الكنيسة-وليس من اجل المتعة الخالصة،واشباع الرغبة البشرية بممارسة الجنس لذاته!.ومن هنا كان الحرص على تجنب المرأة والخوف منها جزءا رأسيا منهجيا فلسفيا في الثقافة -الدين الكهنوتي الكنسي،لكون المرأة من طبيعة شيطانية محكوم عليها بالسقوط الابدي،لذا يجب ان يحذر منها الرجل المسيحي التقي ويخشاها كطاعون قاتل!)..
ان العداء والخوف من المرأة،والتطرف فيه،والذي جرى تكريسه وصار جزءا ملتحما من البنية الثقافية-الدينية بين مطلع القرن الرابع والقرن السابع عشر لم يكن طارئا او جديدا على الخطاب اللاهوتي-لايعني هذا ان هذا الموقف بزغ فجأة دون خلفية او سوابق-..ولكن هل كان ذلك الخطاب امينا حقا ومطبقا لماجاء في الانجيل ووفيا في حرفية قراءته لمانطق به يسوع؟!.الجواب هو:طبعا..لا!.لاننا نجد ان تعاليم المسيح مغايرة تماما لماجاء في النصوص المدونه،وماورد في الخطاب الرسمي الديني لمحترفي الكهنوت من آباء ورؤوس الكنيسة.وماذكرته سيمون دوبوفوار عن تلك الوصايا:"نفسا من المحبة يشمل النساء كما يشمل المصابين بداء البرص".وكذلك نجد مطلبا او دعوة يمكن اعتبارها ثورية ايضا في الموقف من المرأة-في حينه-فهاهو المسيح يدعو بجهر للمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة،فردا على الفريسيين الذين سألوه:ان كان يحق للرجل ان يطلق زوجته لاي سبب؟.فأجاب المسيح قائلا:"اما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى وقال:من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بأمرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا،اذ ليسا بعد اثنين بل جسدا واحدا".ان موقف المسيح من المرأة كان جديدا وراديكاليا في وقته،ومخالفا جذريا لما كان سائدا في المجتمع اليهودي،بل وغريبا عن الثقافة والاعراف اليهودية المقبولة،لدرجة احراجه وجرحه لتقاليد ومشاعر تلاميذه الحواريين بالذات ذو العقلية الذكورية!.ففي الوقت الذي كان ممنوعا على النسوة اليهوديات المشاركة بأي شكل من الاشكال في اعمال الحاخامات،ومحرم عليهن الدخول للمعبد والصلاة فيه!.كان المسيح يتحدث معهن،بأعتبارهن ذوات بشرية لها كامل الحقوق والكرامة،وخصوصا في حالة تعرضهن للازدراء والاحتقار(السامرية-المرأةالزانية).بل واكثر من ذلك،فقد اشركهن المسيح دون تردد في نشاطه التبشيري-على الاقل خدمة وترويج لبدعته الدينية الجديدة-.ففي انجيل لوقا نقرأ:"على اثر ذلك كان يسير في كل مدينة وقرية-المقصود هو المسيح.م.أ-يكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر وبعض النساء كن شفين من ارواح شريرة وامراض:مريم التي تدعى المجدلية،بوانا امرأة حوزي،وكيل هيرودوس،وسوسنة،وأخريات كثيرات كن يخدمنه من اموالهن".وتتفق الاناجيل الاربعة المعتمدة رسميا:بأن جميع تلاميذه بأستثناء يوحنا قد تركوه يوم موته!.في حين ان النسوة المريدات بقين واقفات عند الصليب حتى اللحظة الاخيرة،وكن الشاهدات الاول على القيامة!..ولكن الكنيسة-المؤسسة لم تقبل بذلك،ووقفت ضده بتزمت ومنذ بداية التأسيس للعقيدة الجديدة،اي منذ أيام القديس بولص تحديدا،الذي ارسى مدامك الصرح الايديولوجي الدوغمائي للديانة الوليدة.لذلك لم تقبل الكنيسة بوضع نظرية المسيح التسووية بين الرجل والمرأة موضع التطبيق،ولا حتى على مستوى الايمان القلبي!.فقد تراجعت،بل انهزمت فكرة المساواة الانسانية بين الجنسين،والتي بشر بها الانجيل امام الصعوبات الواقعية للقيم البطرياركية الذكورية المتوارثة والراسخة،والناجمة عن السياق الثقافي-الحضاري الذي انشرت فيه المسيحية وعمت،ولكن جرى صهرها واحتوائها وافرغت من روحها المتمردة..
العاملان الرئيسيان اللذان لعبا دورا حاسما في مناهضة وابعاد"الدعوة الثورية للمساواة في الكرامة"بين الرجل والمرأة وهي:البنية البطرياركية للمجتمع اليهودي،وايضا الحضارة الاغريقية-الرومانية،وحوض البحر المتوسط،وتقاليدها الثقافية الموغلة بالقدم.والتي كرست عبر الفيثاغورية،مرورا بالافلاطونية،انتهاءا بالرواقية،والتي تؤكد على التسامي والتعالي عن ادران هذا العالم المادي-الدنيوي،واحتقار العمل اليدوي والجنس الذي تجسده المرأة.ولكن يبقى المسؤول الاول عن المواقف المسيحية الصارمة والمتزمتة والغامضة والمزدوجة المعايير من المسألة النسوية هو بلاشك القديس بولص خالق الكنيسة وراعيها!.فقد ساهم بوعي،وبأعتباره فريسيا،وتلميذ فريسي،ومواطنا رومانيا ملتزما في نفس الوقت،في قولبة وضع المرأة المسيحية بموقع التبعية والتهميش والاقصاء في الكنيسة والزواج على حد سواء،فقد وضعها في زنزانة الدين والوصايا والتعاليم المفسرة حسب تأويله وقناعاته!.فقد دعاها ان لاتؤم الصلاة الا وهي مغطاة الرأس!.فقد كتب قائلا:"ولأن الرجل لم يخلق من اجل المرأة بل المرأة من اجل الرجل".وهكذا استمر درب الآلام الذي مشته المرأة عبر تاريخها الطويل.واستغل الموروث المسيحي هذه التوصية -الجندرية القاسية التي جعلت من الرجل غاية خلقت المرأة من اجله لاغير!-بمزايدة وحماس ،وأكد عليها بالصورة الرمزية عن الزواج باتت ركيزة العقيدة القائلة ب:"خضوع المرأة للرجل دون قيد اوشرط"!.وساهمت في تثبيت وضع حضاري-ثقافي قاتم ومناهض تجاه وضد المرأة!....
.............................................................
يتبع في المقال القادم.
وعلى الاخاء نلتقي...