الجنس والحرية



غيورغي فاسيلييف
2017 / 6 / 8

الجنس – موضوع رائع وشائك، سهل وصعب، بسيط ومعقد، نَيِّر ويخلق النور فينا ومن حولنا، والحديث فيه وعنه دائما يصطدم بسور من النفاق والازداواجية.
الجنس – هو ومضة البرق الخاطفة التي تنير الظلام من حول الانسان وتجعله يرى ما حوله في ذلك الظلام. الجنس - للانسان هو كمن يعيش في حفرة أو في وادي، وفجأة يصعد الى قمة جبل يجعله يرنو الى البعيد البعيد ويرى ما حوله بوضوح ويخلق نشوة الحياة.
الجنس – رغبة جامحة من الصعب فهمها، ومن الصعب عصيانها، تنقلنا من الحلم الى تحت الضوء مباشرة، وحين تسيطر علينا يبدو كل شيء آخر غير مهم ابداً.
العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل رغبة جسدية ورغبة روحية. ومتى حدث الانسجام بينهما يمكن الحديث عن وجود علاقة حقيقية وعن حب وتفاهم حقيقيين.
مشكلة المشاكل أن أغلب العلاقات القائمة تبدأ برغبة جسدية ولا تتعداها. إن أي علاقة قائمة على الرغبة الجسدية فقط مصيرها الفشل المحقق إذا لم تخلق مشاعر الأمن والحب والتفاهم والانسجام.
الحرية الجنسية هي جزء من حرية الإنسان الكلية التي تشمل: الحرية السياسية، الحرية الاقتصادية، الحرية الدينية، حرية التعبير والتفكير والاختيار.. الخ
ولذا فمن الغبن والتجني أن نقوم بفصلها عن سائر هذه الحريات بدعوى أنها "فوضى.انحلال خلقي.." أو انها تكريس للجنس.
الحرية الجنسية ليست فوضى خارجة على قوانين المجتمع؛ لانها تنبع من داخل قوانين هذا المجتمع أو ذاك . فالقانون الاجتماعي الذي يمنحك حرية التعبير عن آرائك، سيمنحك حرية التعبير عن عواطفك . والعكس صحيح، فالقوانين التي تسلب حريتك في التعبير عن آرائك، ستسلب حريتك في التعبير عن عواطفك . فأما من الناحية الدينية، فقد كان الدين في الماضي ينظم علاقات البشر فيما بينهم (سلطة دنيوية) ، إلى جانب تنظيمه لعلاقتهم بالرب (سلطة روحية).
اليوم سقطت السلطة الدنيوية للدين، ولم يعد لها تأثير كبير في حياة الناس، لقد حلت القوانين المدنية فيهم محل القوانين الإلهية (وهذه سنة التطور الاجتماعي) إلا في البلدان المتخلفة حيث لاتزال سلطة الدين تهيمن على حياة البشر، وتقودهم فينقادون لها أذلاء طائعين .
ومن هنا فإن رفض الحرية الجنسية لأسباب دينية، بات أمراً بخساً لا معنى له.
إنَّ الدين يبارك تكوين الأسرة بعقد الزواج . والقوانين الاجتماعية الجديدة، تسمح بتكوين الأسرة من دون عقد الزواج. وبما أن الانسان المعاصر حر مخير، فهو إما أن يختار هذا الشكل أو ذاك من أشكال تكوين الأسرة. وهذا كل شئ .
ويجب عدم الخلط بين الحرية الجنسية بالاغتصاب والمحرمات والجرائم الجنسية والفسق والشذوذ فهذه المنكرات ليست من الحرية الجنسية في شئ ، وليست تقترب منها. ويجب عدم خلطها بالأخلاق لأن الأخلاق لا علاقة لها بالحرية الجنسية .
الحرية الجنسية ضرورة من ضرورات عصرنا الذي تسوده الديموقراطية. هذا يعني أن الحرية الجنسية ضرورة من ضرورات الديمقراطية . وأينما توجد ديمقراطية تنتشر الحريات ومنها الحرية الجنسية.
في أوروبا والولايات المتحدة أصبحت الحرية الجنسية واقعاً وسلوكاً واختياراً تحمية القوانين. أما الدول ذات الأنظمة الاستبدادية فإنها تجهل معنى الحرية الجنسية، ولا تحسن التفريق بينها وبين الفجور والانحلال (الفجور والانحلال فيها شائع أكثر مما هو شائع في بلدان ذات أنظمة ديموقراطية) فهي لا تسمح بإقامة علاقة جنسية - عاطفية بين الجنسين ولا حتى بصداقة بريئة ولو كانا من البالغين.
الرفض للمجتمع الشرقي نابع من الرفض للعهر والإباحة الجنسية اللذين لا مثيل لهما باي مجتع بالدنيا مثل المجتمع الشرقي! لا يوجد عهر على وجه الأرض مثل الذي يوجد في ظلّ القمع والترهيب والتخويف. لكن هذا لا يعني بشكلٍ من الأشكال أنه لا عيوب في المجتمعات الغربية (علماً أنّها –رغم عيوبها- تبقى صحيحة معافاة أكثر من الشرقية بمئة مرّة).
الكبت الجنسي كان ولا زال المحرّك الأول للثقافة الجنسية المشوّهة والتي نستطيع تسميتها "الفسق" أو "الإباحية. ان انتشار الثقافة الجنسية السليمة هي التي ترتقي بالجنس إلى درجة الحرية المسؤولة، وترفعه من الحضيض الذي وصل إليه.

2017