المايقوما و صرخة أمل نموذج لضحايا جرائم الشرف في العالم العربي والإسلامي



عبير سويكت
2017 / 6 / 14

المايقوما و صرخة أمل نموذج لضحايا جرائم الشرف في العالم العربي والإسلامي.

عندما يصبح المجتمع التقليدي الرجعي هو الحسيب و الرقيب يولد الخوف، تكثر الجرائم و ينعدم الضمير الإنساني.

بقلم : عبير سويكت


عند حضوري لندوة قضايا المرأة السودانيه بباريس كانت هنالك مداخلة لأحد أبناء مناطق الهامش السودانية قد أثارت إهتمامي لكنها لم تحظ بكثير من إهتمام الحضور لأن النقاش كان سياسيا بالدرجة الأولى أكثر من إجتماعي و مداخلة الشاب كانت تتحدث عن نظرة المجتمع للأطفال المولودين بطريقة غير شرعية حسب عادات وتقاليد المجتمع السوداني، وبالأمس عند إستماعي للفنان السوداني العملاق المرهف جعفر السقيد إحدى أغانيه جذبت إنتباهي بعنوان (صرخة أمل) من كلمات الشاعر أحمد محمد نقد الله، بالإضافة إلى أغنية المايقوما وفي لحظات إستماعي للأغنية تذكرت مداخلة ذاك الشاب في ندوة قضايا المرأه، فأغنية صرخة أمل تحكي قصة واقعية لبنت شابه صغيرة في السن أصيبت بوعكه مرضيه وعند نقلها للمستشفى قام الدكتور بأخبار والدها بأن إبنته حامل وفي هذه اللحظة إنهمرت دموع الأب وما كان منه إلا أن إستل سكينة وقام بطعنها وبعد إكمال التشخيص عاد الدكتور ليخبر الأب أنه هنالك خطأ في التشخيص وأن إبنته ليست حامل ولكن بعد فوات الأوان بعد موت الضحية ومن هنا تتضح لنا معاناة المرأه السودانيه الناتجة عن المفاهيم الخاطئة والعادات والتقاليد الموروثه فالشعب السوداني يخاف من العيب أكثر من الحرام ويقدس العادات والتقاليد ويحرص على تطبيقها أكثر من حرصه علي تطبيق تعاليم الإسلام وفي بعض الأحيان يكون تطبيقه لتعاليم الإسلام بطريقة تنفيذية صارمة من دون الإجتهاد في فهم النص القرآني أو الحديث النبوى الشريف وأغلبية علماء الدين والفقهاء الذين يحاولون الاجتهاد في فهم المعنى حتى لا يطبق الإسلام بصورة صارمة غير عقلانية يتم تكفيرهم ، و هنا أتساءل البنت التي تحمل بطريقة غير شرعية أو الزانيه هل أمر الإسلام بقتلها والتخلص منها ؟و هل هذا التصرف إنساني و عقلاني و عادل؟ حيث نرى أن الشعب السوداني و العربي و الإسلامي بصورة عامة ينظر إلى هذه الشريحة من النساء علي أنهن عار على أسرهم و علي المجتمع من حولهم و حتى الطفل الذي يولد بطريقة غير شرعية لا أدري ما ذنبه؟ لماذا مكانه الطبيعى المايقوما أو الحاضنات الإجتماعية والعزل الغير إنسانى ؟ لماذا يعتبر السودانيين أنفسهم مسؤولون عن تطبيق الشريعة أو حدود الله على كل فرد من أفراد المجتمع؟ إذا كان الشعب السوداني يعتبر أن الزانيه والزاني قد جاءا بفعل شنيع مخالف للدين الإسلامي، هل المجتمع هو من سيقوم بتأديبهما أو إقامة الحد عليهما؟ وإذا كان المجتمع هو من سيتولى أمر معاقبتهما، فإذن الدين والإيمان لم يكنا إعتقاد شخصي بإعتبارهما علاقة بين العبد وربه، إذن هما ليسا علاقه فرديه بل علاقه إجتماعية وهذا فهم غير سليم للإسلام بحيث ان بهذه الطريقة الدين لم يعد علاقة بين العبد وربه وحدهما عندما يصبح المجتمع ثالثهما، فعلى سبيل المثال عندما تنطق الشهادتين تنطقها بفمك انت وحدك ولسانك أنت وعن قناعة شخصية وعندما تقوم بأداء الصلاة هي عملية روحانية تقوم بها لوحدك، إذن المجتمع ليس شريك لك له الحق في التدخل في مسار حياة الآخرين أو سلوكهم أو حريتهم فمن يخطئ سواء كان رجلا أو إمراءة ليس المجتمع بولي أمره بل له رب يراقبه على كل كبيرة وصغيرة ليس بينه وبين الله حجاب إذن الله وحده هو الذى له أحقية الحكم على عباده ومعاقبتهم أو مسامحتهم والعفو عنهم، و اللافت للنظر أن المجتمع السوداني مجتمع تقليدي إنطباعى و يتأثر بشكل كبير بآراء الآخرين ونظراتهم حيث باتت الاغلبيه يخافون الناس أكثر من خوفهم لله نفسه و هذا ما جعل الأب يسارع بقتل إبنته خشية من العار فى الأغنية الواقعية لجعفر السقيد علما بأن الله رحيم بعباده فهو أرحم من الأم علي إبنها وهو غفور رحيم، و دار المايقوما لرعاية الأطفال الغير شرعيين الذين تخلي عنهم أهلهم هي أكبر مثال لانعدام الضمير الناتج عن الخوف من المجتمع الذي يمارس ضغطا نفسيا ومعنويا كبيرا على أفراده بعاداته وتقاليده ومفاهيمه وموروثاته الخاطئة كما قال إحسان عبد القدوس :( إن الخطيئة لا تولد معنا لكن المجتمع هو الذى يدفعنا إليها ) إن الفرد والأسرة بشكل عام غير قادرين على التحرر من هذه المفاهيم والعادات الخاطئه والتطبيق غير الصحيح والسليم لتعاليم الإسلام حتى بات الشاب والشابه يفضل أن يلقى بروح بريئه في خور أو تحت شجرة أو زبالة أحيانا و هكذا يصير هذا الطفل البرئ فريسة تنهشه أنياب الكلاب الضالة كل هذا يحدث خوفاً من المجتمع ونظراته، حتى سلب الخوف من المجتمع هؤلاء الأشخاص الشجاعه وصحيان الضمير، وسلبهم الحريه الشخصية، وبات المجتمع هو المتحكم المسيطر فى حياة الأخرين لذا صار الناس يعملون له ألف حساب فهم يخشونه ولا يخشون الله فنسي الإنسان وجود الله وعدالته ورحمته وغفرانه وبات يبحث عن إرضاء المجتمع الملئ بالكثير من المفاهيم الخاطئة وكما قال المسيح : ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمنى بحجر ) فأن وجود المجتمع كرقيب مع إنعدام محكمة الضمير ليس حل للمشكلة لأن كل ممنوع مرغوب ومن هنا ندعو للعمل على تصحيح العادات والتقاليد الموروثه والمفاهيم الخاطئه وأن الرقيب والحسيب هو الله وليس المجتمع وأن الحلال والحرام من تعاليم الدين والدين علاقه بين العبد وربه وليس العبد وعمه وخاله وجاره وجار جاره ومجتمعه وتغيير المفاهيم هو من أهم عناصر التغيير الاجتماعي الذي يساعد بشكل فعال في أحداث تغير سياسي بفضل التثقيف والتنوير الفكرى والإنسانى والعقلى والأخلاقى والحضارى.
عبير سويكت ناشطة سودانية و كاتبة صحفية
مقيمة بباريس