فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(6).



ماجد الشمري
2017 / 6 / 17

اتسع كم وكيف المدونة الدينية الجائرة بحق المرأة.واخذ الكهنوت الكنسي المناويءللانثى بتقطير سمه النسوي حبرا اسود لكلماته الملتهبة بالكراهية،والنافية لانسانية وذاتية (الجنس الآخر)وتوكيد سفالة ودونية المرأة امام طهر ونقاء وسمو الذكورة!.وكشرت نزعة العداء ورهاب المرأة عن انيابها،وتفاقمت وازدادت حدة،وخاصة بعد مرسوم غراسيانوس الشهير،والذي صدر بمنتصف القرن الثاني عشر.واسفر اعتماده كمصدر رسمي واساسي للقانون الكنسي،والذي جاء فيه:"ان صورة الله ماثلة في الرجل=(آدم)الذي خلق اوحدا وجعل اصلا للكائنات البشرية قاطبة.وقد اعطي من الله السلطة لان يحكم،بوصفه نائبه،لانه على صورة الاله الاوحد،ولهذا السبب لم تخلق المرأة على صورة الرب"!.ويضيف غراسيانوس،متبنيا نص امبروسيوس الزاعم،انه:"ليس من قبيل الصدفة ان لم تجبل المرأة من التراب الذي جبل منه آدم،وانما خرجت من ضلع من اضلاعه..لهذا السبب لم يخلق الله في البدء رجلا وامرأة او رجلين او امرأتين،وانما خلق رجلا،ثم خلق المرأة من الرجل"!.وهكذا بين صوت اسطورة الخلق المدوي وصداه المترامي والممتد،مضت الثقافة الذكورية في وضع الاسس المتينة للهيمنة ، وتوطيدها كمشيئة وقانون لله،وصار الرجال خلفاء الله دون منازع!.لذلك نجد ان القديس توما الاكويني لم يأت بجديد عندما قال في تعاليمه:"ان المرأة خلقت دون الرجل كمالا،وحتى على صعيد النفس بالذات،وانما بطاعة هذا الاخير:"لان الرجل اكثر روية وتعقلا بطبيعة الحال"!.ولكن القديس توما دعم الحجج اللاهوتية في اسطورة التكوين بأسناد معزز من علوم وفلسفة ارسطو.فوجد ان الرجل يلعب دورا ايجابيا وفاعلا في عملية الانجاب.اما المرأة فدورها سلبي ،فهي ليست اكثر من اناء يصب فيه (النسل)ماء الرجل!.هذه الحقيقة العلمية المزعومة التي يخبرنا بها القديس المبجل توما الاكويني:"ان لاوجود الا لجنس واحد،وهو الجنس المذكر لاغير،وما المرأة سوى ذكر ناقص!. -جسدتها الصيغة التحليلية لفرويد:ذكر مخصي-بلاقضيب!-...فلا عجب بعد ذلك ان نرى تكريس صورة المرأة بتلك المسوخية والتشويه،ككائن غريب معتوه ناقص،وموسوم بميسم غباء الطبيعة التي شكلت طبيعة وفسلجة المرأة،كجنس لاقضيبي ثانوي ملحق بالرجل!.ولطالما كررت هذه المفاهيم الممجوجة والشائهة والمضادة للتسوية بين الجنسين،واعيد انتاجها كبنية ثابتة في المدونات الدينية والقانونية والثقافية واللاوعي الجمعي-حتى لدى النساء ايضا!- كمسلمات وامر مفروغ منه.لقد سقطت المرأة في التجربة،وخسرت في مغامرتها الشيطانية المتهورة،وطيشها وشرها التكويني!.لذا يجب وبالحتم ان تبقى تحت رحمة ووصاية وسيطرة الرجل كتابع قاصر وناقص بنصف عقل ونصف دين!.حاول القديس توما الاكويني في المقابل:اسقاط الطابع الديني عن النواهي والتحريمات المتعلقة بالدورة الشهرية،متسلحا بموقف ومنطق شبه علمي(علموي)-في زمنه-من داخل النظام الفكري والفلسفي الارسطوطاليسي،زاعما ان الطمث في نظره هو :راسب الدماء الناتج عن آخر مراحل الهضم،وهو يستخدم في صنع جسم الجنين،وقد صنعت منه مريم جسد المسيح!.ولكن لم يكن سهلا على المحاكمة المنطقية-مستوى العلوم في تلك الفترة-ان تقوض محرمات ومحظورات ذات اصل ديني،توارثتها الاجيال قرنا بعد قرن.وهكذا ظل رجال الكهنوت والقانون،وحراس الضبط الاجتماعي والديني الذين شرحوا وفسروا مرسوم غراسيانوس يؤكدون طيلة العصور الوسطى على قذارة ودنس وتابو الطمث،مستشهدين غالبا الى كتاب بلينوس"التاريخ الطبيعي"..فدم العادة الشهرية المشحون رمزيا وماديا بالشر والاذى والتلوث حسب اعتقادهم،يمنع النمو والحيوية،ويقتل كل نبات،ويسبب للحديد الصدأ،ويصيب الكلاب بداء الكلب!..الخ من خزعبلات رهاب دم الحيض!.-وهذا الرهاب الحيضي موجود في كل الاديان!-وكنتيجة لذلك كانت كتب الصلاة والادعية تحظر على المرأة تناول القربان المقدس،بل وحتى الدخول الى الكنيسة،عندما تأتيها الدورة الشهرية!.وبسبب هذه التحريمات،منعت النساء بشكل عام من خدمة القداس الالهي،ولمس الكؤوس المقدسة،وتأدية الوظائف الطقوسية!.الخ.وهكذا عمد العصر الوسيط(المسيحي)لعقلنة وتكريس المواقف المناهضة والمعادية للمرأة-دينيا وثقافيا واجتماعيا-والتي ورثها عبر التراكم والتجدد التقليدي. للعقائد السائدة..
لقد اعتبرت ثقافة ودين ذلك العصر وقفا على اكليروس ورهبان عزاب،فلم يكن امامهم سوى تمجيد العذرية ،والحياة اللاجنسية.ومن هنا حدة وشراسة ومهاجمة المرأة،تلك المغوية ربيبة الشيطان وتلميذته!.تلك الساحرة الخبيثة والتي تثير الرهبة خوفا من السقوط بحبائلها الخانقة.ان الخوف المرضي المختل من المرأة هو الذي اجبر ادب الاديرة الديني على صب اللعنات على المفاتن الماكرة والشيطانية لمبعوثة ابليس المفضلة والمخلصة في بث الشرور والخطايا في اجساد وعقول الرجال!...كتب اودن رئيس دير كلوني في القرن العاشر يقول:"ان جمال الجسد لايتخطى حدود البشرة،ولو قدر للرجال ان يشاهدوا ماهو كائن تحت الجلد،فأن رؤية النساء كانت ستسبب لهم الغثيان،ومادمنا نتأبى عن لمس البصاق او البراز،ولو بطرف اصبعنا،فكيف ترانا نبادر الى معانقة كيس الجلة هذا؟"!!-اذا المرأة عبارة عن روث وبراز وطين حضائر تأنف منه حتى اقذر الخنازير!!_..
كان الكهنوت الرهباني،ورغبة منهم في تبرير مواقفهم وعقيدتهم يحاولون اقناع غيرهم من الرجال المسيحيون بالعدول عن فكرة الزواج ومقاطعتها!.وهذا مافعله روجيه دوكان في القرن التاسع والذي كتب قائلا:"صدقني يا اخي،ان الازواج قاطبة في وضع يرثى له،فالمتزوج من امرأة قبيحة يشمئز منها ويكرهها،والمتزوج من امرأة جميلة،يخشى عليها من الماجنين،فالجمال والفضيلة لايتلازمان..ان امرأة كهذه تمنح زوجها احر العناق،واعذب القبل،وتبث السم في قلبه!.ان المرأة لاتهاب شيئا ولايردعها شيء ،فكل شيء مباح في نظرها"!.ان هذا الخطاب السقيم ذو المنطق الاعور الذي يقطر بغضا و كراهية والمبطن بحمى الرهاب النسوي،والقائم على ثنائية ساذجة ومتحاملة بين اسود وابيض،الابيض طبعا هو عالم الرجل،والاسود هو عالم المرأة،يجد صداه وتعبيره الرمزي في ما انتج من منحوتات العصر الوسيط،فهناك تمثالان في شارليو ومتحف موساك تبدو فيهما المرأة وهي تعانق افعى،فيما يلتهم علجوم ضخم فرجها!.والتمثال الذي يمثل رقصة هيروديا في كاتدرائية روان،والمنحوتة الموجودة في كاتدرائية اوسير والتي تبدو فيها شابة تمتطي صهوة تيس!-الركوبة المفضلة للشيطان هو التيس!-.هذه التماثيل الاربعة هي مجرد نقطة في بحر وغيض من فيض ما انتجه الفن والثقافة والدين الذكوري!!...
..............................................................................................
يتبع..
وعلى الاخاء نلتقي...

.