هند الحناوى .. فريسة محمود سعد .. أيضاً



سعد هجرس
2006 / 2 / 3

اعتاد المشاهدون أن يروا الزميل محمود سعد ودوداً ، بشوشاً، يكاد يذوب رقة ولطفاً وظرفاً وهو يحاور الفنانين والفنانات فى برامجه التليفزيونية المحبوبة.
لكن محمود سعد الذى شاهده الناس يوم السبت الماضى على شاشة التليفزيون المصرى فى برنامج "البيت بيتك" كان شخصاً آخر تماماً.
حتى ملامح وجهه الطيبة والمريحة فارقتها سماحتها وحلت محلها عدوانية وفظاظة وغلظة غريبة وهو يفترس ضحيته هند الحناوى.
ولم يكن "الشكل" هو الشئ الوحيد الذى اعتراه التغير الغريب والمفاجئ لدى زميلنا النجم الإعلامى المحبوب، وإنما تغير أيضاً أداءه المهنى الجميل والنزيه الذى اعتدناه وأحببناه منه.
فقد تخلى عن وظيفة "الإعلامى" وتقمص دور "الواعظ الدينى" حيناً، "والمربى الحمش" حيناً آخر، و"الجلاد" الغليظ القلب دائماً وأبداً منذ بداية افتراسه للشابة المكلومة حتى إنهائه "اعتقاله" لها على الهواء.
وخلال هذه الفترة العصيبة ارتكب عدداً من المخالفات المهنية ، والانسانية الجسيمة.
أولها عدم إعطائها الفرصة لاكمال فكرة واحدة، حيث دأب على مقاطعتها بخشونة.
وثانيها تسفيه الأفكار المبتسرة التى حاولت أن تنتزعها بصعوبة شديدة.
وثالثها "إرهاب" الفتاة التى ساقها حظها العاثر لهذه المصيدة، فقبل أن تنهى إحدى الجمل يقول لها بلهجة لا تخلو من التهديد "هل تتجرئين على الحديث فى الدين" أو "هل تتجاسرين على الافتاء فى الشرع". بل وصل به الأمر إلى حد اتهامها بالتهجم على القضاء، لا لشئ إلا لأنها أعربت عن عدم رضاها عن الحكم الصادر ضدها. وكأن المطلوب منها أن تشكر القاضى على إصداره حكماً ليس فى صالحها!
ورابعها "الافتاء" فى الأمور الدينية والعلمية على السواء بصورة يمكن أن تكون مضللة لملايين المشاهدين، من ذلك انحيازه لرأى بعينه فيما يتعلق بالزواج العرفى معتبراً إياه بأنه رأى الدين وما دونه رجس من عمل الشيطان فى حين أن مذاهب إسلامية ومراجع دينية تجيز آراء أخرى. ومن ذلك أيضاً تأكيده الجازم طوال حصاره لهند الحناوى على أن نتائج اختبارات الـ DNA ليست دقيقة بنسبة 100%، واستمر فى ترويج هذا الادعاء حتى اتصلت به متخصصة فى العلم فاجأته على الهواء بقولها أن نتيجة الـ DNA شانها شأن البصمة تماماً!
وخامسها أن هذه "الفتاوى" التى أصر عليها محمود سعد ليست محمل جدل فقط وإنما هى أيضاً، وفى السياق الذى قيلت فيه، تمثل انحيازاً لموقف الطرف الثانى، أى الممثل أحمد الفيشاوى، وهو على أى حال موقف غير مشرف لا لهذا الممثل ، ولا لوالده الممثل الكبير والمعروف فاروق الفيشاوى، ولا لوالدته الممثلة الكبيرة والمعروفة سمية الألفى، والثلاثة أصدقاء شخصيين للأستاذ محمود سعد، الذى كانت مقتضيات الأصول المهنية تحتم عليه أن ينأى بنفسه عن الوقوع فى شبهة التحيز لهم على حساب الطرف الآخر.
ومن حق محمود سعد أن ينحاز لمن يشاء، لكن بشرط أن يكون ذلك فى مجالسه الخاصة، أو حتى فى تليفزيونه الخاص، وليس فى تليفزيون الدولة، أى المملوك للمجتمع بأسره.
وتنطبق كل الانتقادات السابقة على المذيع المهذب تامر أمين، الذى شارك فى هذه المذبحة، وإن يكن بدرجة أقل.
وقد كان من الممكن أن أكتفى بنقل هذه الملاحظات الانتقادية تليفونيا إلى الاثنين ، محمود سعد وتامر أمين، اللذان أكن لهما احتراما ومودة، لكن ما جعلنى أكتب هذه الملاحظات وأنشرها على الملأ هو أحساسى بأنى اتحمل جزءاً من المسئولية، لأننى كنت من أقنع هند الحناوى بالمشاركة فى هذا البرنامج بناء على طلب وإلحاح أصدقاء وزملاء أعضاء فى أسرة إعداد "البيت بيتك" يعرفون أن آل الحناوى يثقون فى شخصى الضعيف.
وها أنذا اعتذر لأسرة الحناوى، وبخاصة الابنة هند ، على هذا الموقف السخيف الذى تسببت – بسذاجتى – فى وضعها فيه.
والأهم من هذا الاعتذار أن أنتهز هذه الفرصة – غير السعيدة – لتنبيه الرأى العام إلى أن القضية أكبر من أن تكون موضوعا شخصيا أو فردياً لهند الحناوى وأحمد الفيشاوى، وأعقد من الآراء المتسرعة والمنحازة التى أطلقها محمود سعد وتامر أمين.
فالزواج العرفى – أيا كان رأيى أو رأيك فيه – حقيقة واقعة، ولم تخترعه هند الحناوى، وإنما هو يشكل اليوم ظاهرة تضم مئات الآلاف من الحالات، أى من أبنائنا وبناتنا، بل منا نحن الكبار أيضاً.
والاعتراف بأن الزواج العرفى أصبح ظاهرة اجتماعية متفشية لا يعنى تحبيذه أو استحسانه، فهو يتضمن سلبيات كثيرة خاصة بالنسبة للمرأة. وكما يقول الدكتور حمدى الحناوى، الأب المكلوم والشجاع، فأنه حتى لو سلمنا جدلا بأن الزواج العرفى علاقة غير شرعية فهنا نكون أمام "مشكلة لا يجب أن تتحمل عواقبها المرأة وحدها ولا يجب توقيع العقاب فيها على الطفل دونا عن أبيه. أفهم أن نعتبر الطفل يتيما إذا لم نتمكن من معرفة أبيه، أما حين نعرف أباه ونستطيع أثبات أبوته فكيف يكون يتيماً، وكيف يتجاهل الشرع أننا نعرف أباه؟ لماذا لا نحتكم إلى التحليل العلمى ونحن فى القرن الحادى والعشرين؟ وقد قضت المحكمة بذلك فى قضيتنا ولكنها لم تصمم على الرجل بتنفيذ حكمها. الأبوة مسألة بيولوجية بحتة لا ينفيها أن يقول الأب أنه لم يتزوج، ولا ينفيها أن يكون الزواج عرفياً.
هذه الحقيقة يترتب عليها وجود طفل لا يملك الدفاع عن نفسه وعلينا أن ندافع عنه. وإذا كانت العلاقة التى أنجبته خطأ اجتماعياً فلننظر كيف نصححه. لا ينبغى أن نعالج خطأ بخطأ، ولا ينبغى أن نسمح لمن أخطأ بان يتهرب من مسئولية أفعاله.
ويضيف الدكتور حمدى الحناوى قائلاً " أرجو ألا تسيئو فهمى فأنا لا أتوقع ولا أطلب ممن تنكر لطفله أن يكون شهماً. وأرفض لابنتى على الأقل أن يتزوجها رجل كهذا، وأنا لا ولن أستجدى، ولى حفيدة سأدافع عنها بكل ما أملك. إنما أشير فقط إلى ثغرات القانون، وأدافع عن حق أطفال لم يخطئوا ولا يملكون الدفاع عن أنفسهم، وربما لم يولدوا بعد.
سيقول البعض أنى أتطوع بالدفاع عن الخطيئة .. كلا .. أكرر أن الطفل لم يخطئ وسأدافع عنه ما حييت".
نحن يا سادة أمام ظاهرة مخيفة، وليست حالة هند الحناوى وأحمد الفيشاوى إلا مجرد حالة من آلاف حالات الزواج العرفى، وهناك مثل الطفلة البريئة "لينا" آلاف مؤلفة من الاطفال اليتامى رغم أن آباءهم العابثين أحياء يرزقون لكنهم يتنصلون من مسئوليتهم الأبوية بنذالة منقطعة النظير، وهناك غير هذه الآلاف المؤلفة من "الأيتام" آلاف مؤلفة أخرى من حالات الاجهاض التى تتم من وراء ظهور الأسر وبعيداً عن الشروط الطبية الآمنة .. وكل هذه الظواهر الاجتماعية المخيفة والواسعة النطاق لا يفيد فى حلها التشدق بمواعظ محمود سعد المنحازة والمتسرعة .. وإنما يجب على المجتمع أن يعترف بها أولاً، ثم يعكف عليها بالدراسة المتعمقة والتحليل العلمى كى يضع يده على أسبابها القريبة والبعيدة، ويتوصل بالتالى إلى حلول جذرية وواقعية وعادلة ونزيهة لها.
والمؤكد أن الحكم الذى صدر مؤخراً وتصور البعض أنه يتيح للأشخاص العابثين فرصة التنصل من مسئولياته الاجتماعية والاخلاقية .. لن يكن نهاية المطاف.