المرأة ودورها في المجتمع ح1



عباس علي العلي
2017 / 6 / 28

المرأة ودورها في المجتمع


من أكثر المجالات الفكرية التي تناولها النقد والتجريح الفكري هي قضية المرأة ودورها في المجتمع الإسلامي، ومثار النقد كان دوما هو ماألصقه الفكر الإسلامي عموما من إساءة متعمدة للمرأة أبتدأ من تعميم وصفها بــ (ناقصة العقل والدين) إلى فرض الكثير من الأفكار والقيود التي تسلبها حقها الكينوني كإنسان كامل، ليس هذا فحسب بل بالللجوء إلى النصوص الدينية وتجزئة محمولها الفكري القصدي لتوظيفه في أستبداد ذكوري يرجع الذات العربية البدوية إلى جذورها العميقة، وكأن المرأة في المجتمع مجرد حاجة تتداولها يد المحتاج متى ما شاء وأني وكيف يشاء.
النص الديني في خلاف تام مع الإرث الفكري التأريخي للمدارس الإسلامية من حيث أصل الأصول ومن حيث التطبيقات العملية، لو أخذنا هذا النص بمحموله وفككنا القضايا التي يشير لها سنجد أننا خارج دائرة الفهم القصدي والمعنوي له {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13، النص هنا يثير مسائل عديدة منها ما هو ظاهر ومنها ما هو مضمر:
1. أولا الله تعالى خاطب الناس بمعنى أنه خاطب الإنسان مجردا من الجنسية الفردية، فهو يتعامل مع كائن واحد هو الإنسان، هذه النظرة التي تكشف عن المساواة محتقرة ومغيبة بالفكر التأريخي الإسلاموي.
2. إن الله هو الذي أختار هذا التنوع وليس التفريق بين الذكر والأنثى من ضمن سنة خلقية شملت كل شيء في الوجود كقاعدة {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الذاريات49، فمن أن جعل الفقهاء والمجتهين هذه السنة التكوينية مدعاة للتفريق بدل مدلوها التكيفي؟.
3. أقر الله في هذا النص حقيقة مطلقة لا مناص من التسليم بها وهي أن الأنثى (المرأة) نصف المجتمع متساو مع النصف الأخر في الجعل، وبناء عليه فأن أي تمميز من أحدهما ضد الأخر إنكار لهذه المساواة المطلقة ورد على الله من حيث الأصل.
4. هذا التساوي ليس فيه ميزة على الأنثى فالشعوب والقبائل هما أيضا نصف مسئولية لكل منهم، وبالتالي فالنتيجة تتبع المقدمة أي أن الشعوب والقبائل تبقى على ذات قاعدة المناصفة، ولا بد من أحترامها وتقديرها.
5. الهدف من هذا الجعل المتكاثر ليس إثبات للذكورية قبال عجز الأنثى بل هو نتاج طبيعي سيكون قاعدة للتعامل مع التنوع الجنسي، فالتعارف كنتيجة هو منصرف للذكر كما هو منصرف للأنثى بأعتبار الأساس والتكييف والتكوين، فما دام الذكر والأنثى هما المسئولان عن التكاثر الكمي ونتائجه فالعلة منه تنصرف لكليهما على وجه التساوي.
6. ورود كلمة أكرمكم تنصرف أيضا أبتدأ وأنتهاء لكليهما تكليفا وتشريفا، فلا تكريم مخصوص من قاعدة عمومية، ولا تشريف بنص على تمييز أحدهم عن أخر، ويمضي هذا التكريم على ذات الوتيرة صعودا للقبائل والشعوب أي إلى معنى الإنسانية كاملة.
7. هذه الكرامة ليست دنيوية فقط فهي ربانية أيضا بمعنى أن التكريم فضلا عن كونه نتيجة هو ألتزام رباني لا يميز بين ذكر وأنثى بدليل ورود (عند الله)، فما كان عند الله عقلا ومنطقا وقصدا لا بد أن يكون عند المؤمن به محترما ومقدرا على ماهيته.
8. التفريق الوحيد الذي ورد كأستثناء في نهاية النص وهو أستثناء معنوي وليس موضوعب يتعلق بــ (التقوى)، وهو منصرف أيضا بنفس طريقة التساوي الأنغة، فليس الذكر أكثر تقوى من الأنثى والعكس صحيح، فالأستثناء هنا لا يتعلق بالنوع بل بالسلوك عند الإنسان بغض النظر عن الجنس.
هذا هو المعلن بالنص والظاهر من قصديات ومنطق الآية وهو واضح وجلي، ولكن ما هو المضمر فيها من معان ودلالات وقصود خاصة تكشف عنها قراءة تأملية للنص، الجواب هناك أكثر من دلالة ومعنى يمكننا أستقراءه هنا مثل:
• أن النص في محموله المعرفي يتعامل مع كائن واحد متماثل ولا يتكلم عن كيانات أو كائنات مختلفة، فوحدة الخطاب تعني وحدة الموقف من المخاطب فلم يأت الخطاب مثلا يا أيها الذكر والأنثى، ولم ينطلق من هذه الحيثية بل خاطب الناس ومن خلال مفهوم الخطاب حدث العقل، فقضية الوحدة الإنسانية قضية عقلية لا قضية إرادية حسية.
• يستبعد النص من سياقه العام فكرة الخصوصية الذاتية لكل منها وإن أشار لذلك ظاهرا، ولكن الحقيقة أنه أورد أهمية الخصوصية الجنسية على أنها المحرك الطبيعي لوجود الإنسان من ضمن منظومة كاملة تتعامل بمفهوم الثنيوية وتبني كل النتائج الوجودية على حقيقة أن الأزدواج الكيفي هو أزدواج طبيعي منتج، وليس فيه لا نقص ولا تنقيص أو تفضيل، هذه الحقيقة ندركها عند غياب أحد طرفي المعادلة الوجودية، حتى في خطاب الله مثلا مع آدم الزوج والزوجة كان مفهوم التباين النوعي كائن لا على أساس التفريق بل على أساس التكامل والمشاركة.
• هناك مسألة طرحها المضمر القصدي في النص دون أن يلحظها أغلب المفكرين والفقهاء والمجتهدين، وهي أستقلالية الخطاب، بمعنى أن المخاطب في النص لا بد أن يكون مستقلا طبيعيا عن الأخر كي يتساوى في الخطاب، فلا الأنثى تبع طبيعي للرجل ولا الذكر تبع طبيعي للأنثى، من هنا حرص الخطاب على توجيه الكلام لطرفين مستقلين وإن كانا متشاركين في الخطاب ومنصرفه المعنوي لأنها تعامل بمساواة حقيقية لا شعارية.
• أكد النص هذا بسياقه العام والمشترك في كل الخطابات الموجهة للإنسان أن قضية التكليف قضية فردية لكليهما كمقدمة وكنتيجة أو ممارسة، فالتكليف بالتقوى هنا حث على حسن الأختيار بعيدا عن الخوف ولكن على جذر معنى التقوى وهو القوة الطبيعية العاقلة في موضوع الخيار، هذا يعني أن المرأة ليست ناقص طبيعي في التقوى وليس الذكر هو المؤهل الكامل لها، إنما الموضوع برمته يعود للعقل وكيفية العناية به والتعامل من خلاله، وهذا يؤكد مبدأ تساوي العقول بعد تساوي في التكليف.
• ومن المضمر القصدي في النص أن الله يرى في الإنسان مجردا أداة التغيير ومحوره طالما أنه خصه بخطاب التغيير، فالذكر كالأنثى كلاهما أدوات التغيير الوجودي وكلاهما محل للمحمول اللفظي المقصود، وعندما يكون التغيير شعار الله فليس لأحد تجريد الأنثى من هذا الدور بأجتهادات خارج حدود محمول الخطاب، فكما أنها متساوية مع الذكر بالحق، فهي متساوية معه في الواجب والمسئولية، وبالتالي أخراج المقصود من دائرة الأهتمام يعد منقصة بحق الفاعل وليس بحق المفعول به.
كل هذا هذا وما زالت الأنثى التي سطر لها الله منزلة التساوي في الحقوق والواجبات وبالخطاب وتحمل المسئولية، تعامل على أساسيات أقرار التنوع وليس على أسياسيات التفريق المتوهم، نظرة واحدة للوجود وبتجرد تبين لنا أن الله مثلا عندما خلق النباتات وتنوع في تشيكلها وإبداعها وتخصصها على الوجه الذي تتكامل فيه كدورة حياة وجوديه، ليس ذلك أتى لأجل التفريق بينها وتفضيلا تبعا لكونه نبات، بل تنوعا على الدور، فلا يمكن أن تكون الزهور مثلا طعاما طيبا على العموم ولا الفاكهة الطيبة طعاما مستساغا لكثير من الكائنات، المرأة عندما خلقها الله في هذا التكوين النوعي لم يرتب أحكامه على مبدأ التفاضل بينها وبين الرجل، بل على مبدأ التخصص.
فعلل الأحكام زيادة و نقصان تتبع طبيعة التنوع لا طبيعة التكوين الأصلي، فمثلا لم يكلف الله المرأة بالجهاد العسكري لأن من وظيفة المرأة الأساسية التخصص في إدارة ورعاية جانب أهم في الحياة ووفقا لمتطلبات الدور فسيلوجيا ونفسيا، كما أن ترتيب الحقوق لها وعليها كنوع مميز يأت من ضمن هذا السياق، هذا لا يعني أن المساواة في الألتزامات الناشئة عن الأختلاف الجنسي النوعي مره نقصا تكوينيا لها، بقدر ما هو الحفاظ على أصلية التنوع وأصالة الأنتساب له.
الرجل والمرأة كلاهما شريك في الحياة وشريك متساو في علاقة متشعبة تحتاج إلى التخصص في الأداء، حتى في القضايا العملية ومنها التجارة أو الصناعة، فلا يمكن أن يكون الكل مدراء ولا يمكن أن نستغني عن الإدارة ليكون العمل منضما، نعم يمكن أن نجعل مبدأ الأدارة متاح للجميع بشرط توفر القدرة والقابلية والتخصص، وهذا أمر طبيعي، أما أن نجعل المساواة مطلقة بدون النظر للضروريا والمستلزمات البدية فهذا من العبث واللا معقول.
هل يمكننا مثلا أن نطلب من الله مساواة الرجل بالمرأة في كل القضايا بما فيها ما يخص النوع، إذا كان الجواب نعم، فسدت قاعدة الأصالة بالتخصص وأصبح النوع الإنساني واحد عقيم لا يمكن الأستمرار به ولو لفترة معينة، وإن قلنا لا فالجواب إذن لا بد لأن يكون الذكر ذكر بما فيه من خصيصة نوعية والأنثى أنثى بما رتب لها الخالق من وجود، أما لماذا لا تساوى في أحكام الميراث مثلا أو في الشهادة، فالجواب يرجع عند علماء النفس والأجتماع والفسلجة فهم يعرفون أكثر من غيرهم تبعات التركيب والتكييف النوعي وأثره على تشريع الأحكام الشرعية كنتائج حتمية وضرورية ناتجة من حاجة المرأة إلى ثنائية التفريق أولا، وحاجة الرجل بحكم مسئوليات التنوع إلى مزيد من الحق للتكامل.