فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(10).



ماجد الشمري
2017 / 8 / 6

ولكن،تبقى اقسى الاحكام والمواقف المحرضة التي استهدفت المرأة،هو ماتعرضت له بقسوة من قبل الذين بحثوا في ما اطلق عليه:ب"الابليسيات"satanistsوكانواعونا لقضاة محاكم التفتيش في تبرير ممارساتهم الشنيعة والبربرية ضد النساء اللاتي اتهمن بالسحر الشيطاني،ووفروا لهم الاسباب المقنعة لتحقيقاتهم وتفتيش الضمائر بحثا عن الساحرات.فمقابل ساحر واحد من الرجال كان يقابله عشر من الساحرات!.وفسروا هذا التفاوت بين السحرة والساحرات،بأن:"الجنس الانثوي أكثر ميلا الى السقوط في اضاليل الشيطان"!.و"ان يكون عدد الساحرات أكبر بكثير من عدد السحرة،لان الجنس الانثوي جنس ضعيف ينساق بسهولة اكبر الى الاغواء الشيطاني،جنس يهيم بالعواطف الحادة والصاخبة"!.وقد ارسلت غالبية النسوة المتهمات بممارسة السحر الى المحرقة!.اما الفكر الفلسفي والنتاج الادبي المعادي والكاره للمرأة،فالقائمة تطول والحديث يتشعب قديما وحديثا.فمن:المرأة كمصدر للشر!(سقراط).والمرأة:مرض!(ابقراط).والمرأة:اسوء الكوارث!(ارستوفان).الى استعلائية وكراهية(هيجل)والطاعة الاستعبادية(شوبنهاور).وسوط(نيتشه)الذي يجب ان لاينساه الرجل وهو يدخل على المرأة!.ورغبة(شكسبير)بترويضها!.وذكورية(همنغواي)القاسية تجاه المرأة!.والكثير الكثير.حتى (سيمون دو بوفوار)الفيلسوفة الوجودية المتحررة،كان يقبع في داخلها شبح المرأة التقليدية،ورغبتها بأن تطبخ وتكنس وتغسل الصحون،كما ورد من رسالة لها الى حبيبها آلغرين!.فاغلب مادون عن المرأة دأب على ابراز عيوبها ،وتحقير الزواج،ودنس العلاقات الجنسية كخطيئة مميتة.فثقافة العداء والخوف من المرأة كانت تنهل من الخطابات الرسمسة للهيآت والموسسات المهيمنة والمنتجة لايديولوجيات تلك الفترة.وخاصة المحاجات اللاهوتية المصدر،والثقافة التقليدية الموروثة.وتردد انعكاس ذلك وصداه في المدونات الادبية بنفس النعوت التحقيرية،والماسة بكيان المرأة الانساني.وجرى لصق ومماهاة كل المفاسد والشرور والآثام كتجسيد لها،وتحميل كل الرذائل والقباحات بعاتقها فهي سبب الفوضى الكونية وآس السقوط.وليس هناك من أمرأة تتصف بالعفة والصلاح!.انها الجنس المدنس والغارق في وحل الخطيئة والشر!.
راج الادب المناهض للمرأة رواجا كبيرا،واستقبل هجاءها الادبي بترحاب وتبني.فأصبحت نصوص من هذا النتاج امثالا متداولة بين الناس.فقد اعتبرت المرأة وشبهت بالحصان!.فهو يحتاج لمهماز حاضر سواء اكان هادئا ام جامحا.وكذلك المرأة:أكانت صالحة او طالحة،فهي ايضا تحتاج العصا او سوط نيتشه دائما!.ومن الامثال الادبية الشائعة:"قل للمرأة مرة واحدة انها جميلة،فيردد لها الشيطان هذا الكلام عشرات المرات"!.و"النساء ملائكة في الكنيسة،شياطين في البيت،وقرود في السرير"!.لقد اقترن احتقار المرأة بعداء سافر وحقيقي،وخوف مرضي هستيري من جنس ممسوس عد مخادعا وشريرا وخطاء،ولاسبيل لتقويمه او اصلاحه.ف"قلب المرأة يخدع العالم لان الشر فيه يطفح"!.و"للمرأة والخمرة سمومهما"!.و"المرأة اصل البلية فكل شر يأتي منها"!.و"عين المرأة عنكبوت"!.فهل بعد هذا التوصيف المطبوع بالتسفيل مايثير استغرابنا ودهشتنا للكم الهائل من النساء اللاتي كن وقودا لنار المحرقة؟!.ف"ان الحزن على المرأة الميتة لايتخطى عتبة البيت"!.و"عندما يرضى الله عن عبده يخلصه من زوجته"!..
.اما فن التصوير والرسوم فقد اتسمت بألتأرجح والمراوحة مابين صورتان متناقضتان عن المرأة احدهما:مثلنت المرأة والاخرى شيطنتها وكثفت وابرزت دونيتها وسلبيتها المفترضة.ففي جانب الاشادة المثالية الموجبة:كانت المرأة بصفتها ربة بيت،رفيقة الزوج العطوف،ام ابنائه.وفي بعض الرسوم عن آدم وحواء صورت الامومة على انها "المرادف الانثوي للعمل الذكوري".فحواء تبدو مضطجعة الى جانب صغيرها،فيما آدم يفلح الارض!.وهناك صور:لنسوة حاصدات،ولاقطات،وراعيات.تبرز دور المرأة الشغيلة ودورها في العمل والانتاج الزراعي الى جانب رفيقها الرجل.وهي التي:تغزل،وتحيك،وتجلب الماء من النهر،وتطبخ،وترعى صغارها،وتعتني بالمرضى،وتجهز الموتى للدفن.ولكن كل هذا كان يضع المرأة في مرتبة ثانوية وفي ظل سيدها الرجل!.صحيح انه كان هناك بعض الايقونات من العصور القديمة تجسد افكارا ارقى في النظر الى المرأة،ك:العفة،الحقيقة،الطبيعة،الجلال،الدين،الحكمة،القوة،عناصر الطبيعة والجهات الاربع.الا ان بعض تلك الصور الرمزية كانت تجسيدا مثاليا كمريم العذراء،وهي النموذج النسوي الاستلهامي وهو نقيض لحواءّ.فهذه الكائنات المتعالية والسامية لم تكن تؤدي الوظائف الانثوية المألوفة والدنيوية،وبالتالي لاتندرج في عداد النساء المحكوم عليهن باللعنة..
وهناك ايضا الرسوم التي نهلت مخيلتها من الخرافات والفولكلور والحكايات الشعبية،ومن الصور الدينية،كرؤى يوحنا عن نهاية العالم والجحيم المرعب،وضياع الرجل وسقوطه في حبائل المرأة الجميلة والغاوية.نموذج المرأة الشريرة هو(ميديا)التي غررت ب اياسون واعدت الشراب السحري لوالده ايون،والتي قتلت اولادها،وهي ايضا (سيرسه )التي مسخت رفاق يوليسيس الى خنازير.وقد صور الرسامين المرأة كعجوز شمطاء دميمة مجسدة للرذيلة وقرين للشيطان،والتي كانت تثير الخوف والفزع ابان عصر النهضة.فهي ليست صورة الشر فقط بل والموت ايضا.وتفنن حتى الشعراء بنصوصهم في منح المرأة ابشع واخس واقبح الصفات.فهي:"مومياء تتنفس"!.و"تفوح من فمها رائحة كريهة تجعل الهررة تعطس"!.و"هيكل من الجلد والعظام"1."و"صورة حية عن الموت،وصورة ميتة عن الحياة"!.و"شبح يجعل الخوف يخاف والرعب يرتعب"!.وهكذا نجد اغلب الثقافات والاديان التي عاشت هاجس نهاية العالم والحياة الاخرى،والخوف من الشيطان وزبانيته.قد اعطت بعدا جديدا للخوف الازلي من (الجنس الثاني)وصلبت المرأة على لوح الشك،وجعلت منها عنوانا للريبة والغموض،فأمست كائنا خطرا موبوء بالمفاسد والدناءة.لذلك لم يتركوا لنا سوى صورة خرافية و كالحة مسودة عن المرأة.ولازالت رواسب وتداعيات تلك النظرة قابعة في اللاوعي الجمعي في اغلب المجتمعات الحديثة،حيث اصبحت جزءا من البنية السايكولوجية الذكورية،وتمثلتها المرأة بلاوعيها كصورة قاتمة تكرهها هي ايضا.مع ان الامر بكل بساطة:ان المرأة لاتختلف عن الرجل في شيء سوى الاختلاف الفيزيولوجي،وهذا موجود ومعروف في كل العالم الحيواني.فليس المرأة بأفضل من الرجل او اسوء منه،فكلاهما يكملان بعضهما،وليس هناك من مبرر ابدا لوضع المرأة في المرتبة الثانية او اقل من الرجل انسانيا.فهذا ماكرسته تقسيمات العمل والانظمة الطبقية والثقافة الذكورية البطرياركية والاديان القامعة للاناث.
ومن النافل ان نقول ان انعتاق المرأة من كل اشكال العبودية والقهروالصورة الوهمية القارة في عقول ولاشعور الرجال سيبقى طوباويا ما لم تتغير جذريا جميع الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية والثقافية والسايكولوجية بأتجاه المساواة الكاملة،ودمقرطة الجنسانية وكسر كل القيود التي تكبلها،وكنس كل الهراء والقمامة الايديولوجية والثقافية والدينية.وان ينسلخ الرجل من هويته المتحجرة ك(رجل)وايضا كذلك بالنسبة للمرأة وان يفكرا بكينونتهما الانسانية كقطبان يكمل احدهما الاخر كذكر وانثى من اجل البقاء والعيش معا دون ضغائن او خوف او تمييز او
تفاوت،لكن الدرب سيكون طويلا ووعرا لتحقيق ذلك......
......................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...