دروس انتزاع المرأة في السعودية حق السياقة



رضي السماك
2017 / 9 / 29

بإقرار أعلى سلطة في السعودية أخيراً حق المرأة في قيادة السيارة تكون هذه الأخيرة قد أنتزعت واحداً من أبسط وأهم حقوقها الشخصية التي ظلت محرومة منه لعقود طويلة متحملةً بذلك آثار هذا الحرمان على حياتها الشخصية والاسرية معاً ، وبخاصة إذا ما كانت زوجة عاملة ذات قدرة على أمتلاك السيارة وزوجها غير قادر على السياقة لأي ظرف من الظروف ، ناهيك عما إذا تتحمل مسؤولية أعباء الامومة ، لكنها لم تستسلم لقدرها المفروض عليها وظلت تناضل طوال هذه الفترة المديدة بإصرار عنيد وعلى نحو دؤوب من أجل نيل هذا الحق المشروع ، ولم يكن طريق هذا النضال - رغم ما واجهته من صنوف الأذى والزجر والتعنيف والتشهير الإعلامي بشرفها لحملها على القنوط والاستسلام لحرمانها منه - مفروشاً بالورود إذ تحملت صنوفاً شتى من الأذى بما فيها حتى السجن لمُدد متفاوتة بحجة " أنتهاكها " القانون " ، هذا مع أن نضالها جرى بمبادرات نسائية فردية وأحياناً جماعية غير مؤطرة لإفتقار نضالات المرأة لحركة نسائية منظمة ذات خبرات متراكمة ، وإن كان من المؤكد ثمة رجال متنورون من أزواجهن وآبائهن وأقربائهن وقفوا مُحفزين ومساندين لتلك المبادرات الفردية والجمعية وللتعبير بشتى الوسائل السلمية عن الاحتجاج على حرمانهن من حق السياقة ، والتي كان اكثرها جرأةً إقدامهن على فرض هذا الحق بسياقتهن السيارات جهراً في شوارع المدن الكبرى ، وهو تكرر مرات ومرات وخصوصاً منذ مطلع تسعينيات القرن الآفل . كما ينبغي الإشادة أيضاً بالدور الذي لعبته المنظمات الحقوقية والنسائية الدولية في مطالبتها ومساندتها لها لنيل هذا الحق المشروع ، ناهيك عن سائر القوى من أجل التغيير الديمقراطي في وطنها والعالم بأسره .
والحال إن هذاالمكسب الذي قد يبدو لنا للوهلة الاولى صغيراً وعادياً أو تافهاً إنما هو مكسب هام ليس للمرأة السعودية فحسب بل وللمجتمع في وطنها برمته كخطوة على طريق تحريره من كامل الاغلال والكوابح التي تقيّد التحاقه بركب الحضارة العالمية ولو بقشورها التي تتمتع بها سائر شقيقاتها في الأقطار العربية والإسلامية جمعاء . ولأن المرأة هي نصف المجتمع فإن هذا المكسب أيضاً يرفد حركة التغيير والتنوير بكتلة بشرية عريضة مهمة ظلت مُجمدة محبوسة بين الجدران الأربعة وبالتالي فهو يصب في نهاية المطاف لصالح حركة التقدم الإجتماعي على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية .
وأخيراً فمن الأهمية بمكان التأكيد أيضاً بأن المعركة الطويلة التي خاضتها المرأة السعودية من أجل حقها في السياقة والتي تكللت بالنجاح لا تخلو من دروس مهمة نحسبها مفيدة ليس على الصعيد النسائي فحسب ، بل وعلى الصعيدين السياسي والإجتماعي عامةً ، ونكتفي هنا بذكر درسين رئيسيين من جملتها :
الأول : تبرهن التجربة النضالية للمرأة السعودية من أجل نيل حقها في السياقة ، أنه مهما كانت ظروف الانكسار والتراجع التي تمر به قوى التغيير المناضلة من أجل الإصلاح والديمقراطية والتقدم الإجتماعي في أي بلد ، وبضمنها المطالب والنضالات الشعبية العفوية ، فأنها لا تعدم بأي حال من الأحوال إمكانيات انتزاع مكاسب هنا وهناك مهما كان حجمها ومهما كانت تبدو صغيرة وهينة ومن ثم يمكن البناء عليها - تراكمياً - لشحذ واستنهاض الهمم ومكامن الطاقات النضالية العظيمة لأي شعب بقوة الإرادة والعزيمة لرفض الاستسلام للواقع المزري .
الثاني : إن معظم الأنظمة العربية إذ راهنت طويلاً لتعزيز شرعيتها السياسية والحصول على تأييد شعبي بإستعارة الشعارات الاسلامية ووثقت ذلك في دساتيرها ، وإذ أقامت أيضاً مؤسسات دينية رسمية ضمن جهاز الدولة يقودها رجال دين مُقرّبين إليها وتغدق عليهم للتسبيح بحمدها دون اكتراث بعواقب عقلياتهم الظلامية المتحجرة عليها وعلى مستقبل شعوبها ، عوضاً عن اختيارها على الأقل لرجال دين من ذوي العقليات المستنيرة الأكثر انفتاحاً وتمتعاً بقدر معقول من التأييد الشعبي .. كل ذلك إنما أضحى رهاناً خاسراً ما عرّضها داخلياً أمام شعبها للإحراج والتشكيك في جدوى شرعيتها السياسية المزعومة المستمدة من الإسلام والطعن في مصداقية نخبتها الدينية الرسمية دينياً وسياسياً ، وخارجياً أظهرها على الساحة الدولية بمظهر المتحالف مع تلك النُخبة الظلامية بل ومن ثم أتهامها بالتواطؤ معها في الارهاب وتفقيس جيل من الشباب الإسلامي الناقم على كلا الطرفين - النخبة الدينية الرسمية والسلطة السياسية - وهذا الشباب الناقم لطالما أصبح صيداً سهلاً في شراك الجماعات الارهابية .
وكما أثبتت التجربة -محور حديثنا - فإن هذه النخبة الدينية الظلامية الرسمية المنتفعة لا تتورع دينياً وأخلاقياً أمام الناس عن لعق ما كانت تُحرّمه بالأمس وتحليله اليوم ما تُقدم السلطة العربية على أخذ زمام المبادرة بيدها لتشريع وإقرار أي مسألة ذات صلة بالحقوق العامة مادام تحليلها محسوم دينياً لدى غالبية المسلمين في العالم بل ولدى الغالبية العظمى من شعبها نفسه .
ولئن كان ليس بمقدور الأنظمة العربية التخلي كُلياً في الظروف الراهنة عن أن تستمد شرعيتها - جزئياً أو كُلياً - من الإسلام في حين هي عاجزة عن تمثيل قيّمه فعلى الأقل أن تُبادر بإعادة النظر في توليفة نخبتها الدينية الرسمية الحالية بأن تجعل نسبتها الغالبة من العناصر المعتدلة المستنيرة المنفتحة على العصر وذات قدر معقول من النزاهة الحياد وعدم الذيلية المطلقة لها