نساء في مهب الريح والتهديد - الحكم العرفي - لعدم الترخيص



مزن مرشد
2006 / 2 / 18

يقفن عند الزوايا،على ناصية الطريق،وفي زحمة الأسواق،يستعطفنك الشراء ….
علبة سجائر.قداحة رخيصة.وأحياناً بعض الحشائش التي تصلح للأكل أو الدواء!!!
وفي أحسن الأحوال يبعن الطناجر التي لا تلصق والمقالي التي تتحسس الحرارة. وأخرى مطابقة لمواصفات مريم نور…
ينادين بأصوات مبحوحة أرهقها الزمن،ونشف ريقها المارة.
صيفاً،أو شتاءً،حراً،أم برداً،مطراً،أم صحواً،جميع الحالات بالنسبة لهن سواء،تراهن في أي جو وتحت أي ظرف،بثيابهن التي أصبحت تميزهن،وتدل أحياناً على المناطق التي أتوا منها.
لماذا يقفون هذه الوقفات التي لم تعد تصلح لمن هن في مثل سنهن؟
لماذا يبعن هذه الأشياء الرخيصة التي لا تتجاوز مرابحهن في أي منها أكثر من خمس ليرات سورية لا أكثر؟ وبماذ ا تكفيهن هذه الغلة القليلة يومياً؟
أليس من حق هؤلاء النسوة_وهن في مثل هذه السن_ أن يكن معززات مكرمات في أماكن تراعى فيها حرمة عمرهن وتقدم لهن الرعاية الصحية والطبية اللازمة التي إن لم يقدر عليها أبناءهن قدرت عليها دولتهن ؟
نساء تجاوز عمر الواحدة منهن الخامسة والخمسون عاماً وبانت علامات السنين واضحة على وجوههن المتعبة،إحداهن تقف في منطقة شعبية مكتظة ظهراً،نسألها…ترفض الإجابة.نسألها ما السبب؟
تقول : والله زوجي بيدبحني إذا طلعت بالراديو .
وتذهب محاولاتي إقناعها بأن التسجيل لا علاقة له بالإذاعة أسدى.والملفت في حالتها أنها تبيع السجائر بالواحدة وبررت السبب بكلمات مقتضبة للغاية "شباب بدها الدخن والباكيت غالي عليهم بيشتروا بالوحدة أوفرلهم وأربحلي"
ولم ترض أبداً أن تقول لنا لماذا تبيع الدخان؟ ولماذا تقف هنا؟ ولماذا تعمل؟
أما أم أحمد التي كانت أكثر جرأة تحدثت بصراحة واختصار وقالت:"يا بنتي ما بيجبر على المر إلا يلي أمر منه"
تركتهن ينتظرن الشارع ليغدق عليهن بمن يشتري وذهبت إلى مكان تختلف فيه النوعيات،ولا تختلف النسوة،ذهبت إلى أحد أسواق دمشق الحديثة،ووجدتهن نساء أخريات،اختارت كل واحدة منهن زاوية ومكان ليصبح مع طول الوقت،وطول الإقامة فيه يخصها وحدها لا تقربه سواها…لكن ..ما الذي يدفعهن لهذا العمل؟
الزوج العاجز؟!
من الحالات التي قد تدفع المرأة للعمل خارج المنزل وبهذه الطريقة،عدم وجود معيل لها كأن تكون أرملة ،أو مطلقة،أو أن يكون زوجها عاجز عن العمل وبالتالي تأخذ على عاتقها مهمة العمل لتامين بيتها وأطفالها وهذا حال أم خالد (57)سنة التي اضطرت للعمل مكرهة بسبب مرض زوجها بالديسك وعدم قدرته على العمل وتقول:
لقد اصبح المنزل وأولادي الثمانية مسؤوليتي وحدي،والمهم عندي انه عمل شريف أبقى محافظة فيه على شرفي وناموسي ولا احد يستطيع أن يمسني بكلمة،لكنني أشعر بالقهر الشديد على وضعي وعلى بناتي الثلاث اللواتي اصبحن بسن الزواج وأمهن ما تزال في الشارع رغم عمري،لقد أجبرني زوجي على العمل بحجة مرضه،وفوق مساعدتي له يضربني دائماً،ويشتمني ويكيل لي التهم،ويقول لي "إذا ما عجبك روحي لعند أهللك"
بس يا بنتي وين بدي روح بعد هالعمر.
ولا يكفيني مسؤوليتي عن المنزل بل أنا ملزمة أيضاً بتأمين دخان زوجي وابني البكر الذي يبيع الساعات في هذا السوق ايضاً.
ولا أستطيع الكلام فالشكوى لغير الله مذلة وما طالع بأيدي شي.
والله العظيم أتمنى أن يأتي الذي أرتاح فيه،كل ست تتمنى أن تكون معززة مكرمة في بيتها أما نحن؟‍ يا حسرتي الشرطي ببهدلنا والمكافحة بيشحطونا والناس مابيحترمونا…
ولا أخفيك أنا أكره أهلي كثيراً وأدعي عليهم كل يوم لو علموني كنت هلق عم اشتغلي شي شغلة أحسن شوي بس شو بدي أعمل هاد النصيب …
وغير الدخان ما بدي بيع؛هناك بعض النساء يحملن السجاد ويبعنه للمنازل أما أنا لا أستطيع أخشى أن أتعرض لأية مشكلة أتبهدل وبهدل بناتي،هنا أنا في الشارع صحيح لكنني معروفة ومعروف مكاني ولا أحد ييقترب مني بالسوء .
أمنيتي الوحيدة في هذه الحياة أن يقدر زوجي ما أعانيه كي أساعده وأصرف عليه وعلى الأولاد،لكنه لا يهتم أبداً،فأنا أستيقظ يومياً في الخامسة صباحاً،وهو يبقى نائماً حتى الظهر لأنه يقضي وقته ساهراً حتى الفجر مع بعض أصدقائه….هذه فقط هي أمنيتي أن أكون مثل جميع النساء اللواتي يشعرن أن لديهن أزواج مسؤولون عنهن وعن معيشتهن…لذلك أشعر بالحسد والغيرة عندما أشاهد النساء المارة من هنا مع أزواجهن وأقولها حتى يسمعها زوجي وأنا متأكدة بأنه سيضربني بعد ذلك يا بنتي أنا عم اشتغل من قلة الرجال.
غياب الزوج
وفي ظروف أخرى تعمل المرأة،وتخرج للشارع عند غياب زوجها لسبب أو لآخر،وهنا تكون الحاجة أكبر،وتكون المرأة مضطرة للعمل شاءت أم أبت.
ومن هذه الحالات حالة أم علي (60) سنة وتبيع الدخان والطناجر الصحية (أي بمواصفات مريم نور القياسية)،تحدثت أم علي عن وضعها بكثير من الأسى وقالت:
إذا بتسعفونا لنحكي وإذا كلام جرايد على الورق وبس ما بدنا"
قلنا لها إذا أسعفنا القارئ أسعفناك وإذا استجاب لكلامنا المسؤولون أجرناك…
بدأت عيناها تدمعان…ودمعها أخذ يضيع في تجاعيد وجهها العميقة فلم يجد طريقاً للسقوط قالت:
لا أستطيع الوقوف على قدمي …لكنني أرملة ولا أحد يعينني ماذا أفعل …أسرق؟
أشحذ؟ ماذا أفعل …
زوجي كان موظفاً في الدولة لكنه كان على الفاتورة يعني مياوم 000يوم000 بيوم
فلم نستطيع تحصيل شيء لا تقاعد ولا تعويض مع أنه بقي أكثر من عشر سنوات في الوظيفة ولم نجد وقتها أحداً يتواسط لنا لنحول الفاتورة إلى تثبيت أو عقد أو أي شيء ممكن أن نستفيد فيه من هذه الوظيفة …
المهم توفى الرجل وتركني أنا وخمسة أولاد ثلاث بنات وشابين …الشباب يؤدون الخدمة الإلزامية والبنات صبايا اشتغل أنا أحسن ما شغلهن بالبيوت أنا خلص راحت علي لكن بناتي ما بدي تنكسر نفسهن بالشغل بالبيوت وهون وهون
أمنيتي الوحيدة يا بنتي أن يكون لي راتبا يغنني عن العمل لأجلس في بيتي أنتظر منيتي بسلام لم يعد في هذا العمر أكثر مما مضى عمري ستين ولا زلت في الشوارع لأؤمن ربطة خبز يومياً ليس أكثر…
كسوة بيت
وليس الموت وحده سببا في غياب الرجل عن منزله فللسجن حصته هنا أيضاً،كحال أم أكرم (55) عام تبيع دخان،والتي قالت أن زوجها سجن لمدة خمس سنوات بسبب (مساجرة) أي مشاجرة …وأثناء سجنه خرجت الى الشارع تبيع الدخان وتعودت على العمل وما تزال في هذه المهنة منذ عشر سنوات أو أكثر قليلاً وتقول:
الحمد لله وضعنا المادي أفضل من الماضي بكثير فقد استطعت أن أشتري منزلاً في أحد ضواحي دمشق لأقضي الشتاء فيه فأنا أعاني من الروماتيزم وضيعتنا صعبة جداً في الشتاء.وأنا الآن أعمل أكثر من الأول عل وعسى أستطيع أن أكسي البيت وانتقل اليه شتاء…وعندما سألناها كم تحتاج من الوقت لتنتهي من كسوة المنزل قالت ليس قبل خمس أو ست سنوات- أي تكون قد بلغت الستين سنة وماتت من الروماتيزم وعندها تترك المنزل للضرة القادمة بعد وفاتها بإذن الله-
أسباب خاصة جداً
أم محمد (58) سنة تبيع الدخان وتقول أسبابي مختلفة عن أي أسباب سمعتها فأنا زوجي ابن حلال ولا يريدني أن أعمل في الطريق لكنني أصر على مساعدته،فهو يعمل مستخدم وراتبه 3000 ليرة سورية لا غير