المرأة والاعتبارات الإنسانية



حسين عجمية
2006 / 2 / 21

تتحقق الإمكانيات القادرة على إشراك المرأة في المهام المشتركة مع الرجل بكافة أنواع العمل الإنساني المرتبط ببناء مجتمعات يسودها التوافق والمشاركة في الحياة السياسية والقرارات والأنظمة والقوانين المختلفة , عندما يتحرر الوعي من القيود الفكرية وأنماط الجمود والعزلة والابتعاد عن القواعد السلفية في طريقة تحديد الأدوار المرتبطة بالجنس البشري .
فالعقل المزدوج في طريقة تعبيره عن قناعته المرتبطة بالحياة , وعدم الفصل في مسائل لا تقبل الفصل والعمل في وسط مرتبط بمفاهيم متعصبة يدخل في سلم أولياتها قي التربية إعطاء الحياة صفة متصلة بالانحراف لتحقيق واقع متصل به يقوض الجهود الإنسانية نحو تحقيق غايتها في العدالة .
فالعقول المناضلة الملتزمة بقيادة مسيرة التوجيه في الحياة من خلال تكثيف الجهود البشرية لتغيير واقع ارتهان المرأة في الحياة السياسية وقبولها الطوعي في الإدارة ورفض مصيرها المهمش في بناء الوعي والفكر الإنساني بمختلف أشكاله المرتبطة بإجراء تغيير في بنية الوجود الاجتماعي بالذات .
فالثقافة الجارية في بنية العقل البشري تتغير بالشكل فقط ومضمونها مرتبط بالمحيط التاريخي تعطي واقعاً مشابهاً لماهيتها , فالتغيرات الطفيفة في بنية المجتمعات مردها لعدم تغيير الوعي والسلوك في بنية الواقع الاجتماعي والتغيير القائم في البناء الفوقي لم يصل بعد إلى درجة المشاركة المتوازنة بين المرأة والرجل لأن الثقافة النسائية لم تصل إلى درجة التوازي مع ثقافة الذكور .
فتخصيص المهام وفق ارتباطها بالجنس يؤدي إلى إعاقة بناء مهام مشتركة للبشر , فجميع المهام والقرارات والأفكار وغيرها عندما توحد غايتها تكوين إنسانية حقيقية يجب أن تبتعد عن التخصيص ألذكوري فكل سياسة هي سياسة للجنسين وكل قانون هو قانون للجنسين وكل ثقافة هي ثقافة للجنسين وكل صرح حضاري يجب أن يرتبط بالجنسين وكل ما يدخل ضمن المهام الإنسانية يجب أن يكون من مهام الجنسين , فالابتعاد عن الإدارة الوحيدة الجانب وتحويلها إلى إدارة إنسانية والسياسة إلى سياسة إنسانية والقرارات إلى قرارات إنسانية , بمعنى اعتبار الكائن الأنثوي كائن إنساني بإلغاء كل تعريف مرتبط بالجنس هو ما يؤدي إلى وصول التوافق والبناء المشترك لجميع العناصر المرتبطة بالحياة الإنسانية .
فالمهام والوظائف المؤهلة للقيادة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يجب أن تكون مشتركة ومتوازنة – رئيس دولة إلى جانب رئيسة للدولة –رئيس وزراء ورئيسة وزراء – قاضي وقاضية – مدير ومديرة - ....إلخ
فالازدواجية القيادية تعطي الحياة بنية ثنائية موحدة مرتبطة بجميع المهام والمناصب بجميع أنواعها بالثنائية الجنسية الموحدة , وجميع القوانين والقرارات والثقافات ترتبط بالثنائية الموحدة حتى تتأكد النساء في العالم أجمع بأن الحياة الإنسانية واحدة ومسؤولياتها مرتبطة بالوحدة الثنائية للبشر , عندها يمكن أن نصل إلى الوحدة الإنسانية في المشاركة السياسية والاقتصادية وكل فعالية تندرج ضمن المهام الإنسانية .
ومهما كان التبجح قائماً حول المساواة بين الجنسين ستبقى حقيقة مضامينه وهماً لأن الحياة تبنى من جانب الذكور فقط , إذ لا يكفي أن نضع وزيرة في وزارة أو تصل امرأة إلى رئاسة دولة أو أكثر ما دامت القيادة من احتكار الذكور فالنساء نصف البشرية عددياً والجانب التمثيلي لهذا العدد لا يذكر .
ما الفائدة أن نطرح حقوق المرأة أو اليوم العالمي للمرأة إذا كانت جميع الأيام الباقية موظفة للرجل , فالعلاقة الثنائية مرتبطة بالأسس التابعة لوجود الاثنين, فالحياة لا تستمر في جانب واحد فقط سواء اقتصرت على المرأة أو الرجل لأنها مستمرة بوجود الاثنين وهما يمثلا البنية الحقيقية لوجود المجتمعات الإنسانية والثقافة السلفية السابقة لم تعترف بها كحقيقة جوهرية بالرغم من جميع النشاطات التي أحرزتها النساء عبر التاريخ الإنساني ويستمر التجهيل وتغييب الحقائق أمام بنية هذا الوجود وعلينا الاعتراف بعجزنا عن المتابعة في صناعة التاريخ البشري بدون المشاركة المتساوية مع النساء .
فالمشاركة التكاملية مرتبطة بإدخال الجنسية في بناء التاريخ وتحميل النساء مسؤولية مباشرة في القيادة المتوازنة والمتكافئة للطرفين وإدراج الثقافة النسائية بالتوازي مع ثقافة الرجال في بناء الحضارة الإنسانية ومن السخف الاحتجاج بعجز المرأة عن القيام بأعمال مرتبطة بالرجال ما دام الرجال عاجزين عن القيام بأعمال مرتبطة بالنساء , فالوجود المتذرع بالأضاليل والأوهام والأفكار الخبيثة والساقطة عن النساء تعيق الوعي المتجه نحو توحيد الارتباط بين الاثنين في مسائل الوجود.
فالحقيقة معروفة لأنها بديهية فالعضوية واحدة والطاقات موحدة لإقامة بناء إنساني يبتعد عن الظلم الجنسي عندما تتوفر نفس الحقوق للطرفين وعندما يغيب الطرف السائد وتصبح السيادة تماثل الوعي والمهام في إنجاز جميع الإجراءات الكفيلة بقلب حياة البشر من صيغة التفرد إلى صيغة التوحد في بناء الوجود المشترك وعندما تتخذ جميع الأوصاف دلالتها الحقيقية بدون الشعور بالإهانة فإذا كانت المرأة تهان بكرامتها عن سلوك تقدم عليه بحرية وإرادة لا يمكن ان تحدث المساواة وسيبقى الانحراف جاريا في مسيرة الوجود البشري لأن الأعمال المسيئة للمراة تظل قائمة في البنيته الاجتماعية فالأهمية متوازنة عند الطرفين والضرورة مرتبطة بالطرفين فلماذا التبجح بالسيادة والفوقية و حرمان العنصر النسائي من المهام الضرورية والتعليم والسياسة والانخراط في بنية المجتمع بنفس المكانة المقررة للرجال ويبقى الكلام لا يرتقي إلى مستوى الفعل نظرا لأن جميع المطالب تظل ضمن إطار نظري لا يتفق مع الأوضاع القادرة على إخراج المرأة من سجن التبعية والجمود بدون أن تبدأ النساء بإنجاز إجراءات سريعة لربط جميع المهام الاجتماعية والسياسية بأوضاعهن وتحقيق التماثل السابق الذكر في الإدارة الثنائية في جميع المرافق الحيوية والمناصب السياسية والاقتصادية وجميع المجالات المولدة للتقدم وتغيير طبيعة المعارف البشرية عن النساء .
فالجمال زينة الوجود وأساس ارتياح السريرة والانشراح وتأمين البهجة والإشراق للوجوه الإنسانية فإن ارتباطه بالنساء يعمق الحياة ويعطي أللأبعاد الكاملة بين الجنسين وعندما يرتفع جمال المرأة للاقتران بثقافة عميقة متطورة قادرة على إلغاء وتجاوز القهر بالمسار التاريخي لوجودهن يمكن أن تتعمق الثقافة النسائية في احترام الرجل لها ويقترن النشاط بالمحبة والتوافق وتقوم بإدخال عمق آخر أكثر بعدا وتقديرا للمرأة بالارتباط القادر على إدخال المرأة في جميع الأنشطة الإنسانية كما دخلت النشاط الفني وأعطت الشاشة الصغيرة معنى الجاذبية والراحة النفسية لكل المشاهدين في العالم.