تحرير المرأة هدف لتحرير الإنسان



عباس علي العلي
2017 / 12 / 22

تحرير المرأة هدف لتحرير الإنسان


الذين يرفعون شعار تحرير المرأة وأطلاق قدرتها على الحركة والعمل والأنتاج الأجتماعي ليسوا أكثر من دعاة حقيقين لتحرير الإنسان من قيود صنعها بنفسه لنفسه، ولا يدري أنه بذلك يحط من إنسانيته ليرضي أوهاما زرعها البعض في عقولهم لتخفي أهدافا وغايات لا علاقة لها لا بمشروع السماء ولا بحقيقة الوجود الطبيعي، فمن لا يؤمن بحرية نصف المجتمع لا يؤمن بأنه وجوده المتنوع المتشكل حقيقية، كما لا يثق بمن يؤمن أنه أراد بهذا التنوع الكيفي أن تستمر الحياة، القضية لو نظرنا لها خارج نطاق الأنا المتزاحمة تبدو بشكلها الأعتيادي مسألة منافسة ومزاحمة، لذا فمن الأفضل أن تغلق الأبواب مرة واحدة ويكتفي الذكر البشري بقوة عضلاته التي لا بد لها أن تنفرد بالقوة والحركة والوجود.
القضية التي ينادى بها والتي تشكل جزء من أعادة الأعتبار للوعي الإنساني بوجوده ليست قضية هامشية أو أنها نوع من الترف الفكري المتبجح به، ولا هي قضية إرادة منحرفة كما يصورها التيار المحافظ المرتبط بفكر الكهنوت الديني والأجتماعي، لا بد للمرأة أن تكون محمول وحامل لفكرة التكامل المجتمعي وأعادة التوازن للذات البشرية بصنفيها، وإلا سنبقى معلقين ومتعلقين بطرف واحد يجعل الخلل متعاظما كلما تكاثرت وتطورت الحاجة للوعي وللمعرفة وللوجود الحي، هنا لا أردد مقولة عقيمة ولا أبشر بعالم أخر خيالي، إنها واحدة من أهم أهداف النهضة الإنسانية المتماهية مع الوجود الطبيعي ومتسقة مع قانون البقاء المتكامل للجنس البشري.
ولا بد من الإشارة أيضا أن عملية تحرير المرأة وأعادتها للحياة كفاعل رئيسي لا تنفصل ولا تتقاطع مع حق المرأة أيضا في أن تكون هي القائد والداعي والمناضل من أجل تلك الحقوق والكفاح اليومي والتفصيلي من أجلها، إن ترك الأمر على الرجال الذين يرون في الهدف والغاية من وراء قضية تحرير المرأة هو أعتراف ضمني منها أنها قاصرة وأنها بحاجة إلى من يجعلها في الموقف الذي يجب أن تكون فيه، وهنا عليها الأعتماد على ذلك كلها وأن تكون هي الداعي الذي لا يفتر عن المطالبة بالحق ولو أستغرق ذلك منها أن تضحي ببعض ما تكسبه من مكاسب بسيطة فرضها الواقع وأملتها الظروف.
صحيح أننا نعترف أن الواقع لا يساعد ولا يساهم براهنيته الآن على أن تتولى المرأة زمام الأمور، وصحيح أن قوة التيار المعادي لها ولحقوقها من القوة والقدرة على فرض رؤيته معتمدا على دوافع دينية وأجتماعية مزيفة ولكنها مقبولة أجتماعيا، ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نستسلم لمرادات هذا التيار وقوته، وأن لا نخضع للأبتزاز والتفريط في فرض ما لا يمكن أن يكون حقيقيا، لأننا بذلك لا نخسر فقط قضية التحرير بل نفرط أيضا بحقيقة وجود وعينا وأصالته وقدرته على أنجاز كامل عملية التصحيح الأجتماعي وأعادة المسيرة الإنسانية لخطها الطبيعي.
من يقرأ فكر الأديان وليس من يتبع أراء الفقهاء والمدونين الدينيين لا يجد أي أشارة تفرق بين كونية الإنسان وتقسيمه إلى مجتمع ضعيف وعائل ومهمش، ومجتمع مهيمن ومسيطر ومتفرد بالتصرف، فالله في النصوص الدينية يخاطب الإنسان كوحدة واحدة وأحيانا يعزز هذا التخاطب بنوع من العمومية المطلقة لتأكيد نهجه بأن الإنسان واحد، فلو تأملنا الصيغ الجمعية والتي فيها رؤية كونية وكلية نجد أنها تلك النصوص التي ترتب الواقع عاما ومشموليا، أما النصوص التفصيلية والتي تؤخذ من التنوع حقيقية فهي ترتب الواجبات والحقوق تبعا للواقع الطبيعي للفرد المخاطب.
هذه الحقيقية كثيرا ما يغيبها رجال الدين ويتعمد المسير عليها رجال المنظومة الأجتماعية التي لا تعرف حقيقة الأمر إلا من خلال الرافد التقليدي رجل الدين المحاط بالقداسة والتبجيل، لذا ترسخت النظرة الدونية والتهميشية الإقصائية للمرأة نتيجة تواطؤ الزيف والتحريف مع الجهل وعدم العلم بحقيقة الموضوع الكلية كما أرادها الدين والديان، لذا فمهمة دعاة تحرير المرأة ليس فقط تنبيه الناس لحقها الوجودي فقط، بل يتعدى ذلك إلى فضح التواطؤ هذا وكشف المستتر من الأمر الذي تحرص على بقلئه المؤسسة الدينية المحرفة والمؤسسة الأجتماعية التي تتبع الكهنوت كما يتبع الظل صاحبه.
إن الأنحرافات الأجتماعية غالبا ما تنشأ نتيجة فهم غير حقيقي لمبادئ حقيقية يستخدمها البعض لأغراض شخصية خاصة في المجال الديني والأجتماعي، ويتم تحويلها إلى مقدسات وأفكار نهائية لا يمكن المساس بها، وحينما يعود الإنسان المتعقل لدراسة هذه الظاهرة أو تلك لا يجد أي معطيات أو مقدمات حقيقية لها، فيكتشف مدى الخداع والزيف والتحريف الذي جر القضية إلى زوايا مظلمة وغير طبيعية، حينها يتذرع الكهنوتي والأجتماعي بمختلف الأعذار والحجج ويستخدم مفاهيم مثل الشرف والفضيلة والضرورة الأجتماعية وما أستقر عليه المجتمع كمبررات للدفاع عن فكرته، وكأن الدين ورب الدين لم يستدل على هذه المفردات ولم يعرفها أصلا.