السلام المفقود في ممالك الحب



مها أحمد
2006 / 3 / 1

إذا حلا لك أن تجرب الدخول إلى إحدى ممالك الحب عذرية كانت أم عمرية, فليك أولاً أن تقرأ الشهادتين, وتدون وصيتك لأن قرار اقتحامك هذا العالم يعني ببساطة أنك مقبل على الانتحار.
فهذا عالم يصح القول فيه " الداخل مفقود والخارج مولود "
هذا هو التطور الوحيد الذي ستحصل عليه إذا سمحت لنفسك أن تعطي انتباهاً لما تسمع وتقرأ من نتاج أدبي وفني يبحث قضايا العشق والغرام.
والويل لك إذا دخلت هذا العالم معتمداً على " ثقافة " تجريدية مستندة من الروايات والأغاني والأفلام. فالحب في الموروث العربي جريمة بكل معنى الكلمة فيها قاتل ومقتول, ضحية وجانٍ, وأحلى حكايا الحب تنتهي بجنون العاشق أو انتحار المحبوبة.
وهذا التعقيد مبني أساساً على تاريخ بدوي قديم قائم على الكبت وحيث النساء حبيسات خدورهن والعذارى محميات بسيوف رجال القبيلة التي تأخذ على عاتقها صون الشرف الرفيع من الأذى ومع أن المحبوبة لم تكن تعدم الحيلة للقاء حبيبها فتراها تورد الإبل عين الماء لتشرب هي والإبل كل من منهله!.. إلا أنه يحدث أحياناً أن تستعذب المحبوبة ماء نبع آخر فتخلف موعدها وتترك العاشق منتظراً عند العين... وهذا طبيعي, تلك الفناة التي لا تحضر أبداً في أية أغنية أو قصيدة حيث تعتقد لشدة غيابها أنها سراب يهيم وراءه الشاعر منتهياً به الأمر إلى الجنون. وأكثر ما يحسد عليه عشاق الروايات والأفلام هو نفسهم الطويل وقدرتهم العجيبة على الانتظار الذي يمتد سنوات وسنوات وصبرهم على صد لا مبرر له وهجران يضني الجفون, مما يجعل الإقامة الدائمة في مدن الحب اقرب إلى الأشغال الشاقة, فالمحبوبة دوماً قاسية عيناها السهام القتالة, شفتاها تذكر العاشق بنصل السيوف المخضبة بالدم , قامتها ممشوقة كرمح ورموشها دبّاحة كخنجر, وخلاصة القول أن امرأة الأغاني والقصائد يمكن وصفها بلغة هذه الأيام بالقول مثلاً: المرأة سريعة الطلقات ولهذا يبدو طبيعياً أن يقال: وقع فلان صريع الهوى!..
وحدث أن دخلت المرأة عالم الفن والأدب على نطاق واسع وأول ما فعلته أثبتت أنها ليست أقل مازوشية من الرجل, فأجادت تماماً دور الضحية, وراحت تقول الروائع في الحبيب الظالم الذي لا يرحم ضعفها ويتركها مسهدة تذرف الدموع فوق وسادة خالية.
كلنا يدرك أن لثنائية المرأة – الرجل خصوصية غريبة تضفي على هذا الكون إثارة محببة, فعلاقتهما في أي بعد لها تجمع تناقضات كثيرة لكن بسيطة, وهذا طبيعي بين جنسين مختلفين لكنهما لم يكونا أبداً عدوين يكر أحدهما فيفر الآخر, وليس الحب بينهما ساحة قتال لا بد أن تنجلي عن غالب ومغلوب. وحتى لو كان الأمر كذلك فقد حان الوقت لنقترح هدنة أو فك اشتباك ليسود السلام بين الأحبة, فليس معقولاً أن تتصالح الصين وأريكا على ما بينهما في الوقت الذي تقول فيه الحبيبة لمحبوبها " قتلتني مرتين " !..
لكن رغم كل شيء لا بد أن نشكر من يمنحنا بين الحين والآخر أعمالاً مثل " بلا ولا شي " ثم " ضاق خلقي يا صبي " و " ليه عم تعمل هيك " , وشكرنا كبير بقدر التلقائية التي يحدثنا بها عن الحب الطبيعي لا حب الأفلام.
تحية إلى زياد الرحباني.