وطن بلا متسول



محمد سرتي
2018 / 1 / 7

حملة "الراتب ما يكفي الحاجة" كم هي مخزية عندما تنم عن سطوة العقلية التسولية على البعض، مع الأسف، من ابناء الجيل الشاب المعقود بنواصيه الآمال. ولحسن الحظ أن هذا البعض، الذي لا ينتمي لا إلى الحاضر ولا المستقبل، لم يعد يمثل الأغلبية بعد سقوط داعش، عسكرياً وفكرياً وثقافياً. تلك البقايا الموشكة على الانقراض، والتي أثبتت، في الماضي، فشلها في تحمل مسؤولية (لتكونوا شهداء على الناس) أثبتت الآن، مجدداً، فشلها في القيام بأبسط العمليات الحسابية، فضلاً عن العمليات الرياضية المعقدة التي لا يمكن لحضارة أن تقوم دون الاعتماد عليها.
يخرج أحدهم متميلحاً/متحلوناً بمقطع فيديو ضمن تيار "مع الخيل يا شقرا" ليعلنها مدوية بأن راتبه البالغ ثلاثة آلاف ريال لا يكفي مصروف جيبه فيضطر لـ "مد يده" إلى والده ليكمل الباقي. وبحسبة بسيطة: لو استأجر شقة صغيرة من غرفتين بألف ريال شهرياً (12000 سنوياً) لصفي معه ألفي ريال مصروف جيب خالص، أما الفواتير فيتحملها عنه حساب المواطن، ولو أحسن ترشيد استهلاكه لغطى حساب المواطن فواتيره وبنزين سيارته بالكامل. أما إذا ادعى أن ألفي ريال شهرياً لا تكفي مصروف جيب شخص واحد فقط، ليس لديه أي التزامات، فالعيب ليس في الألفي ريال بل فيه هو.
ولكنه قد يبالغ في التميلح/التحلون زاعماً أن المشكلة تتعلق بالزواج، فالألفي ريال وإن غطت جميع احتياجاته الشخصية إلا أنه لا يستطيع الـ "تحويش" بغرض الزواج!
لماذا، يا هذا، يجب أن تحوش لتتزوج؟! لماذا لا تذهب مباشرة، الآن وفوراً، إلى إحدى زميلاتك في العمل، وتقف أمامها كالرجال قائلاً: خطبتك لنفسي دون مهر، دون شبكة، دون ذهب لأمك، دون رضوة لأبيك، دون سيارة لأخيك، دون فستان لأختك، دون مئة ذبيحة لأفراد قبيلتك، لا أملك سوى شقة مستأجرة من غرفتين، بها القليل جداً من الجهاز، والمتواضع جداً من العفش، والكثير الكثير من الحب. فلو كانت بنت أمها حقاً لقالت لك مباشرة :"قبلت". ولذهبت معك مباشرة إلى أقرب مأذون، ومنه إلى شقتك المتواضعة لتضع راتبها على راتبك فيصبح ستة آلاف ريال شهرياً، تدفعون منه ألفاً للإيجار فيصفى معكم خمسة آلاف خالصة لا يشارككم فيها أحد، ألا تكفي خمسة آلاف لإعاشة شخصين اثنين فقط لا غير! خصوصاً بعد أن يتضاعف حساب المواطن ويغطي فواتيركم وبنزينكم ويزيد!
أما إن كنت لا تزال تعيش ثقافة الأرانب وتريدها "ست بيت" وظيفتها الوحيدة إنجاب العيال وأنت تتحمل وحدك جميع الامدادات اللوجستية؛ ففي هذه الحالة لو كان راتبك ثلاثين ألفاً لن يكفيك. ستظل تكتب في "معاريض" التسول دون جدوى لأنك إنما تنفخ في قربة مقطوعة. وستظل أرنبتك المتفرغة تطاردك بأفواه عيالها حتى تمتص آخر قطرات دمك، بعد أن تكون قد استغلت فيك رغبتك المريضة بتخليد جيناتك النادرة التي لو انقرضت من الوجود، لا سمح الله، فستختل موازين الكون. ثم بعد أن لا يبقى في وجهك قطرة دم؛ تتركك أرنبتك غارقاً في ديونك، وتذهب لتبحث لعيالها عمن يدفع أكثر. أما أنت فإما أن تقضي بقية عمرك تكتب في معاريض التسول والاستجداء، وإما أن تبحث لنفسك عن ثغرة تنفجر فيها بحقدك، وإن كانت مجرد ارتفاع سعر البنزين أو فاتورة الكهرباء أو حتى علبة السجائر.
الحق الحق أقول لك: إن كنت لا تزال تعاني هذه العقلية التسولية فعليك التحرر منها الآن وفوراً، وإلا لن تجد لنفسك مكاناً "بيننا" في رؤية 2030