ذا بوست



عائشة خليل
2018 / 2 / 21

ذا بوست" عنوان الفيلم الأمريكي الذي صدر في أواخر الشهر الماضي، وتعرضه السينمات في القاهرة هذا الأسبوع. الفيلم من بطولة ميريل ستريب وتوم هانكس ومن إخراج ستيفن سبلبورج. أسماء متميزة تشي بفيلم متميز تجعلنا نتغاضى عن أسعار التذاكر المرتفعة باضطراد.

يحكى الفيلم قصة واقعية عن صحفيي الواشنطون بوست الذين تدخلوا عام ١٩٧١ لنشر وثائق مسربة من البنتاجون توضح تورط الحكومات الأمريكية المتعاقبة في الحرب في فيتنام.
ونود هنا أن نركز على الدور النسائي بالفيلم. تقوم ستريب بدور كاثرين جراهم التي امتلكت عائلتها الجريدة مابين ١٩٣٣ وحتى بيعها في ٢٠١٣ على يد أحفادها.
اشترى والد كاثرين جريدة الواشنطون بوست في مزاد عام ١٩٣٣، ثم أورث الجريدة لزوجها عام ١٩٤٦، وحين توفى زوجها ١٩٦٣، ورثت كاثرين الجريدة وقامت على إدارتها، وحين أورثتها إلى ابنها، كانت كاثرين قد وضعت الجريدة في مصاف الجرائد القومية التي تلفت إليها أنظار العالم. إلا أنها في بداية حياتها المهنية كانت تحيط نفسها بمجموعة من المستشارين )الرجال) الذين لا يرونها أهل لإدارة الجريدة، ويدللون على صحة اعتقادهم بسؤال : لماذا لم يضع والدها مستقبل الجريدة بين يدي ابنته؟
والجواب المتوقع: لأنه يعلم مدى محدودية إمكانيات كاثرين .. ويخيم هذا الاعتقاد على كل من يتعامل مع كاثرين حتى تقتنع هي نفسها بذلك .. فنراها في الفيلم مترددة في اتخاذ القرارات، تتحدث همسا وبتردد فيقاطعها الرجال، أو يتحدثون نيابة عنها ... هي غير مؤهلة بكل المقاييس، وتتردد في التعبير عن رأيها .. وتؤدي ميريل ستريب هذا الدور ببراعتها المعهودة. ثم تأتي قضية مفصلية، تنشر "النيويورك تايمز" بعض وثائق عن حرب فيتنام، فتأمر المحكمة النيويورك تايمز بعدم النشر، وتحصل "الواشنطون بوست" على نسخة من الوثائق، فيصبح السؤال الوجودي هو: هل ننشر الوثائق المسربة ونزج بأنفسنا في صراع محتمل مع إدارة نيكسون التي لا ترتاح أصلا للسياسة التحريرية للواشنطون بوست، وبالذات أننا في خضم معركة طرح أسهم الشركة للتداول في البورصة قد نخسرها إذا أثرنا عاصفة النشر؟ سؤال هاملت الأزلي.
يتكون فريقان :
الأول برئاسة بن برادلي، رئيس التحرير، الذي يريد هو وفريق متميز من الصحفيين النشر، ويهددوا بالاستقالة في حالة عدم نشر الوثائق،
والثاني برئاسة محامي السيدة جراهم الذي يؤكد على المخاطر المنطوية على مغامرة النشر.
تتخذ كاثرين القرار وهي مترددة إلى حد ما: يجب أن تقوم الواشنطون بوست بواجبها المهني بنشر ما لديها من وثائق.
تدخل كاثرين جراهم إلى مبنى المحكمة وسط تظاهرة تدعم حق النشر. وفي مشهد رقيق، تعرب سكرتيرة المدعى العام لكاثرين جراهم عن دعمها الشخصي لموقف الصحف. ويأتي قرار هيئة المحلفين لصالحهم، ويذيله القاضي بتعليل عذب عن أهمية حرية الصحافة وحق النشر.
ونرى كيف أثر القرار المحوري في شخصية كاثرين جراهم، فهي ما أن تتخذ القرار) وحتى قبل الحكم لصالح جريدتها( تكتسب ثقة متزايدة بالنفس، فتتكلم بثقة، وتعلن بصراحة أن الجريدة كانت دائما جزءا من حياتها ولذا هي تخاف عليها أكثر من أي شخص آخر.
وتضيف بحسم "ومن لا يشاطرني الرؤية، يجب ألا يزاملني في مجلس الإدارة".
ولابد أن الحكم لصالح قرارها، قد أكسبها المزيد من الثقة بالنفس. فتتالت نجاحات الواشنطون بوست بقيادتها وأهمها تفجير فضيحية الواتر جيت في ١٩٧٢، والحصول على جائزة بلاتزر الأدبية عام ١٩٧٣.
تدور أحداث الفيلم في منتصف ١٩٧١، ومازالت الثورة النسوية مشتعلة بالولايات المتحدة، وقد تحسنت الكثير من الأوضاع المهنية للسيدات العاملات، وتخطين حاجز حصرهن لعقود في أدوار تقليدية في سوق العمل مثل المعلمة والممرضة والسكرتيرة والتي هي بالأساس امتداد لأدوارهن التقليدية في المنزل. ولكن السيدات لم يتربعن في ذلك الوقت على عروش ممالك صغيرة، وإن جاءت بهن الصدفة فلا رأي حقيقي لهن، وإنما انعكاس لآراء مستشاريهن.
يؤرخ الفيلم إذًا في جانب من جوانبه، لتلك اللحظة التاريخية التي أخذت فيه سيدة بكامل زمام أمور مملكتها الصغيرة في يديها.