ياسمين آذار تاجاً يليق بهامات السوريات



إيمان أحمد ونوس
2018 / 3 / 3



للعام السابع على التوالي يحلُّ عيد المرأة في ظلّ ظروف استثنائية حملت المرأة السورية على تجرّع الكثير من المرارة والأسى لما طال حياتها من قتل وفقر وبرد وآلام وحزن على مساحة وطن شبه مُدمّر وما زال دم أبنائه مُستباحاً، ممّا يُبقي ذكراه مناسبة تتشح بدموع وأنين الأمهات الثكالى..
يعود العيد ولا زالت المرأة السورية تعمل جاهدة من أجل لملمة أشلاءها المبعثرة ما بين الواقع المُفجِع والحياة المريرة.. ولا أمل يلوح في الأفق بإمكانية انتهاء تلك المأساة الإنسانية التي جعلتها المُعيل الوحيد للأبناء والأهل، وغالباً بلا مورد مالي يُعينها على مسؤولياتها الجسام، ما دفعها للبحث عن أيّ عمل يفي أَجره مهما كان ضئيلاً بتأمين رغيف الخبز، وحين لم تجد لها مكاناً في مهن تألفها حاولت اقتحام مجالات عمل كانت إلى زمن قريب حكراً على الرجال، مُستغلة خلو هذه المهن من عمالها من جهة، ومن جهة أخرى لتُثبِتَ للمجتمع أنها ليست أقلُّ شأناً من الرجل في أيّ مهنة مهما كانت صعبة أو شّاقّة. والأمثلة في واقعنا اليوم كثيرة نراها أنّى اتجهنا.
يأتي العيد والمرأة السورية ما زالت ترنو لقوانين وتشريعات تنصفها وتُساويها مع الرجل بعدما أثبتت فعلاً وبكل جدارة وجرأة واقتدار أنها لا تقلّ عزيمة وصبراً وشأناً عن الرجال إن لم تتفوّق عليهم اليوم. وانطلاقاً من هذا الواقع الذي فرض نفسه على الجميع، لا زالت المرأة تسعى باتجاه قوانين حضارية تُشرّع استناداً إلى ما وصلت إليه من مستويات تعليمية وثقافية وعملية أهّلتها لمناصب ومكانة أثبتت من خلالها أنها جديرة فعلاً بها، وليس بقوانين وتشريعات متخلّفة سُنَّت منذ قرون ولم تعد تتوافق وهذا الواقع المُشرّف لنساء سورية كقانون الأحوال الشخصية والجنسية الذين لا يريا في المرأة سوى موطوءة وتابعة في الولاية لرجال القبيلة مهما صغُر شأنهم وعمرهم وهي التي جالت في جميع ميادين العلم والعمل.
لقد خاضت النساء عموماً وما زالت، لاسيما أولئك الناشطات في الحقل النسوي نضالاً عنيداً في سبيل وصول المرأة إلى المساواة الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتبنّت التنظيمات النسوية أجندات واقعية من صميم معاناة المرأة، لكن، هذا العمل المضني والنضال العنيد لم يلقَ إلاّ فيما ندر التقدير أو الآذان الصاغية من قبل المعنيين لأسباب مختلفة أهمها عدم القناعة المتجذّرة بحقوق المرأة ونضالها، وكذلك الوقوف إلى جانب رجال الدين الذين حاربوا وخوّنوا أولئك الناشطات، وبالتالي عرقلة تحقيق أيٍّ منها، إضافة إلى التشكيك الدائم في نزاهة بعض الناشطات حتى من الأوساط التي تدعي العلمانية، مما جعل جميع تلك الجهود تبوء بالإهمال والتجاهل أمام صعود التيارات المتشددة والداعية إلى عودة المرأة ليس فقط إلى داخل أسوار الحرملك، بل إلى مغاور وكهوف العصر الحجري بكل ما فيه.
يحلُّ الثامن من آذار هذا العام، وما زالت أزهاره عصيّة على التبرعم والتفتّح طالما بقيت السوريات أول دافعي ضرائب الحرب والتقاليد والقيم المجتمعية.. وآخر من يستحق التقدير والاهتمام.
لكن هذا لا يعني التهاون أو التراجع والاستسلام، بل يعني مزيداً من الإصرار على الوصول إلى دولة مدنية بكل ما تعنيه وتحمله هذه المدنية من علمانية ومواطنة حقيقية بعيدة عن تشريعات الأديان التي لم تُثبت إنصافاً للإنسان عموماً وللمرأة خصوصاً.. ويبقى الأمل زاداً لنا نحن السوريات اللواتي اعتدن على تخطي المحن بكثير من التفاؤل والصبر، أملاً بغدٍ يحمل الفرح والأمان والاستقرار والمساواة في وطن يسوده السلام فيتبرعم آذار ويُزهر ياسمينه مجدداً ليكون تاجاً يليق بنساء سورية أينما كُنَّ.