بتحرر المرأة يتحرر العقل



صليبا جبرا طويل
2018 / 3 / 4

لا تحترم المرأة لأمومتها، او لأخوتها، او لبنوتها فقط ،
لكن لكونها مخلوق عاقل كامل اسوة بالرجل.

المرأة كائن حي ،انسان، فرد في الاسرة البشرية، ليست جزءاً من مقتنياتنا واملاكنا ، ليست ملكاً عقارياً، ليست سلعة. هي حجر زاوية في المجتمع، لها روح وجسد ،عقل كامل يفكر، تمتلك احاسيس انسانية مرهفة فياضة جياشة تتناسب مع وضعها الاجتماعي، ودورها البيولوجي، لها كرامتها واحترامها. تعي جيدا معنى الحريات، والحقوق، والمساواة ، وكيفية التعامل معها جيدا لتحقق وتنمي شخصيتها المستقلة دون قيود، أو ارادات الآخرين، بعيدا عن فريق او طرف، يحددها أو ينتقص منها شيئا في مجتمعات منغلقة، ملازمة لفكر جامد متصحر بالي يدعي التحضر.

اهتمامنا في تحجيم دور المرأة وحصره في الانجاب، وقولبة عقلها بتحديد امكاناتها الفكرية، اكثر من اهتمامنا في قضايانا المصيرية والتنموية، التي اوصلتنا الى ادني مستويات في سلم التطور التقني العالمي المعاصر والابداع الفكري المستنير. بعزلها عزلنا انفسنا، اشعلنا في ذاتنا خوف غير مبرر نحوها مبني على حجج واهية، فرضنا عليها انماط سلوكية، تقليدية قديمة لا تتماشى مع الزمن المعاصر... الا يثير هكذا سلوك الاشمئزاز، ويبعث روح التمرد فينا وفيها.

الرجال والنساء متساوون ، في الوقت نفسه ليسوا متماثلين، يجب عدم الخلط بين المساواة والتماثل كما يحلو لبعض المروجين المناهضين المدججين بأقوال وافكار باهته يقفون سدا منيعا ضد الحركات النسوية النهضوية، المصرين على سيادة الرجل ودونية المرأة، ليعملوا من خلال مخططاتهم الرجعية على تعطيل مشاريعها التحررية وتجريدها من حقوقها الانسانية، تساندهم فئات ضالة تمثل نسبة عددية قليلة جدا لكنها تمتلك قوة ثائريه انتقامية ارهابية. نحن نختلف عن بعضنا البعض من حيث الصفات النفسية، والتركيبة الجسدية المميزة لجنسيتنا، ونتساوى في كل امور الحياة .

ليتذكر كل مؤمن، أن الآلهة في الاساطير، كان منها نساء، وكان منها رجال، تعيش خالدة في السماء ولها ذرية وابناء. في بعض الثقافات الدينية هناك اله واحد - تمجد اسمه- مالك وخالق الكون، بما انه خالق غير مخلوق يمتلك القدرة على تشكيل الكون كما يراه مناسبا للحياة. خلق الانسان على صورته ومثاله، خلقهما ذكراً وانثى، ذلك لا يعني بتاتا ان الله – سبحانه وتعالى - ذكر أو انثى أو خلافهما هو، لكنه يعنى ان الذكر والانثى هنا نفخة من روح الله، ويمتلكان الحرية والمسؤولية بالتساوي لاستكمال قصد الله سعيا لبناء الكون واعماره. بذلك يمثلا تكاملاً بيولوجياً في دائرة كونية متكاملة، دائرة لا تكتمل الا بأمر الله ووجوده.

باطن مجتمعات العالم الثالث يختلف عن ظاهرها، فان كان ظاهرها متدنٍ فكيف باطنها. المرأة في معظم هذه المجتمعات تعاني من ظلم، جور، احتقار، مهانة نابعة من تصرفات وسلوك مجتمع ذكوري يضع المرأة في منزلة أقل من منزلة الرجل، من خلال برمجة تربوية يتلقاها الفرد الذكر في سن مبكرة من قبل اهل، وحفنة رواد فكر خانق ظلامي، حاقد، يعيشون في الماضي ليتعلم بتشجيع منهم ان الذكورة صفة سلطوية تعطيه الحق في الهيمنة على الأنثى والتحكم بها. معلمون، يتمترسون وراء ادعاءات، ذرائع، ومخاوف كاذبة، مخجلة بدعوى "حمايتها" كونها الحلقة الاضعف في المجتمع. اتسأل حمايتها من مَن؟ الجواب من الذكر. ولماذا؟ لأنه يعجز عن كبح شهواته. المغالاة دليل عقم فكري، مرض سيكولوجي غير مبرر في مجتمع يعاني اصلا من ازمات نفسية وغير نفسية عديدة، في طليعتها ازمة نفسية تدعى: "عقدة اعضاء الذكر التناسلية وعلاقتها بالمرأة –الخزي والعار لهذا الانتاج الفكري الهابط -" التي لا يرى فيها الا الجنس، تولدت نتيجة غياب ثقافة سليمة، في مجتمع جامد خارج عن روح العصر والتقدم، في مجتمع لم يتمكن من تغير نظرته الشهوانية وفكره الشهواني عنها. ما يطرحه الغلاة اعتقاد زائف. حرروا عقلكم، ثقوا ببناتكم، لا تحملوهن وزر تخلفكم، لا تسقطوا عليهن تراجعكم.

حجر حرية المرأة بذريعة الخوف من الانزلاق في علاقات جنسية، دليل على الضعف التربوي المجتمعي، لا دليل على القوة التربوية. التربية السليمة تنير الفكر، وترشد العقل الى اتخاذ القرارات والخيارات السليمة الصحيحة، وبناء شخصية مستقلة قادرة على مواجهة صعوبات الحياة. الخوف يطمس شخصية المرأة وقدراتها وطاقاتها عوضا عن إبرازها . تربية المرأة وتعليمها ومعاملتها اسوة بالذكور ضرورة ثورية حتمية لإحداث نقلة اجتماعية نوعية، تقف فيها المرأة والرجل على قدم المساواة في مواجهة الافكار السلبية اللاإنسانية.

نساء اليوم دخلن في كل مجالات الحياة، يقمن بأعباء العمل والانفاق على ذاتهن. تبؤن مراكز قيادية عليا، تحملن كل الاعباء المفروضة عليهن اسوة بالرجال من زملائهن بالعمل. فان قلنا الذكور والنساء متساوون فذلك لا يعني ان الرجال فقدوا ذكورتهم والنساء فقدن انوثتهن، ولكن يعني مساواتهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بينهم. تميزهم يقاس فقط بقدراتهم العقلية على استخدام طاقاتهم الابداعية.

مساندة المرأة يكون في اخراجها من دعارة فكرنا الى سموه، ومن تبعيتها الى استقلاليتها، ومن كونها انسان ناقص العقل الى انسان كامل، ومن دناسة الجسد الى طهارته، ومن مشروع تفريخ الى بناء. ثم دعمها واعتبارها شريكة الرجل في الحياة، لها ما له من حريات وكرامة، وعليها ما عليه من حقوق وواجبات، وتتمتع بالقدر ذاته من المساواة امام القانون، خلاف ذلك اهدار وتهديد لوجودها ككائن بشري له تصورات واحلام يرغب في تحقيقها بعيدا عن الدونية التي تطمس دورها في العطاء والانتماء.

تغير نظرتنا نحوها وتحويلها من عنوان جنسي الى عنوان شريك تتحرر المرأة، كما تتحرر مساحة واسعة من عقل الرجل، تمكنه من استخدم هذه المساحة المحررة الى محاربة اصحاب الفكر الرجعي، ويعلن انتصاره على المفاهيم التقليدية البالية التي يطرحونها، لينطلق الجميع نحو مستقبل مزدهر اجمل، وافضل، واكثر ثراء، وعزة، وانسانية.