من أمام المقبرة



نادية خلوف
2018 / 3 / 7

سمعت امرأة تندب زوجها بينما تزور قبره. تسأله: كيف سوف أمضي عمري وحيدة؟
من سوف يعتني بالطّفل الذي لم يأت إلى الدنيا بعد؟
البارحة كان عرساً، و أصبح اليوم قبراً.
هل يمكن أن تصحو من موتك لتنظر إلى تلك القبور على مساحة ذلك المكان الذي أسموه وطناً؟
هل سوف أقضي عمري أندب، وألعن المجرم؟
حبيبي! لا مجرم في الموضوع. نحن المجرمون. ضحكوا علينا بمفهوم الوطن فنجوا، ومتنا. عندما رأيتك مسجى كنت تشبه الوطن.
لماذا رحلت؟
لن أبكيك. سوف ينزل دمعي على قبرك ذكرى منّي، وأرحل كي أعتني بطفلنا الذي سوف يولد.
أرغب أن أربي طفلي على عدم الشّعور بأن الأمكنة أهم من البشر. . .لذا سوف أرحل.
لا أعرف إلى أين أرحل؟
أخي في الشمال، وأبي في الشرق، وأمّي تطلّقت لآنّ أبي لا يحبّ انتماء عائلتها. لم يعد لدينا عائلة. أخي يحمل السلاح ليقاتل أبي، وكلاهما يصرخان ضد الظلم.
صديقنا أبو مروان قتل زوجته لأنّها توقفت عن بيع جسدها، ولم يعد يقبض يوميته، وذلك الشّاب الثائر مزّق أخته أمام الناس لسبب وجيه حسب رأيه، وإمام الجامع هنا يقول أبيدوا الشعب هناك، وإمام الجامع هناك يقول أبيدوا الشّعب هنا، والشيخ الذي سجن، وأصابته الأمراض هو اليوم شيخ الشّعوب. تحسنت صحته، وأصبح وجهه يلمع، وكأنّه استحمّ بالحليب. غيّر محمده، إلى محمد آخر .قائد يقول عنه أنه فيلسوف.
أنقل لك الأخبار. من بلد العلم، والقضايا والثوار. سوف يأتي الشباب بالتوالي ليعيشوا هنا في هذه المقبرة. بعضهم يدافع عن قضية وطنية، والآخر عن قضيّة قومية، أو قضية الدّين. لو تعرف كم فئة تحمي الإله اليوم. يقتلون الناس ، ويقتلون بعضهم لإرضائه. يا له من إله!
لحظة من فضلك! سوف ألقي كلمة أمام النساء هنا حيث تقف كل امرأة أمام قبر.
أيتها النساء
صباح الوطن الذي يضمّ رفاة أزواجنا وأولادنا، وإخوتنا .
صباح المقبرة.
انتهى يوم الرّجال اليوم، فقد بقي من كل فئة عدة رجال. بعضهم يصرخ باسم الله، وبعضهم يصرخ باسم الوطن، والآخر باسم القضية.
أيتها النساء يامن تقبعن وحدكن في الزّوايا المظلمة. مات أزواجنا قبل سنّ الأربعين، لذا يستحقون ان نحزن عليهم، لكن ما الذي يجري على الطرف الآخر من المقبرة أي في الوطن؟
أرى رجالاً وصلوا لسنّ الأربعين يقتلون زوجاتهم بفخر، وبعض الشباب يمزّقون أخواتهن بسكين، ويشاهدوهنّ وهن يلفظن أنفاسهن الأخيرة. بعضهم من جماعة القضية، وآخرون من جماعة الله، والبعض من جماعة الوطن، وبعض النساء يهربن جهة المقبرة.
الرجال جميعاً يهتفون: كلنا أبو مروان.

عدّت إليك حبيبي. قم من موتك للحظة لو سمحت. هل سوف أقتل أنا أيضاً من قبل أحدهم. قد يكون أخي هو وريث الرّجل البطل" أبو مروان" وربما لو بقيت على قيد الحياة لكنت أنت.
أيتها النساء: ماذا سوف نفعل كي لا يقتلنا البطل؟