منظمة التحرير الفلسطينية تكرم النساء العاملات في مؤسساتها لمناسبة يوم المرأة العالمي



تيسير خالد
2018 / 3 / 7

كلمة تيسير خالد في حفل التكريم
كرمت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومحافظ رام الله والبيرة ليلى غنام ، اليوم الأربعاء ، في مقر المنظمة بمدينة رام الله ، النساء العاملات في أطر ومؤسسات المنظمة ، لمناسبة يوم المرأة العالمي . وشارك في حفل التكريم كل من د . صائب عريقات ، تيسير خالد ، د . حنان عشراوي ، صالح رأفت ، محمود اسماعيل ، علي اسحق وعمر شحاده . فيما يلي الكلمة التي القاها تيسير خالد في حفل التكريم :

في الأصل كانت مكانة المرأة كمكانة الرجل في الاسرة البشرية ، لم تكن ملكاً ولم تكن سلعة . لأنها في الأصل حجر الزاوية في المجتمع ، تعي كما الرجل معنى الحريات ، والحقوق ، والمساواة . أما محاولة تحجيم دور المرأة وحصره في جوانب حياة معينة فقد جاءت لاحقا ، وهذه المحاولة هي التي أوصلت عديد المجتمعات الى ادني مستويات سلم التطور في عالمنا المعاصر. وغني عن القول أن محاولة فرض انماط سلوكية تقليدية على المرأة لا تتماشى مع روح العصر يبعث فيها روح التمرد بالتأكيد . وعليه فإن الأصل والحالة هذه أن تقف المرأة على قدم المساواة مع الرجل ، فالرجال والنساء متساوون ، ولكنهم في الوقت نفسه ليسوا متماثلين ، إنهما يختلفان عن بعضهم البعض في شؤون عدة تتصل بالتركيبة الجسدية المميزة للجنس ، ولكنهما يتساويان في أمور الحياة الأخرى . حتى في أساطير القدماء كانت المساواة تطرح نفسها في ارقى الصور . الآلهة في الاساطير ، كان منها رجال ، وكان منها نساء ، وذرية تعيش على الارض وأخرى تعيش في السماء .ألم يعبد أجدادنا الكنعانيون “ عشيرة ” أو “ إيلات ” زوجة إيل ، وعناة أو عشتار زوجة بعل .
أدرك طبعا أن باطن مجتمعاتنا يختلف عن ظاهره ، قد يبدو الظاهر متمدنٍا ويبدو الباطن مختلفا خاصة عندما تعم المجتمع ظواهر من ظلم ، وتصرفات وسلوك المجتمع الذكوري ، الذي يضع المرأة في منزلة أدنى ، حيث تكتسب الذكورة صفة سلطوية تعطي صاحبها دون وجه حق ، الحق في الهيمنة بحجج وذرائع حماية المرأة باعتبارها الحلقة الاضعف في المجتمع . من هنا فإن الحجر على حرية المرأة بذريعة الخوف عليها ، دليل على ضعف التربية في المجتمع . ثقافة التربية السليمة هي التي ترشد العقل الى اتخاذ القرارات والخيارات السليمة الصحيحة ، وبناء شخصية مستقلة قادرة على مواجهة صعوبات الحياة. أما الخوف عليها أي على المرأة فهي الوسيلة لطمس شخصيتها عوضا عن إبرازها . تربية المرأة وتعليمها ومعاملتها اسوة بالذكور ضرورة ثورية حتمية لإحداث نقلة اجتماعية نوعية ، تقف فيها المرأة والرجل على قدم المساواة في مواجهة الموروث المتخلف . هنا يصدق قول كارل ماركس تماما بأن التقدم الاجتماعي يقاس بالموقف الاجتماعي من تحرر المرأة ، وفي هذا حكمة بالغة ، فتغير نظرتنا وموقفنا من المرأة وتحويلها من عنوان على صلة بالجنس الى عنوان على صلة بالشراكة في الحياة يحرر مساحة واسعة من عقل الرجل ، ويمكنه من استخدم هذه المساحة المحررة في تحرير انتصاره على المفاهيم التقليدية لينطلق الجميع نحو مستقبل اكثر ثراء، واكثر انسانية.
وفي حالتنا الفلسطينية في ذكرى الثامن من آذار هذا العام لا نضيف جديدا عندما نؤكد أن النساء الفلسطينيات يواجهن ظروفاً بالغة الصعوبة والقسوة، فمن ناحية، تتواصل جرائم الاحتلال وتتسع مساحة هذه الجرائم لتطال المزيد من النساء ومن ناحية أخرى، تتزايد معاناة النساء الفلسطينيات الناجمة عن انتشار ظاهرة العنف الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني.
فما زالت الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 تشهد تصعيداً واضحا في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال والتي لا تستثنى منها النساء. وقد عاشت المرأة الفلسطينية وخاصة في الاعوام الثلاثة الماضية ظروفا صعبة وقاسية بعد ان صعدت تلك القوات من استخدام القوة المميتة ضد المرأة الفلسطينية بادعاء مواجهة الشروع في تنفيذ عمليات طعن أو الاشتباه بمحاولة تنفيذها دون أن يشكل ذلك أي تهديد لحياة جنود الاحتلال وهو ما يعني تنفيذ إعدامات ميدانية طالت عددا من نساء فلسطين ، هذا الى جانب التوسع في حملات الاعتقال ، التي طالت الاطفال كما هو الحال مع الفتاة الباسلة عهد التميمي ، التي دخلت تاريخ كفاحنا الوطني وموقعه في تراث الفن العالمي من بوابة الشبه الكبير مع القائد الأممي العظيم ارنيستو تشي جيفارا .
في الوقت نفسه وعلى الصعيد المحلي شهدت الأراضي الفلسطينية في الاعوام الماضية حوادث قتل النساء على خلفيات مختلفة، طالت العشرات من بينها حالات قتل مروعة على خلفية ما يسمى قضايا شرف العائلة .
كل هذا يدعونا إلى ضرورة المطالبة اولا بتوفير الحماية للسكان المدنيين تحت الاحتلال بمن فيهم النساء والعمل بكل السبل والامكانيات المتاحة من اجل ممارسة الضغط على سلطات الاحتلال ودفعها لاحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي وفي الوقت نفسه ودون ان نضع ذلك على قدم المساواة دعوة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال لجنتها التنفيذية ودعوة حكومة التوافق الوطني لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لوضع حد لمظاهر العنف المحلي وملاحقة مرتكبي الجرائم بحق النساء ومحاسبتهم، والوفاء بجميع الالتزامات الدولية الناجمة عن انضمام فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ،
وفي هذا السياق ، فإننا في الوقت الذي نرحب فيه بالقرارات التي اتخذتها الحكومة في اجتماعها الأخير ، التي منحت المرأة الفلسطينية بعضا من حقوق المساواة مع الرجل في شؤون عائلية ودعت الى إعادة النظر بقانون العقوبات لجهة توفير الحماية للمرأة الفلسطينية ، نؤكد أن الحماية الحقيقية للمرأة الفلسطينية في مجتمعها المحلي تتحقق عندما تجري عملية مواءمة حقوقها في التشريعات الوطنية بشكل كامل مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين والتزام نظامنا السياسي الفلسطيني بها وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو ) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة في إطار بناء منظومة قوانين عصرية تحمي الحقوق والحريات وتحارب كافة أشكال التمييز وتوفر البيئة التشريعية والاجتماعية لضمان ذلك .
أخيرا اسمحوا لي بمرور سريع على أمرين في غاية الأهمية والخطورة ، يتصل الأول بحياة المرأة الفلسطينية في قطاع غزة ويتصل الثاني بظروف عمل المرأة الفلسطينية العاملة . هنا ادعو في هذه المناسبة العظيمة ، في يوم المرأة العالمي الى رفع الظلم عن المرأة الفلسطينية ، التي تعيش ظروفا مأساوية في غزة ، تثقل الضمير الانساني وحمل معاناتها إخوة مناضلون شاركوا في الدورة الاخيرة للمجلس المركزي الفلسطيني منتصف كانون الثاني الماضي ، مثلما أدعو الى وقف استباحة حقوق المرأة العاملة ، ومعالجة ظروف عملها التي تقترب من ظروف العمل بالسخرة والى إنصافها بالضمانات الاجتماعية والصحية وبتطبيق الحد الأدنى للأجور ، الذي تم التوافق عليه قبل نحو ثلاثة أعوام .