المرأة وتجليات الأصوليين



محمود كرم
2006 / 3 / 10

حالة الصراخ والاحتجاجات ( الهستيرية ) التي انتابت فرسان الأصولية الدينية في مجلس الأمة الكويتي يومَ أن أدت الوزيرة معصومة المبارك القسم الدستوري تحت قبة البرلمان لا يمكن أن نفهمها على إنها آخر ( تجليات ) الأصوليين الاستذباحية في معركتهم الأزلية ضد المرأة ..

ورغم هزيمتهم الفادحة في معركة وأد الحق السياسي للمرأة والتي ألحقت ضرراً بالغاً بنرجسيتهم الذكورية وطغيانهم الديني وعنفوانهم القبلي إلا إنهم ما زالوا يدخرون أسلحة استراتيجية فتاكة تساعدهم في المضي قدماً نحو الثأر من ( الأنثى ) التي أفقدتهم صوابهم وجعلتهم يتحسسون ميراثهم الذكوري بشيءٍ من التوجس والتطيّر خوفاً عليه من الاندثار والضياع والتبعثر ..

كان مشهداً ( سينمائياً ) مرعباً لأولئك الأصوليين دخول ( المرأة ) مجلس البرلمان كوزيرة ولم يكونوا يتوقعون حدوث هذا المشهد ( الدراماتيكي ) حتى في أكثر أحلامهم المنامية رعباً وإزعاجاً وبعد أن فتحت سجلات الناخبين كشوفاتها للمرأة عادت توجسات الحساسية الدينية تستوطن ظواهر وخفايا جلودهم مُنذرةً إياهم بضرورة التربص بالمرأة خشية تفوقها عليهم في المقعد النيابي ..

كل الأديان ذكورية عن جدارة واستحقاق وأصوليو الكويت توارثوا هذا ( المجد ) الديني وأخذوا يتقلدونه وساماً على صدورهم معنوناً ( بسوبر إسلاميين ) ، ولذلك ليس مستغرباً أن المرأة في ثقافتهم ( المعتقة ) بالنصوص الدينية التراثية لا تتمتع بضلع مستقيم يؤهلها للمساواة مع الرجل وعليها فقط أن تبقى كائناً يحمل آثام الضلع الأعوج طوال حياتها وكذلك يجب أن تبقى أبد العمر محاصرة تحت بند العادات والتقاليد ليتم حشرها قهراً بين كماشتي العيب والحرام ..

وليس مستغرباً أن المرأة في خيالاتهم الأكثر درامية تمثل رمزاً شيطانياً يتقصد اغواء البشر فكانَ أن امتنعوا عن مجرد مصافحتها باليد خوفاً من الوقوع في حبائل ( الشهوة ) وإشكالية ( النجاسة ) وكانَ لزاماً عليهم إنطلاقاً من حرصهم على نقاء المجتمع وطهارته أن تتدثر المرأة بأسمال الفضيلة عبر العدسة الأصولية ولا تختلط بالرجال لأنها ( عورة ) تشيع الفتنة والخراب ..!!

ورغم أن التاريخ لا يعود إلى الوراء وإن فعلَ ذلك لكنتُ أول الكافرين به ، ولكننا نجد أن ( الأصوليين ) الدينيين يريدون للمرأة أن تبقى قابعة في مجاهل التاريخ وتتنكر للحاضر والمستقبل وأن تنقطع إلى ذلك الماضي السحيق الذي كانت فيه المرأة مجرد ( رقم ) لا يؤخر ولا يقدم في معادلة الرجل القاسية ..

ولا يريد الأصوليون أن يفهموا أن الزمان قد تجاوزهم بمسافات ضوئية ولم تعد المرأة تقبل وصايتهم ( الدينية ) المتسلطة وكلما أحرزت المراة انتصاراً حضارياً نعتوها بالتبعية لثقافة الاغتراب وحضارة الغرب ( المتفسخة ) وقللوا من شأن منجزها التنموي والثقافي واتهموها بعدم القدرة على تبني المسئوليات وعلى سبيل المثال وليس الحصر قرأنا كثيراً في كتابات ( الإسلاميين ) على ضوء تقلد الدكتورة معصومة مهام وزارة التخطيط عن أن الوزارة التي اسندوها لها وزارة هامشية ( لا تهش ولا تنش ) ولم يجدوا غير هذا الكلام الفارغ مبرراً لهزيمتهم غير المتوقعة في معركة وأد المرأة وطمس اسهاماتها الوطنية ..

ذكورية الأصوليين الطافحة بالنرجسية والميراث الديني لا تسمح أبداً أن تكون المرأة ( ندا ً ) لهم فضلاً عن أن تتساوى معهم في التكوين العقلي ولا يجدون غضاضة في ترديد المقولات الشهيرة ( المرأة ناقصة عقل ودين ، وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) لذلك كان امعاناً منهم في تهميش المرأة ووأدها ثقافياً وعقلياً ونفسياً أن تبقى مؤمنة بقدرها الحتمي والأبدي من حيث تبعيتها الكاملة والعمياء لهم ..

وأكثر ( التجليات ) غرابةً ودهشةً في فكر الأصوليين أن رفضهم للحق السياسي للمرأة ومن ثمّ احتجاجهم على ( توزير ) المرأة والصراخ البطولي الذي صاحبَ أداء الوزيرة للقسم الدستوري يعتبر حقاً ( ديموقراطياً ) وهو في صميم ممارستهم الديموقراطية على غرار خيارهم الديموقراطي الحر والكامل في الزواج مثنى وثلاث ورباع ..

ولا ندري أية ديموقراطية هذه التي يجب أن تبقى ( ذكورية ) خالصة لا تخالطها النكهة الأنثوية إلا إذا كانوا قد استوردوها بالفعل كنموذج حضاري يجب أن يعمم من ديموقراطية النظام الطالباني الظلامي البائد أيام الملا ( عمر ) ..

وأية ديموقراطية هذه التي عليها أن تمارس الاستبداد الذكوري الأصولي على نصف المجتمع لتصبح الأنموذج الذي يجب أن يتم تصديره للعالم الحديث والحر ..