عن التّحرّش الجنسيّ



هيام أبو الزّلف
2018 / 3 / 15

المجتمع عمومًا يتشكّل من الأسر النوويّة، والأسر النّوويّة -في مجتمعنا بالذّات- واقعة تحت سلطان الشّرائع القبليّة، والدينيّة والتقاليد المتوارثة والأعراف السّائدة وهي مجتمعةً تحدّد -فيما تحدّد- شكل ونوع العلاقة بين الذّكر والأنثى ولاحقًا بين الرّجل والمرأة، وهي علاقة قائمة على التّمييز بين الجنسيْن في مجتمع فيه كل أشكال التّمييز، فكانت نظرة الذّكر الفوقيّة والاستعلائية.
مجتمعنا العربيّ شيَّأ المرأة، فهي شيء مملوك ودونيّ يمكن إهانته، والتّحكّم فيه والتحرّش به. من هنا جاء استضعاف هذه الشّريحة.
ثمّة من يتّهم المتّبرّجات بأنهنّ من يستدرجْن الذّكور إلى التّحرّش بهنّ، وهذا غير صحيح تبعا للنسبة الكبيرة من المحجّبات اللواتي لا يشفع لهنّ الحجاب.

التكتّم على التّحرش في مجتمعنا هو بسبب سرعة وضع الضّحيّة في قفص الاتّهام، فهي المذنبة دائما، والتحرّش بالنسبة لها أسهل من عقاب الأهل والأشقّاء والمجتمع.
وفي الدّول المتقدّمة -وحتّى عندنا- يمكن أن تخاف على مستقبلها المهني، وفقدان وظيفتها في حال كان مديرها ذا شخصيّة طاغية او مدعومة، أو إذا كانت تظن أنّها وحدها المتحرش بها دون زميلاتها اللواتي لن يتكاتفن معها، بل ضدها.

قيام الرجل بالتحرش لا يقتصر على سبب واحد فقط، قلت بداية أن المسألة هي مسألة استضعاف ناجمة عن التّمييز، هذا التّمييز النّاجم عن العادات المتوارثة والأعراف المتداولة والدّين الّذي أجاز الزواج بأربع، وأثاب باثنتيْن وسبعين حوريّة في الجنّة، وأكاد أشكّ بأنه سيبقى متديّن واحد لو لم يكن هذا الأمر في الحملة الترويجيّة للدّين، لا أعزو الأمر إلى قلّة الدّين كما يدّعي البعض.. ففي الدول العلمانية هنالك روادع أخلاقية أكثر. والقدوة ((غير الحسنة)) المتمثّلة بأب سلطوي وأمّ خانعة هي أيضًا تجعل المرأة في هذه المكانة الوضيعة التي يمكن التحرش فيها واستغلالها.
وهنالك أسباب أخرى تعزى إلى المتحرش، كمرض نفسي، أو غريزة مهووسة لم يقم بتهذيبها، أو تأثير الأفلام الإباحية المتوفرة بدون رقابة في الإنترنيت وفي الفضائيات، أو اسرة لم تمدّه بأي مناعة نفسية فنشأ بدون وازع أخلاقيّ.

على ما تقدّم، يجب سنّ قوانين صارمة ضد المتحرّش إذا طلبت منه المتحرّش بها -بشكل قاطع- الكفّ عن ذلك ولم يأبه. والعقاب يمكن أن يكون ماديّا أو الحبس الفعليّ أو كلاهما معا.
واعتقد بأنّ الحلّ الجذري للأمر أن تكون التّربية في الأسرة النّوويّة تربية واقية، بمعنى أن تقوم على المساواة والاحترام المتبادل، إذْ لا يمكن أن نتصوّر اخًا خبر تعاملا عادلا من ذويهِ اللذيْن كانت لهما نفس التوقعات منه ومن شقيقته، أن يقوم بالتحرّش الجنسيّ بالفتيات ولاحقا بالنساء. وما بالكم إن كانت والدته في موقع الشّراكة في كلّ أمر.
كما يجب أن تكون المدرسة –وكل مؤسسة تربويّة- وكيلة للتغيير مضامينًا منهجية وغير منهجيّة.
ان تقوم الدّولة بإلزام القادمين على الزّواج بالتعلم عن هذه المؤسسة وكيفيّة إدارتها ماديا واجتماعيا على ان يتم إعدادهم لتقبّل الشراكة وتوزيع المهام بالعدل خاصة بعد خروج المرأة إلى العمل والمساهمة في إعالة الأسرة. وأن يتم تأهيلهم ليكونوا اهلا.
أدب الأطفال هو أحد العوامل المرسّخة للقيم والمعايير، فلينبر كل كاتب أطفال إلى معالجة مضامين تصب في صالح الأنثى فصلاح الأمة منوط بتصليح وضع الأنثى.
أمّا الحلول الإصلاحيّة فيجب ان تعنى بتمكين المرأة وتعزيز مكانتها في نظر نفسها أولا. عن طريق نواد نسائيّة ودورات استكمال في نطاق العمل.
كما يجب الوقوف على سبب التحرش ومعالجة المتحرّش حسب دوافع إقدامه على التحرّش، ففي النهاية نريده عنصرا اجتماعيا مفيدا.
وينطبق كل ما تقدم على مسألة العنف ضدّ النساء.


أما عن كشف ومواجهة التحرش الجنسي، فهو أمر إيجابيّ –في نظري- وفي غاية الأهمية، فله جانبه العلاجيّ للضّحيّة حيث يمكنها من رصد حالها وحصر ما تعرّضت له، كما أنه يساعد الأخريات على التطهر "الكتارزيس" والبدء بمعايشة الأمر والمضيّ قدما على أساس "لست وحدي" ، وقد يشكّل رادعا لمن يتحرّش أو لمن في نيّته التّحرّش لأنّه يكشف بشاعة السّلوك، كما قد يدفع السّلطات إلى سن قوانين رادعة وإلى تطبيق القوانين بشكل لا يقبل التّهاون.