محكمة النساء 17 تحاكم تأنيت الفقر



حياة البدري
2018 / 3 / 21

حاكمت محكمة النساء الرمزية 17 ، المنظمة من قبل اتحاد العمل النسائي، يوم السبت 17 مارس 2018، بغرفة الصناعة والتجارة، بمدينة طنجة، تأنيت الفقر، مطالبة السياسات العمومية، الحكومة وكل الأطراف المسؤولة عن التفقير، بتحقيق عدالة جنائية ، اجتماعية، المساواة، وبحق النساء في الثروة والأرض، والكرامة والحقوق الإنسانية، ورفع كل أنواع العنف التي لا تزال تكرس في حق النساء انطلاقا من كونهن نساء، ومحاكمة القوانين والقرارات والبرامج الحكومية.
دأب اتحاد العمل النسائي، تنظيم محكمته الرمزية كل سنة، باعتبارها آلية هامة تلعب دورا بيداغوجيا وتحسيسيا في الكشف عن كل تمظهرات وأنواع العنف التي تطال النساء، انطلاقا من عمل الاتحاد الميداني مع كل الشرائح النسائية، التي تعاني التمييز والإقصاء والتهميش وباقي أنواع العنف الأخرى، بالإضافة إلى دورها في تعزيز القدرات الترافعية للاتحاد، وتشكيل أداة للضغط والتعبئة من خلال الأحكام التي تصدرعن هيئاتها المشكلة من منظمات نسائية و حقوقية ونقابية ومن أكادميين في مختلف التخصصات و فعاليات في مجالات عديدة.

وانطلقت أشغال محكمة النساء الرمزية 17، بكلمة رئيسة اتحاد العمل النسائي، المحامية عائشة لخماس، كاشفة مدى انتشارالعنف والتمييز وارتفاع نسب الفقر والتهميش في صفوف النساء، وحرمانهن من العديد من الحقوق، ومبرزة أوضاع النساء المطلقات بالمحاكم ومشكل النفقة، و كارثة نساء بوالعلام التي راح ضحيتها 15 امرأة، ونساء معبر سبتة وامليلية، اللواتي يتعرضن للإذلال والوفاة في معبر الموت، داعية إلى التوقف عن هذه المآسي والمهازل، التي لا تظال تعرفها النساء المغربيات، وضرورة تغيير هذه الأوضاع والانتهاء من هذه المآسي النسائية، من خلال تغيير القوانيين ومدونة الأسرة.

وقدم اتحاد العمل النسائي في شخص فاطمة مغناوي، ملتمس الإحالة، إذ أبرزت أنه بالرغم من كل المجهودات الرسمية، على المستوى التشريعي والمؤسساتي التي تستهدف الحد من الفقر والقضاء عليه، فإن هناك تفاوتات كبيرة وملحوظة وتراجعا خطيرا على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عامة وفي صفوف النساء خاصة، أدت إلى تأنيت الفقر، إلى اختلالات بنيوية كبيرة وتعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية بين الجنسين. نتيجة فشل السياسات العمومية اللامساواتية وللنموذج التنموي الذي تبناه المغرب.
كما استعرضت فاطمة المغناوي خلال ملتمس الإحالة، أسماء العديد من المواطنات اللواتي قتلهن الفقر، كانتحار"مي فاتحة" بائعة الخبز بمدينة القنيطرة، وتسريح 700 امرأة بمعمل سيكوم بمكناس، ونساء مدينة الصويرة وغيرهم، وكذا التقاريرالدولية والوطنية، التي كشفت عن الرتب المتدنية التي يحتلها المغرب بين الدول، حول الفجوة بين الجنسين، كالمنتدى الاقتصادي، والرتبة التي يحتلها المغرب، 136 ضمن 144بلد، و127 في المؤشر الاقتصادي، 122 في التعليم، و128 بالمؤشر الصحي، 100بالمؤشرالسياسي).

وعرفت المحكمة الرمزية17 للنساء، التي ترأس جلستها، النقيب السابق لهيأة المحامين بطنجة، محمد الريسوني، ونائب الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بطنجة، المختارالعيادي، والمحاميات: عائشة ألحيان، جميلة الموالدي، ونجاة الشنتوف، والفاعلات الجمعويات: نادية الناير وثريا تاج الدين، وفاطمة لخماس، ومريم موسى، توالي العديد من الشهادات الحية، الصادمة والموجعة ، تقدمت بها العشرات من الضحايا، اللواتيٍ قدمن من كل ربوع المملكة، واللواتي تتعدد مشاكلهن وتجتمع حول مشكل واحد، عنوانه الفقر والهشاشة والتهميش والإقصاء والاستغلال والاستعباد والبطالة، والحرمان في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية .

كما شهدت المحكمة النسائية الرمزية، مداخلات هيئة المحلفين، والتي تشكلت من كل أمينة رشاتي وميلود الحبشي وعبد الله أونير، وصبت حول وضع النساء، سواء اللواتي يعملن بباب سبتة، ويعرفن كل أنواع الاستعباد والاستغلال ، مقابل 150 درهما، ويسمين بمسميات كثيرة، تجردهن من إنسانيتهن، وتجعلهم مجرد "بغلات، حمالات"، أو سواء النساء اللواتي يعملن بالمعامل وبالزراعة وبالمنازل وباقي القطاعات الأخرى، وما يعرفنه من إقصاء وتمييز وحرمان، أو تلك النساء اللواتي تخلين عن حيواتهم مقابل قفة لاتغني من جوع (نساء الصويرة)، متطرقة للعديد من الاختلالات التي تعاني منها النساء في قطاع العمل، وقصور القانون عن ضمان نساء أخريات في السكن والعمل، واقتسام الممتلكات والنفقة، والتمييز بسبب الإعاقة.
وأصدرت المحكمة الرمزية 17 للنساء، حكمها انطلاقا من مما تضمنه ملتمس الإحالة من وقائع وعناصر، وبعد الاستماع للشهادات التي توالت على أسماعها، وتنوعت مواضيعها، حول ماتعانيه العديد من النساء من حرمان في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وانتهاك لكرامتهن وتفقير متعمد إما من طرف الزوج أو المشغل أو الدولة، عبرالسياسات العمومية غير العادلة، والتي لا تستحضر احتياجات النساء، وتبقي على قوانين تمييزية، وبعد الاستماع للسادة المحلفين الذين حللوا أسباب تفقير النساء وماينتج عنه، وبعد مرافعة مفوض المدافع عن الحق والعدل(عبد العزيز الرويبح)، وبعد مرافعة دفاع المشتكيات، وبعد المداولة، فقضت محكمة النساء 17 بتفعيل مقتضيات الدستور ذات الصلة بحقوق النساء، وخاصة الفصل 6 و18 و31 .
كما قضت بإرساء المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق والحريات، من خلال ملائمة القوانين الوطنية، والاتفاقيات الدولية، وتنقيتها من كل مظاهر التمييز المبنية على الجنس، وتحمل الدولة لمسؤولياتها في وضع سياسات عمومية عادلة، بضمان مبدأ المساواة في ولوج النساء في حق الملكية والموارد، وفي حقهن في العيش الكريم.وجاء قرار المحكمة 17 بإدانة جميع أشكال التمييز واللامساواة ضد النساء، واعتبار الفقر أخطر صور العنف الاقتصادي، وملاءمة القوانين الوطنية للدستور والاتفاقيات الدولية، وتنفيذ التزامات المغرب الدولية ، وتنقية القوانين من كل مظاهر التمييز على أساس النوع الاجتماعي.

وطالبت بإلغاء ظهير 1919، وسن قانون لتنظيم أراضي الكيش والجموع، يضمن الحق في الملكية للجماعات السلالية، والكيشية على أساس المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة من حقها في الملكية ، واعتبارها من ذوي الحقوق، ومراجعة شاملة لمدونة الأسرة، مما يضمن انسجامها مع مقتضيات الدستور، وتحقيق المساواة بين كل أفراد الأسرة وإلغاء كل الفصول التمييزية، كزواج القاصرات، والعمل على تجريمه، التعدد والولاية على الأبناء والحضانة. تبسيط الاستفادة من التكفل الاجتماعي، وجعل قضايا تنفيذ النفقة تحت مسؤولية النيابة العامة، فتح المجال للاجتهاد المنفتح لتعديل منظومة الإرث لما يضمن حقوق النساء.

وألحت المحكمة بالتعجيل بوضع قانون للمساواة، على غرار التشريعات المقارنة لمأسسة المساواة، ووضع الأسس القانونية للمساواة في الأجور، التعويض عن فقدان الشغل، وتبسيط المساطر، حماية النساء الحاملات للبضائع في معبر سبتة وامليلية السليبتين من كل أنواع المعاملة المهينة والحاطة للكرامة، ومن الاستغلال من لوبيات ومافيات التهريب، وضع سياسات عادلة مبنيىة على العدالة الاجتماعية والمجالية وتكافؤ الفرص بين الجنسين، توجيه الساسات العمومية في اتجاه استفادة النساء على قدم المساواة بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثفافية والبيئية، وقيام بدراسة جدوى لمقاربة النوع في كل السياسات العمومية وفق مقاربة شمولية، تنظيم حق المعاش في أفق إنصاف المرأة الأرملة والمطلقة.