ما يحتمله الإنسان مُرغما لا يُدرج من ضمن القوّة



فؤاده العراقيه
2018 / 3 / 25

ليس هناك أسهل من الطاعة والعبودية وقبول الحياة على ما هي عليها دون أي إعتراض ولا محاولة للإرتقاء بها,ولسان حال صاحبها يقول ليبقى الوضع على ما هو عليه فالقناعة كنز لا يفنى ,هو لا يدرك بأن حياته ستكون في رجوع مستمر لكون عجلة الحياة تدور وهوقابع في مكانه قانعاً بحياته وخانعاً لها حيث لا يعرف الحراك طريقا له بفضل الرضا بما هو مقسوم, وكذلك قناعاته الثابتة التي ستترتب عليها تبعات خطيرة حيث تُطمسه بهاوية تأخذه بعيدا عن واقعه لينغمس بمشاكل لا تُعد ولا تُحصى لكونه استسلم لقدره .
هناك فكرة شائعة آمن بها الغالبية حيث تسعى هذه الغالبية لقبول الواقع مهما كان سيء ويفسروا فعلهم هذا ,أو فكرتهم هذه على انهم عاجزين عن تغيير واقعهم ولا بديل لهم سوى التكيف معه ليكسبوا راحة بالهم وليرفلوا بالراحة والهناء مبرّرين استسلامهم هذا بسؤالهم المتكرر دوما وهو: بماذا سينوب المتمرّد سوى من ارهاقا وتعبا بمحاولته في تغيير الواقع,ليحوّلوا استسلامهم ورضوخهم لواقعهم المزري إلى انتصاراً , ويوهموا انفسهم بالعقلانية وبرؤيتهم الواعية للواقع متوهمين بأنهم يتمتعون بشخصية سويّة وبصحة نفسية يفتقد لها المتمردين والمثاليين الذين يعيشون في عالم الخيال , وهم بتفكيرهم هذا يعمون انفسهم من رؤية غبائهم .
نعيش بين أمثال هؤلاء وهم غالبية ,وفي أوساطهم نرى كم مهول من التناقضات وهم مثالاً حياً للإنسان السلبي الذي يولد ويموت دون أن يُقدّم شيئاً للحياة سوى أبناء على شاكلتهِ ليحملون أسمه فقط .
هؤلاء ولِدوا في مجتمعاتنا حيث يولد الإنسان بها مسلوب الإرادة منذ البدأ , ومعدوم من ابسط الحقوق وأولها حرية الاختيار,التي تقمع وتشل عقله وتفكيره ,فلا يحق له ان يختار طائفته ولا مذهبه حيث يتوارث المذهب والطائفة قبل حتى ولادته, لتبدأ لديه رحلة القمع والخنوع والطاعة والقبول بالواقع مهما كان مخالفاً لتكوينه دون أي حق له في الإعتراض ,وتبدأ الحياة تسلب منه حريته شيئا فشيئا فينعدم لديه منذ أول يوم لولادته حرية الاختيار ,فلا اختيار لديه سوى من أفعال بسيطة غير محسوبة على الإنسان ومن ثم سيتوارث عادات وتقاليد أهله ومذهبهم وستكون له كجينات لا يمكن تغييرها , كما إنه سيتوارث بقية الصفات بل وحتى العادات وسيكون مُجبرا على اختيارها دون إرادة منه لكون عقله أخذ قالبا محددا واستمر عليه دون القدرة على الخروج منه ,ويستمربحياته بلا تفكير ولا حتى وقت لديه للقراءة والتأمل والتحليل ليختار ما سيتلاءم مع تكوينه ,وكل طائفة ستُلقن أبنائها على تقديس طائفتها هي دون غيرها ,وكذلك يصح الكلام بالنسبة للأديان لكون كل من اعتنق مذهب يعتقد بأن المذهب الذي اعتنقه هو الصحيح وبأن الله قد اصطفاه عن بين بقية المذاهب, دون أن يسأل نفسه هل أخطأ الله مع بقية المذاهب ومن ثم صحح من أخطائه بالمذهب الآخر الذي جاء به سابقاً؟!!
ينطبق هذا على المرأة والرجل معاً , ولكن لكون المرأة مسلوبة الحقوق أكثر من الرجل حيث الإضطهاد عليها هو مضاعفا , بمعنى إنها مُضطهَدة من قبل المُضطهَد وعليه سيكون إستسلامها للواقع سهلا ومقبولاً أكثر من ما يكون مقبولا للرجل, وخصوصاً لكون الإستسلام هو سمة من سمات الأنوثة حسب معايير مجتمعنا , هذه المعايير قد إلتصقت بعقلها الغير واعي دون أن تدري ,فما يُعيبها هو تحدّيها وتمرّدها , ولكن الإستسلام لا يعيبها بشيء فهو صفة من صفات الجمال لها , فتحوّل إستسلامها إلى قوّة حيث قالواعن المرأة العراقية بأنها قوية وقوتها نابعة من صبرها , قوية لكونها تحمّلت أعباءً كثيرة , وفعلا هي كذلك , حيث تحمّلت متاعب الحمل والولادة والجزء الأكبر من عبأ الأبناء , وبمفردها تحمّلت أعمال المنزل إضافة لعنجهية الزوج والإهانة في سبيل الحفاظ على اسرتها, وتحمّلت مسؤولية إعانة الأسرة في زمن الحصار وكانت تعمل خارج البيت وداخله ,ولا زالت تعمل في مجالات عديدة في سبيل تدبير قوت يومها وشؤون أسرتها ,فيقولون عنها رغم كل هذا هي لا زالت صامدة !!.
ولكن أي شخص يستطيع أن يتحمّل اعباء مثل هذه بل وأكثر منها حيث لم يكن يتوقع يوما بأنه قادرا على أن يتحمّلها ,ولكنه يجد نفسه يتحمّل لا لكونه قويا بل لأجل البقاء على قيد الحياة بفعل الغريزة التي تُجبره على تحمّل المزيد من الأعباء في حال إضطرته الظروف لتحملها .
فمن أين تأتي قوة الإنسان ؟
وهل ما تحمّلته المرأة هنا يُدرج من ضمن القوة ؟ أم إنه الصبر الذي صارت مجبرة عليه؟