زهرة الصبار



عائشة خليل
2018 / 3 / 26

شقشقت والنور بشاير ، زهرة الصبار يا سلمي
يا نسيم الليل يا طاير خذ لمصر في الصبح كلمة
طول ما يبقى الركب ساير بالبصاير والعينين
يبقى ضامن
يمشي آمن
يبقى عارف يمشي فين

لحن الشيخ إمام هذه الكلمات البديعة التي كتبها رفيق دربه أحمد فؤاد نجم، وغناها. واستوحت منها هالة القوصي عنوان فيلمها " زهرة الصبار" وإطاره.
فالبطلة "عايدة" ممثلة صاعدة، تبدأ رحلة البحث عن مأوى مع جارتها المسنة "سميحة" بعد أن طردتهم صاحبة المنزل. وبمساعدة جارهم الشاب "ياسين" يتقلبون من مأوى إلى آخر بحثا عن مرسى في خضم المدينة الضاغطة. والثلاثي يمثل أجيال مختلفة، فسميحة من جيل شهد قاهرة غير التي نعرفها اليوم، وياسين من جيل ما زال يتدثر بالأمل، بينما "عايدة" الأقرب إلى جيل "ياسين" متأزمة تبحث عن ذاتها.

وتسلط المخرجة الضوء على شرائح مختلفة من مجتمع القاهرة، فرفقاء الرحلة فرقاء اجتماعيا: البطلة الشابة ذات الجذور الريفية تصحبها المسنة وهي من خلفية برجوازيا عليا ولكنها مفلسة حاليا، بينما تشي أظافر ياسين أنه "ابن ناس وليس ابن شارع" كما تعلق سميحة . تنوع وتباين المجتمع القاهري تكشفه المحطات المختلفة فمن أخت سميحة التي تمثل الشريحة العليا من البرجوازية، إلى أم عايدة خياطة الملابس ذات الأصول الريفية، إلى "حبيب" عايدة الذي يشير إلى الاستغلال الجنسي من بعض المثقفين للفتيات بدعوى الحب، إلى المغني الشاب المحبط والمكتئب، إلى زميلة عايدة المعتزلة الملتزمة والتي باعت حلمها بالتمثيل مقابل الاستقرار المادي والعائلي. كلها نماذج تشير إلى ثراء المجتمع القاهري باختلافاته وتبايناته الحادة.

كثفت المخرجة هالة القوصي الحدث الدرامي "البحث عن مأوى" لتفرد مساحة في الفيلم الطويل نسبيًا لمشاهد فوق واقعية تسرد من خلالها ما قد تعجز الكلمات عنه، كما استخدمت الكاميرا لتأسر لنا ملامح اللحظة والحدث. فمثلا في مشهد يعتمد على الكاريوجرافي نلمس معاناة عايدة من التحرش الجسدي في مدينة ضاغطة. وفي بحثهم عن مأوى يقضي الثلاثي وقتًا طويلا نسبيًا داخل التاكسيات، وتسلط المخرجة الكاميرا دوما على ما هو خارج التاكسي، فنرى تزاحم اليفط على واجهات العمارات المكتظة، وتشابك الكباري، وازدحام الطرق، والتواجد الأمني المستمر في لقطات كثيرة تكثف الإطار الحامل للقصة: المدينة المثقلة العجوز الضاغطة ـ نبات الصبار الذي تنمو وتزدهر فيه وبالرغم عنه الزهرة الرقيقة.
وتميز في الفيلم مراون العزب الذي قام بدور الشاب ياسين، ويبشر أداءه بمستقبل واعد. وانتزعت منحة البطراوي التي قامت بدور سميحة شهادة بمكانتها كممثلة قديرة، كما انتزعت الضحكات من الجمهور مما قلل من الكآبة المحتملة للفيلم بالنظر لنبات الصبار (القاهرة) الذي طالعنا على مدار العرض. ولعل أضعف حلقة كانت سلمى سامي التي قامت بالبطولة والتي ارتبكت في المشاهد الاستهلالية للفيلم، وجنحت إلى التعبير الداخلي في باقي الفيلم مما أفقدها قدر من التواصل مع الجمهور.

تختم هالة القوصي الفيلم على نغمة مبهجة، فبعد شهرين من الأحداث تنفصل خلالهما عايدة عن "حبيبها" تستقر أمورها نسبيًا وهي في منزل والدتها ويبدأ مسارها المهني في التطور. وتتطلع كما تقول إلى يوم تمتلك فيه بيتها الخاص الذي تملأه الأنوار ... كلمات تعيدنا إلى أغنية إمام/ نجم، وكأنه عود على بدأ.