اصلاح المجتمع وفقا لفلسفة عقيدة الحياة لمعاصرة / الجزء الثاني عشر



رياض العصري
2018 / 3 / 28

ـ الموت ظاهرة طبيعية تحصل لكل كائن حي كنهاية لحياته ، الكائن الحي عبارة عن ( مادة + طاقة ) وان الطاقة هي القوة الدافعة والمحركة لجسم الكائن الحي ، وهي الدليل على وجود الحياة في جسم الكائن الحي ، والناس يسمون الطاقة المتولدة داخل الجسم ( روح ) حسب معتقداتهم الدينية وهذا راجع الى الجهل بحقيقة الحياة وكونها طاقة متدفقة تتولد داخل جسم الكائن الحي ، بتوقف امدادات الطاقة يحصل الموت ، موت الانسان يعني ان جسمه لم يعد ينتج الطاقة اللازمة لاستمرار فعالياته الحيوية ، اي انه اصبح مادة فقط بدون طاقة ، وبالتالي فان احساسه بالعالم المحيط به قد توقف نهائيا
ـ فلسفة عقيدة الحياة المعاصرة تجاه مسألة الموت تتلخص في ان الموت ظاهرة طبيعية مرتبطة ارتباطا جدليا بظاهرة الحياة ، لا وجود للموت من غير وجود حياة ، ولا وجود لحياة دائمة من غير موت ، الانسان يمر بتجربة الحياة والموت مرة واحدة فقط وهذه هي فرصته الوحيدة للتعبير عن وجوده ، مشوار حياة الانسان مشوار قصير جدا ولا يعد له قيمة نسبة الى عمر الكون ، ولكن اين كنا قبل ظهورنا في الحياة ؟ الجواب لقد كنا في العدم ، منذ نشأة الكون ونحن في العدم ، ثم شاءت الظروف ان تنبثق الحياة على سطح كوكب الارض ، ثم تظهر انواع الكائنات الحية ، ثم يظهر الانسان كأرقى انواع الكائنات الحية متميزا بالعقل والوعي والادراك والذكاء ، ثم جاء دورنا نحن فظهرنا الى الوجود بعد سلسلة طويلة جدا من تعاقب أجيال اسلافنا القدماء ، نحيا لفترة من عمر الزمان ثم بعد ذلك نرحل عن الحياة عائدين الى العدم كما كنا من قبل وكما هو حال الاموات في العصور السابقة حيث رحلوا عن الحياة واصبحوا في غياهب العدم ، ولكن وعلى الرغم من ان وجود الانسان في هذه الحياة لم يكن بارادته ولا بارادة جهة ما في السماء ، فاننا لا نحمل نظرة متشائمة الى الحياة ، نؤمن بان لحياة الانسان قيمة مقدسة يجب احترامها ، وان يكون للانسان هدف او غاية من وجوده في الحياة ، الهدف او الغاية يصنعها ويحققها الانسان ذاته لكي يحقق معنى وجوده في الحياة ، الانسان هو من صنع الحضارة وعمّر الارض بما يمتلكه من عقل مفكر ومبدع ، وتعبيرا عن الاحترام للعقل الانساني وللكرامة الانسانية فاننا نؤمن بان كل انسان يستحق الحياة الحرة والكريمة في ظل مباديء الحق والعدل وهذا هو الهدف من وجود الانسان
ـ الحياة هي فرصة وحيدة للانسان ليعبر من خلالها عن استحقاقه للحياة الحرة والكريمة ، عند موت الانسان يفنى الجسم ويبقى الاسم ، الجسم بعد موته يعود الى الطبيعة على شكل مواد اولية بعد تفككه وتفسخه ، اما الاسم فان اعمال الانسان واخلاقه وسيرته هي التي تحدد مصير اسمه بعد موته ، الانسان خلال رحلته في الحياة يسعى سعيا دؤوبا للحصول على المال والممتلكات لتحقيق اهداف وجوده في الحياة والتعبير من خلالها عن انسانيته ، وهذا من حقه ، ولكن عند موت الانسان تنتهي رحلته في الحياة ويتوقف سعيه الدؤوب ويغادر تاركا امواله وممتلكاته ، الموت يفصل بين الانسان وبين امواله وممتلكاته... الانسان يموت ولكن الاموال والممتلكات لن تموت ، ممتلكات الانسان الميت تبقى محتفظة بقيمة وجودها بين البشر الاحياء ، فتنتقل الاموال من الاموات الى الاحياء ، من الناحية المبدئية فان صاحب المال يكون حر التصرف بامواله في حياته وهو الذي يقرر مصير امواله بعد وفاته من خلال وصية يتركها اثناء حياته ، اما من يموت دون ان يترك وصية فيتم التصرف بامواله بموجب قواعد وضوابط يتم وضعها بموجب نظام لاسلوب انتقال الاموال والممتلكات من الاموات الى الاحياء ، هذا النظام يسمى نظام ( الميراث )
ـ الميراث هو الاموال التي يتركها المتوفي ان كانت على شكل اموال نقدية او ممتلكات منقولة او غير منقولة ، ويتم تأسيس مكتب خاص بالوصايا يسمى ( مكتب شؤون الوصايا ) يكون تابع لدائرة شؤون الاسرة وتكون مهام هذا المكتب هي تسجيل وحفظ وصايا المواطنين لكي يتم الرجوع اليها بعد الوفاة ، ويجب ان يتوفر نظام حماية صارم لهذه الوصايا لمنع حدوث تلاعب او تزوير بها .
ـ حسب فلسفة عقيدة الحياة المعاصرة فان المبدأ العام فيما يتعلق باسلوب التعامل مع الميراث هو ان مصير الاموال التي يتركها الشخص المتوفي يتم تحديده من قبل الشخص ذاته صاحب المال ( اي الوارث ) من خلال وصية يتركها قبل وفاته ، وبالتالي فان على كل شخص بالغ ومؤهل ان يترك وصية خلال حياته مدون فيها طريقة التصرف بالاموال والممتلكات التي يتركها بعد وفاته ، الوصية يتم اكتتابها وايداعها في مكتب الوصايا التابع لدائرة شؤون الاسرة بعد اخذ توقيع وبصمة صاحب الوصية وتوثيقها بطريقة رصينة غير قابلة للتزوير او للتحريف بمضمونها ، يفضل ان تدون الوصية بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويلات ، كما يفضل عند اكتتاب الوصية ان يكون هناك شهود ، ويجوز الاكتتاب بدون وجود شهود بناءا على رغبة صاحب الوصية مع ضرورة تدوين هذه الرغبة في الوصية ، تسلم الى صاحب الوصية نسخة من الوصية بعد توثيقها ، وتودع نسخة منها في مكتب الوصايا ، ونسخة ثالثة في دائرة شؤون الاسرة ، يتولى مكتب شؤون الوصايا التابع لدائرة شؤون الاسرة الاشراف على الوصايا وحفظها بمكان آمن لا يعرضها الى التلف او التحريف ، ولاغراض الحفاظ على سرية الوصايا يتم حفظها في صناديق خاصة وتحت قيد ( السري والشخصي ) اي بمعنى لا يحق لاي شخص مهما كانت درجة قرابته بصاحب الوصية الاطلاع عليها الا اذا كان هناك استثناء بناءا على رغبة صاحب الوصية شخصيا ، ، يجوز لصاحب الوصية اجراء التعديل او التغيير في مضمون الوصية كلما رغب بذلك ، يتم رفع القيد عن الوصية وتصبح مشاعة للجميع بعد مرور فترة لا تقل عن 30 يوما على وفاة صاحب الوصية ، ويتم تنفيذ الوصية حرفيا وحسب ما مدون فيها ، وتكون الدولة ملزمة بتنفيذ الوصية حتى لو كان مضمونها غير عادل وغير منصف ، مسؤولية محتوى الوصية تقع على عاتق صاحبها ولا تتحمل الدولة اي مسؤولية عند تنفيذها لمضمون الوصية انطلاقا من مبدأ ان كل انسان هو حر التصرف بأمواله في حياته وبعد وفاته ، وفي الجزء القادم سوف نعرض اسلوب التعامل مع الميراث في حالة عدم وجود وصية من قبل المتوفي صاحب الميراث .
يتبع الجزء الثالث عشر ......