كلما تقدم العالم درجات تأخرنا سنوات ضوئية...



حياة البدري
2018 / 3 / 29

لا يمكن لإنسان حقيقي، أن يشاهد ذلك الفيديو المتعلق بجريمة الاغتصاب، التي سجلت تفاصيلها في مدينة بن جرير في شهر أبريل ، ونفذت في حق تلميذة قاصر ترتدي وزرتها البيضاء، وتحمل محفظتها على ظهرها، وهي تجركما تجرالشاة للذبح، وتقلب أطرافها على الأرض، كما تقلب الأشياء، وهي تصرخ وتتوسل وتستنجد ملأ فمها، وعقلها يكاد يخرج وينفلت من حلقها، و الوحش الآدمي يعمل على تجريدها من سروالها، بغية الانقضاض على فريسته، غيرآبه لكل توسلاتها وصراخها... وصديقه يوثق لحظة الموت النفسي والتجريد من الإنسانية والانغماس في الوحشية.

فلا أحد يشاهد هذا الفيديو، دون أن يقشعر بدنه وجلده، ودون أن تتسارع دقات قلبه... ودون أن تخيم عليه الصدمة، ويركبه الهلع والقرف، على هذا الحال المزري وهذا الدرن الذي يغلف القلوب، وهذا العنف الذي لازالت بناتنا تشرب من ينابيعه العديدة والمتنوعة، والذي لا تزال نساؤنا تتعرض لجرائمه، والذي تتجدد أساليبه وتتطور، بتطور وتجدد أدوات العصر، وبتغاضي المسؤولين عن فضاعته وبتساهلهم مع المجرم وعدم تجريم العنف.

بعد كل هذا القرف وهذه المهازل المتتالية في حق النساء والطفلات، ألم تستيقظ الضمائر بعد؟ ألن يتحرك أولو الأمر بعد؟ ألم تتجشأ المعدة جراء التعنيف والتقتيل النفسي بعد؟ ألم تنضج الرؤوس؟ ألم تحن اللحظة الحاسمة لنقف جميعا ضد هذا الغول الأخرق؟ وهذا المرض العضال وهذا العارالكبيرالذي لا نزال نحتل فيه المراتب الأولى، وجعل بلادنا تتبوأ الدرجات الأخيرة في اللاعنف.

اغتصاب في واضحة النهار وعلى "عينك يابن عدي" ومع التوثيق بالصوت والصورة؟؟؟...يا للعار والهوان... و"للضصارة" الزائدة !!! اغتصاب آدمي ! وكأنه يشد فرخة أو شاة... وليس إنسانة بشحمها ولحمها ونفسيتها... أي مقت وأي سيبة هذه؟؟؟ !!!...وأي انفلات عقلي وأخلاقي وأمني وروحي...هذا؟؟؟... وأي تساهل في الأحكام؟؟...

بالله عليكم، متى سنقف جميعا ونقل كفانا همجية وحيوانية... وأن عصر الغاب واللاحقوق... قد انتهى وولى، وقد أصبحنا في عصر المساواة والحقوق الإنسانية والكرامة البشرية، والحقوق النسائية، التي نص عليها دستورنا الإلهي، ويعمل الفكر الذكوري على حجبها والعمل على تعتيمها بعدة مسميات، ونص عليها دستورنا الوضعي، الذي اتفق وصوت عليه الكل، دستور(2011) والذي صادق عليها من خلال مجموعة من البنود والمواثيق الدولية التي تناهض العنف ضد النساء.

أمر مؤلم ومقيت كل المقت... يدمى معه القلب إلى درجة الانفطار... لابد من تحقيق الأمن النفسي للفتاة وللنساء... لابد من إيجاد حلول جذرية... لابد من التجريم والعقاب وعدم التساهل مع المجرم وعدم إفلاته من العقاب...ولابد غسل الأدمغة... بالتحسيس والتوعية....لابد من تغيير العقليات الذكورية... ولابد من منح المرأة مكانها وكامل حقوقها... ولابد من وضع حد جذري لهذه الحماقات وهذه السيبة المفرطة... بوضع قوانين زجرية تكفل الوقاية والحماية والتكفل وعدم التساهل مع الوحوش البشرية.

فقد ولى عصر الوأد البدني والنفسي... للنساء والفتيات والطفلات، فلابد من قطع دابر العنف، بسن قانون جد ملائم ضد العنف، ولابد من تقريب المدارس والإعداديات والثانويات، من التلميذات وخصوصا بالبوادي والمدن الصغرى... وإلا سيخلق هذا الفيديو وأمثاله الكثيرة، (التي أصبحت تمطر العالم الافتراضي بشكل متتالي)، الهلع في قلوب الآباء قبل التلميذات... وسيذكي نار الهدرالمدرسي، وبالتالي تكريس الأمية الأبجدية والثقافية وكل أنواعها، والحكم على المجتمع بالانغماس في براثن الجهل المطبق وازدياد نسب العنف والقتل النفسي والبدني في حق النساء... والرجوع إلى عصر الجاهلية الأولى.