اصلاح المجتمع وفقا لفلسفة عقيدة الحياة المعاصرة / الجزء الرابع عشر والاخير



رياض العصري
2018 / 4 / 28

حول علاقة الجنس بالزواج فان الثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية والتي هي ثقافة الفكر الديني تقوم على ان الجنس والزواج مرتبطان ببعضهما ، وان الشرعية الوحيدة للممارسة الجنسية تكون من خلال الزواج ، بمعنى لا جنس من غير زواج ، وأي ممارسة جنسية بين الذكر والانثى خارج دائرة الزواج تكون محرمة وتعتبر زنا وفقا للشريعة الدينية ، هذا اذا استثنينا مسألة سبي النساء واستعبادهن التي كانت سائدة في عصور الاديان ، نحن لا نتفق مع هذه الرؤية وننظر الى مسألة علاقة الجنس بالزواج من زاوية اخرى مختلفة ، اننا نفرق بين الجنس وبين الزواج ، ونرى بان دائرة الجنس أوسع من دائرة الزواج ، ولا ينبغي ان نحصر مجال ممارسة الجنس داخل دائرة الزواج فقط ، الجنس ضرورة طبيعية وبالتالي هو ملزم للفرد ويتحتم على كل انسان بالغ عاقل مؤهل ـ ذكرا كان ام انثى ـ ان يمارسه بشكل معقول لكي ينسجم مع متطلبات جسده وفقا لقوانين الطبيعة فيحيا حياته بشكل متوازن وطبيعي ، اما الزواج فهو ضرورة اجتماعية فيه مصلحة للمجتمع الا انه ليس ملزما لكل فرد وليس هناك ضرر للمجتمع في حال عزوف البعض عنه ، الضرورة الطبيعية نابعة من قوانين الطبيعة اما الضرورة الاجتماعية فهي نابعة من قوانين المجتمع ، قوانين الطبيعة موروثة وقوانين المجتمع مكتسبة ، القوانين الموروثة لها السيادة على القوانين المكتسبة ، الانسان في الاصل هو ابن الطبيعة قبل ان يكون ابن المجتمع ، وبالتالي يجب ان لا يكون الزواج هو الطريق الوحيد والحصري للحصول على الجنس ، ان حصر ممارسة الجنس بدائرة الزواج فقط يسبب اضرار بليغة للاسرة وللمجتمع ، الزواج وتكوين اسرة هو مشروع اجتماعي وليس مشروع ترفيهي ، مشروع الزواج مشرع شراكة بين رجل وامرأة لتأسيس اسرة تمثل وحدة بناء الكيان الاجتماعي ويترتب على تأسيسها التزامات ومسؤوليات ، ولكن هناك من الرجال والنساء من هم غير مؤهلين لحمل هذه المسؤولية ، هناك نوع من البشر لا يمتلكون الرغبة ولا القدرة والاستعداد لتحمل مسؤولية الزواج والاسرة ، هؤلاء قد يضطرون وتحت ضغط الدافع الجنسي الطبيعي الى الدخول في مشاريع زواج وتأسيس اسر وانجاب ابناء دون الاستعداد لتحمل اعباء هذه المشاريع فتكون النتيجة تأسيس اسر فاشلة بابناء غير صالحين ليتحول وجودهم في المجتمع الى نقمة على المجتمع ، من هو غير مؤهل لحمل مسؤولية الاسرة والقيام بواجباته الاسرية بالتأكيد لن يكون مؤهلا لتنشأة ابناء صالحين ، ان تأسيس اسرة فاشلة بابناء غير صالحين يتعدى ضرره حدود الاسرة ذاتها الى المجتمع كله ، المهمة الاجتماعية للزواج يجب ان لا تكون مجرد انتاج افراد للمجتمع ، وانما في جودة نوعية الانتاج ، مبدأنا في ذلك ( ان وجود سلعة ما ذات نوعية رديئة هو أسوء وأكثر ضرر من عدم وجودها لان تكاليف عملية اصلاح الرديء باهضة وقد تنتهي العملية بالفشل ) ولغرض حماية المجتمع يجب ان يتمكن من الحصول على الجنس كل من لا يرغب في الزواج وتكوين اسرة ، وبالتالي يجب السماح في المجتمع بوجود اسلوب ( الجنس العابر للزواج ) لتلبية احتياجات شريحة العزاب غير الراغبين بالزواج ، كما ان هذا الاسلوب يشمل ايضا حتى الاشخاص الذين كانوا متزوجين سابقا واصبحوا في حالة ( طلاق او ترمل ) ، هذه الممارسات (اي الجنس العابر للزواج ) تعتبر من الحقوق الشخصية لكل فرد بالغ ولا تعتبر مخالفة للقانون ولكنها يجب ان تكون خاضعة لعدد من الضوابط والشروط لغرض منع ممارسي هذا الحق من الانحراف عن الهدف ، ممارسة الجنس لا تستلزم توفر غطاء قانوني وانما تستلزم وجود ضوابط فقط ، القوانين والضوابط وضعت لضبط سلوك البشر ويتوجب وجود حساب وعقاب لمن يخالف تلك الضوابط ، علما بان مؤسسة الزواج او المنظومة الاسرية سوف لن يصيبها الضرر في حالة السماح بحرية الحصول على ( الجنس العابر للزواج ) للبالغين ، اما الشروط او الضوابط التي يجب التقيد بها في مثل هذه الممارسات فتتمثل في : 1) ان تكون الممارسة عن رضا الطرفين ، اي لا يجوز ممارسة الجنس مع الاخر تحت ظروف الغصب او التهديد او الابتزاز ، 2) ان يكون الطرفين بالغين من حيث العمر ، اي لا يجوز لشخص بالغ ان يمارس الجنس مع شخص قاصر حتى وان كان ذلك برضاه ، كذلك لا يجوز الممارسة بين القاصرين انفسهم 3) احترام مشاعر الناس في الاماكن العامة وتجنب ممارسة الجنس في الاماكن العامة ، 4) ان لا تؤدي هذه الممارسة الى حصول حالة حمل ، لاننا نرفض بشدة ولادة طفل من غير وجود عقد زواج بين والديه ، هذه هي الضوابط لممارسة ( الجنس العابر للزواج ) وان الدولة تتحمل مسؤولية مراقبة الالتزام بهذه الضوابط ، يجب ان ندرك بان الانسان البالغ المؤهل ـ ذكرا كان ام انثى ـ من حقه ان يحيا حياته دون زواج اذا رغب بذلك ، الانسان حر في ان يختار حياة العزوبية او الحياة الزوجية ، وان خيار العزوبية لا يسقط حق الانسان الطبيعي في السعي للحصول على الجنس ، لا ينبغي ان تترتب اي مسائلة او تبعات قانونية عن قيام الشخص الاعزب ( ذكر أو أنثى ) بممارسة الجنس ، هذا مع العلم باننا ذكرنا عند الحديث عن انواع عقود الزواج ان هناك نوع من العقود المؤقتة اسميناه ( عقد زواج مؤقت بدون اطفال ) مدة صلاحية هذا العقد لا تزيد عن سنة واحدة ولكنه يتضمن بعض الشروط وهو مناسب لمن يرغب بالجنس المؤقت داخل دائرة الزواج ، اما من لا يتوفر لديه الاستعداد للدخول في اي نوع من عقود الزواج لاي سبب من الاسباب فمن حقه ان يجد الوسيلة المناسبة للحصول على الجنس في اطار الضوابط التي ذكرناها آنفا ، اما بالنسبة للانسان المتزوج فانه خارج هذه الممارسة لانه لا يحق له ممارسة الجنس الا مع شريكه في عقد الزواج ، وهذا الشرط مدون في عقد الزواج ، هذا الشرط يشمل ايضا عدم قيام الشريك بالتصرفات التي تنم عن ايحاءات جنسية بالافعال او بالاقوال مع غير شريكه ، مثل هذه التصرفات غير جائزة وتعتبر مخالفة لشروط العقد ، عقد الزواج هو وثيقة مهمة لحفظ حقوق الطرفين المتزوجين وبيان واجبات كل طرف تجاه الاخر حفاظا على النظام الاسري ويجب الالتزام به من قبل الطرفين ، ممارسة الجنس مع غير الشريك في عقد الزواج يعتبر خيانة للاتفاق المبرم بين الزوجين ، كما ان فعل الخيانة بالاضافة الى كونه انتهاك للعقد فهو فعل مخل بالشرف ونرى بان اللجوء الى الانفصال للتمتع بحرية ممارسة الجنس هو افضل من ارتكاب الخيانة الزوجية ، لان خيار الخيانة أسوء بكثير من خيار الانفصال
ـ علينا ان نتفهم ونتقبل النشاط الجنسي للمراهقين البالغين جنسيا ونتعامل مع هذا النشاط بعقلانية وواقعية ، البلوغ نوعين ... بلوغ جنسي وبلوغ عقلي ، البلوغ الجنسي عادة يسبق البلوغ العقلي ببضعة سنوات ، واذا كنا قد منعنا الممارسة الجنسية بين القاصرين انفسهم فانه لا يمكننا منع النشاط الجنسي لدى هذه الشريحة من المجتمع ، يجب ان يكون النشاط الجنسي للمراهقين تحت الرقابة والسيطرة من قبل اولياء الامور في البيت والمسؤولين في المدرسة لكي لا يساء التصرف في هذا النشاط الطبيعي فينعكس ضررا على الشخص وعلى المجتمع ، ونحن ننصح بالعمل بنظام الاختلاط بين الجنسين في المدارس وفي مواقع العمل والحياة العامة لكي تسود الاجواء الطبيعية بين الجنسين ، اننا نرى ان الفصل بين الجنسين اكثر ضررا على المجتمع من الاختلاط بينهما ، وحتى لو حدثت تجاوزات او اعتداءات جنسية من جراء هذا الاختلاط فانه يمكن معالجتها بشكل عقلاني ومنطقي من خلال التوجيه والارشاد ومحاسبة المعتدي مع ازالة آثار الاعتداء بهدوء من غير انفعال ، وينبغي التمسك بالصبر وضبط النفس في التعامل مع المراهقين من مرتكبي الاعتداءات الجنسية الى ان يحدث التحول في نمط القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع والتي هي بمجملها مفاهيم ذكورية من رواسب نظام اجتماعي ديني رسخ نظام الفصل بين الجنسين منذ زمن بعيد
ـ قوة الغريزة الجنسية لدى الانسان تخضع لعوامل وراثية بايولوجية ولا علاقة لها بالاخلاق او بالتربية ، الجنس غريزة ذات صفة مادية بحتة ولا علاقة لمفهوم الشرف بالميول الجنسية او بالسلوك الجنسي طالما كان هذا السلوك محصورا في النطاق الشخصي ولا يسبب الضرر للمجتمع ، كما اننا نرفض مفهوم ربط شرف المرأة الباكر ( العذراء ) بغشاء بكارتها ونعتبره من الاعراف المتخلفة لانه لا يحمل اي وجه حق ولا يتفق مع المنطق ، كذلك نرى ضرورة ابعاد شؤون الجنس عن حياة الاطفال وعدم استغلالهم او الزج بهم في مثل هذه الامور ممارسة او مشاهدة او سماع لان ذلك يعتبر انتهاكا لحقوق الطفل ، وفي الختام نقول اذا كنا نؤيد الحق الطبيعي للانسان في ممارسة الجنس فاننا نرى بان على الانسان ان يكون قوي الارادة فلا يذل نفسه ويهدر كرامته تحت ضغط الغريزة الجنسية ، الانسان مطالب باحترام قيمته والحفاظ على كرامته حتى امام القوة الطبيعية للغريزة الجنسية ، كرامة الانسان يجب ان تكون فوق كل شيء . انتهى